طريق بعبدا – اليرزة سالكة… بحذر

10 مارس 2021
طريق بعبدا – اليرزة سالكة… بحذر
beirut News
ملاك عقيل

لا تزال “مضبطة الاتّهام” التي وجّهها قائد الجيش العماد جوزف عون إلى “حضرات المسؤولين”، عن الكارثة السياسية والمالية والاجتماعية، تتفاعل في الأروقة الداخلية. الخطاب الاستثنائي بمضمونه وتوقيته وضع قائد الجيش تلقائيًّا في مقلب الشارع المواجِه لأركان السلطة، وإن كانت مجموعات من هذا الشارع متّهمة اليوم بأنّها تأتمر بأجندة حزبية وسياسية.

وبين إثنين الغضب وثلاثاء الدولار الآخذ في الارتفاع رغم “الكبسات” على الصرّافين والمنصات، اختلفت الصورة. فالجيش الذي يتجنّب الاحتكاك مع المحتجين في الشارع على اختلاف انتماءاتهم، لم يُدِر ظهره للأرض كما أوحى البعض.

تكمن القصة في أسلوب “تنفيس” الشارع. الجيش اعتمد أسلوب التفاوض مع بعض المجموعات لفتح الطرقات، حتّى في النقاط التي قد لا يتعدّى عدد المتظاهرين فيها أصابع اليد. ولا بأس ببعض الاتصالات السياسية الممهّدة “لتحرير” الطرقات من الناقمين بأجندة أو غير أجندة. ويختلف التعاطي بين منطقة وأخرى، وتجمّع وآخر، المهمّ تجنّب أيّ تداعيات قد لا تكون محسوبة النتائج وسط موازييك شعبي حزبي، يختلف تمامًا عن مرحلة 17 تشرين.

لكنّ جهاتٍ سياسيةً ومدنية تحمّل الجيش مسؤولية مباشرة حول ضرورة ضبط تحرّكات من أسمتهم “قطاّع الطرق”، الذين تؤدي ممارساتهم إلى وقوع ضحايا وإشكالات قد تخرج عن السيطرة.


بين إثنين الغضب وثلاثاء الدولار الآخذ في الارتفاع رغم “الكبسات” على الصرّافين والمنصات، اختلفت الصورة. فالجيش الذي يتجنّب الاحتكاك مع المحتجين في الشارع على اختلاف انتماءاتهم، لم يُدِر ظهره للأرض كما أوحى البعض


ويؤكّد مطلعون أنّ “الهاجس من استغلال الأرض وتسلّل المندسّين، هو احتمال موضوع على الطاولة، لذلك يتعامل الجيش بكل دقة مع الوضع، خوفًا من أيّ إشكالات أو حوادث قد تُدخل البلد في المجهول. فيما قوى الأمن عليها مسؤولية أساسية تحديدًا في بيروت، بتفريق المحتجين ولعب الدور المطلوب منها”.

لكن في السياسة، أخذ كلام قائد الجيش مداه الأوسع بوجود طرف أساسي معنيّ به. فصحيح أنّ الخطاب شكّل محاكمة شاملة للقوى السياسية صاحبة القرار والحلّ والربط في الوضع الراهن، إلّا أنّ الأهمّ كان رصد تداعيات خطاب اليرزة في بعبدا.

صمتٌ تامٌّ يسود القصر الجمهوري، وعدم رصد لأيّ ردّة فعل في العلن على خطاب قائد الجيش. لكنّ ميشال عون والفريق المحيط به، غير راضٍ أبدًا عن كسر جوزف عون المحظور. وحين “نطق” حمّل الجميع مسؤولية انهيار الوضع من دون تمييز لموقع الرئاسة الأولى، فبدا كخطاب لأحد الناشطين في الثورة على قاعدة “كلن يعني كلن”.

يقول مؤيّدون لرئيس الجمهورية: “حتى قائد الجيش الأسبق ميشال سليمان حين قرّر التمرّد على قرار مجلس الوزراء وقرار رئيس الجمهورية الأسبق أميل لحود بصدّ المتظاهرين في 14 آذار 2005، ومنعهم من دخول ساحة الشهداء، لم يستخدم أسلوب التعميم وتسريب مداولات يُفترض أن تكون سرّية بين القائد وضباطه”.

وفي السياق، لا حاجة لتوصيف العلاقة بين جوزف عون وجبران باسيل. أقلّ ما يمكن أن يقال إنّها “سيّئة”. لكنها بقيت مضبوطة إلى حين مرحلة 17 تشرين، حين كبرت الهواجس لدى ميشال عون نفسه من أداء الجيش على الأرض وعدم ضبط الانفلاش الشعبي.

وصل الأمر إلى حدّ فتح الهواء لوسائل إعلامية محسوبة على العهد ضدّ قائد الجيش، في وقت كان الأخير يقفل الطريق على التدخلات السياسية في شؤون المؤسسة، التي أخذت مداها مع ميشال سليمان ثم جان قهوجي.

ومن ضمن المتضرّرين جبران باسيل والثنائي الشيعي. لكن كان لافتًا ما كان يُنقل عن جوزف عون: “رئيس الجمهورية لم يطلب منّي أيّ طلب في ما يتعلّق بأيّ ضابط. أما باقي القوى السياسية فتعرف الجواب”.


في السياسة، أخذ كلام قائد الجيش مداه الأوسع بوجود طرف أساسي معنيّ به. فصحيح أنّ الخطاب شكّل محاكمة شاملة للقوى السياسية صاحبة القرار والحلّ والربط في الوضع الراهن، إلّا أنّ الأهمّ كان رصد تداعيات خطاب اليرزة في بعبدا


مع ذلك لن يكون لخطاب اليرزة تداعيات مباشرة على مسار الأزمة. ثمّة ما هو أكبر بكثير من “انتفاضة جنرال” رُشق سريعًا بحجارة إلقائه “خطابًا رئاسيًا”، في وقت تتصاعد أصوات داخلية داعية إلى قلب الطاولة وأن تتسلّم حكومة عسكرية زمام البلد.

مؤشرات الحلّ تبدأ من فوق وتنسحب على الأرض لا العكس: حكومة أوّلًا وإحاطة دولية لمسار الانفراج ودخول العملة الخضراء إلى لبنان، والبدء بورشة الإصلاحات.

حتّى الآن يبدو هذا المشهد مجرد سراب. من تابع مجريات اجتماع بعبدا الثلاثي الأبعاد، يدرك حجم الخفّة في تلقّف حِمم البركان الآيل نحو الانفجار.

ردّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ما أسمعه عشرات المرات لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بعدم صلاحياته ولا قدرته على وقف جنوح الدولار، واعترف قادة أمنيون على الطاولة، بأنّ ملاحقة المنصات الإلكترونية وتوقيف صيارفة غير شرعيين، لن يضبط السوق السوداء، والدليل استقرار سعر صرف الدولار يوم أمس على حافة العشرة آلاف و500 ليرة.

ماذا يمكن لاجتماع مماثل أن يخرج بمقررات في حال دخل حاكم مصرف لبنان الملاحَق أمام القضاء السويسري ، معلنًا بأنّ “عصر الدعم قد انتهى… وبلّطوا البحر”؟ وكيف يمكن تفسير استمرار الاستحصال على الدولارات من السوق السوداء؟ فيما جميع الأجهزة مستنفَرة للقبض على المضاربين الذين تجرّأ بعضهم وقطع الطريق استنكارًا لتوقيف مضاربين آخرين.

المصدر أساس