احتمال إلغاء الدعم عن المواد الأساسية خيار غير وارد على طاولة حكومة تصريف الأعمال حتى لو طال تأليف الحكومة أشهراً إضافية… لكنّ الحكومة إيّاها مكبّلة أيضاً حيال خيار “ترشيد الدعم”. هي العبارة المخفّفة لكارثة كبيرة آتية حتماً على الطريق ستطيّر الدعم من أساسه إذا طالت الأزمة الحكومية وأعلن مصرف لبنان استسلامه وعجزه عن توفير الدولارات المطلوبة لدعم أسعار المحروقات والدواء والقمح…
حرفياً لم ترشح اجتماعات السراي منذ أكثر من ستة أشهر عن إيجاد آلية ترشيد واضحة تقي اللبنانيين شرّ “الدمار الشامل”. وقد تخلّل هذه المرحلة ردّ مجلس النواب في كانون الثاني الفائت السيناريوهات الأربعة التي أرسلتها الحكومة اليه “لأنّ المطلوب خطة واضحة تناقش في ساحة النجمة”.
وهو خيار مرفوض من الرئيس حسان دياب. أقصى ما يمكن أن يذهب إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال تشكيل لجنة وزارية نيابية تناقش ترشيد الدعم “ولن أحملها لوحدي”، وفق ما نقل عنه.
يقول مصدر وزاري مطّلع: “ليس هناك خطة نهائية بعد. وواضح أنّ الرئيس دياب ينطلق من واقع أن ترشيد الدعم المطلوب من حكومته هو بسبب سياسات غير مسؤول عنها، ولذلك لا يريد أن يرى المتظاهرين أمام أبواب منزله، فيما القوى المسؤولة عن الانهيار تتفرّج”
وحتّى يوم أمس لا تزال “ملامح” الخطة المنتظرة عبارة عن “تجميع” للسيناريوهات الأربعة بأرقام جديدة ضمن سيناريو واحد لم يخرج عن إطار العموميات، مع محظورين: الأوّل “الرعب” من ردّة الفعل الشعبية باعتماد التخفيض التدريجي للدعم، والثاني عدم استعداد الوزارت المعنية لتقليص حصتها من نسبة هذا الدعم. ولذلك لا يوجد رقم دقيق للوفر الذي سيتحقّق من الرفع التدريجي للدعم وإذا كان سيتجاوز عتبة المليار دولار.
يقول مصدر وزاري مطّلع: “ليس هناك خطة نهائية بعد. وواضح أنّ الرئيس دياب ينطلق من واقع أن ترشيد الدعم المطلوب من حكومته هو بسبب سياسات غير مسؤول عنها، ولذلك لا يريد أن يرى المتظاهرين أمام أبواب منزله، فيما القوى المسؤولة عن الانهيار تتفرّج”.
ويلفت المصدر إلى أنّ “قرض البنك الدولي الذي قد يتطلّب نحو 4 أو 5 أشهر “ليمشي” يجب أن يتزامن وفق المطالبات النيابية مع ترشيد الدعم. ومسار هذا التزامن غير واضح لدينا حتّى الآن وسيكون موضع نقاش مع رئيس الحكومة.
لكن لا يمكن في المقابل أن نتخيّل عدم تأليف حكومة خلال هذه المدّة، وعليها تقع مسؤولية هذه الخيارات المصيرية وليس على حكومة تصريف الأعمال”.
وخفض الدعم عن المشتقات النفطية هو واحد من الألغام المزروعة أمام الحكومة مع كلفة استيراد تبلغ نحو 3 مليارات دولار. كرة نار يتقاذفها مصرف لبنان مع وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، فيما الحكومة تنتظر لحظة الرحيل.
وفي الوقت الضائع تفعل المستحيل لتأخير انفجار قنبلة الكهرباء بوجهها… والأخيرة تنوّر منازل اللبنانيين بـ”حلاوة الروح”.
معروف موقف الرئيس دياب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقد قالها علناً: “حاولت شيلو. قام شالني”، لكنّ العلاقة السيئة بين الرجلين لا تنسحب على كل الطاقم الحكومي.
ثمّة وزراء داخل الحكومة يتفهّمون موقف مصرف لبنان “الذي لا يستطيع التفريط بما تبقى لديه من احتياطي ولم يعد يستطيع أن يعطي الدولارات وفق الآلية والذهنية القديمة بالعمل.
وما حدث من انهيار هو مسؤولية كل الطبقة السياسية السابقة وليس فقط مصرف لبنان”.
أمّا وزير الطاقة ريمون غجر فقالها لسلامة بوضوح: “إذا ما انحلت قصّة المصاري “منطفّي المكنات” ومنقعد بلا كهرباء… وسنقول إنّ مصرف لبنان لم يدفع”.
يؤكّد مطّلعون أنّ “بري لن يمنح ورقة “إنقاذ” وزارة الطاقة لجبران باسيل، ويستخدم هذه الورقة في إطار الضغط الحكومي على باسيل”. وهذا يعني باختصار أنّ مصير اللبنانيين مع العتمة الكاملة هو رهينة النكايات السياسية
في الوضع الراهن، وبغياب خطة لترشيد الدعم يطلبها مصرف لبنان بإلحاح، الحكومة عاجزة عن تنفيذ طلب المجلس المركزي بـ”خطة للدعم مع تحديد الأولويات ومصادر تمويلها.
وتحميل الحكومة مسؤولية تحديد الإجراءات التي ستتخذها لتأمين العملات الأجنبية للاستيراد والمصاريف”.
وما ينطبق على الكهرباء ينطبق على كافة الوزارات والمؤسسات.
ومعادلة مصرف لبنان قائمة على الآتي: “لسنا الحكومة ولا يمكن أن نلعب هذا الدور”.
وأمام خوف الحكومة من اتخاذ أيّ قرار بموضوع الدعم يحمّلها عبئاً لا قدرة لها على تحمّل نتائجه، فإن المجلس المركزي يطلب موافقة الحكومة والوزراء المعنيين – و”على مسؤوليتهم” – على الدولارات التي يطلبونها من مصرف لبنان.
ويعتبر المصرف المركزي أن ليس من مهامه تحديد أولويات الوزارات “طالبة الدعم” التي تغرقه بطلبات لصرف الأموال لها وعلى رأسها وزارة الطاقة التي تستغرق الجزء الأكبر من الاحتياطي، فيما المفترض أن تنسّق مع الحكومة وتقدّم خطة مع تدرّج بالأولويات لا أن ترمي هذه المهمّة على عاتق المصرف وكأن ليس هناك أزمة.
مع ذلك، مصرف لبنان سيستمر بالدعم لكن “وفق مقتضيات الحفاظ على ما تبقى من احتياطي”.
وتتساءل مصادر مصرفية: “كيف يوجّهون الانتقاد لمصرف لبنان ثم يطالبونه بممارسة صلاحيات ليست له؟”.
وتضيف: “بعد سنة تماماً إذا استمرّ الأمر على هذا المنوال لن يلجأ أحد إلى مصرف لبنان لأنّه لن يكون هناك احتياطي يُصرف منه”.
لكن ماذا عن إقرار سلفة خزينة لكهرباء لبنان طلبتها وزارة الطاقة؟
السلفة وفق مشروع موازنة 2021 هي بقيمة 1500 مليار ليرة، ووزير الطاقة يفتّش” عن “المفتاح” لإقرار القانون، فيما مؤسسة كهرباء لبنان لا تزال تستهلك من سلفة العام 2020 التي “صارت على الآخر”، بتأكيد مصدر وزاري.
ووفق المعلومات، يرفض الرئيس نبيه بري إقرار السلفة “كون الوضع المالي لا يسمح ولا موارد لتأمينها وستؤدي إلى احتقان شعبي”.
ويؤكّد مطّلعون أنّ “بري لن يمنح ورقة “إنقاذ” وزارة الطاقة لجبران باسيل، ويستخدم هذه الورقة في إطار الضغط الحكومي على باسيل”.
وهذا يعني باختصار أنّ “مصير اللبنانيين مع العتمة الكاملة هو رهينة النكايات السياسية.
وفي الأيام الماضية ازدادت وتيرة التقنين بشكل كبير وطالت بيروت وتسبّب الغض منها بقطع الطرق وإشعلت النار في الإطارات اعتراضاً على التقنين الحادّ في بعض مناطق العاصمة.
ويرى الفريق الرافض لإقرار السلفة أنّها “مصيبة، فإقرار قانون الـ1500 مليار يعني مليار دولار.
وسيأتون إلى مصرف لبنان لأخذها على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، بينما هناك خيار الحصول على النفط العراقي، وهي خطوة ممتازة من الحكومة، إضافة إلى مصادر تمويل أخرى من الخارج يجب على الحكومة أن تفتّش عنها.
والنفط العراقي سيوفّر علينا المليارات”.
ويقول مصدر وزاري: “رفض بري واضح لإقرار السلفة، والمسألة “عالقة بالسياسة”.
ليس أمامنا سوى الموازنة، أو أن يقوم وزير المال بالاقتطاع من الاحتياطي”.
مع العلم أن الموازنة، وفق مطلعين، مُرحّلة إلى الحكومة المقبلة.