الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة التطورات والمسارات المحتملة”

19 مارس 2021
الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة التطورات والمسارات المحتملة”
beirut News

التطورات والمسارات المحتملة”، وهي من إعداد الأستاذ الدكتور معين محمد رجب. وقد قُدِّمت هذه الورقة في الجلسة الثالثة من حلقة نقاش بعنوان: “قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2020 – تقدير استراتيجي 2021″، والتي أقامها المركز في 2021/2/2.
حيث قيّم الباحث الأوضاع الاقتصادية في الضفة والقطاع، واعتبر أن سنة 2020 كانت الأشد من حيث الضائقة والمعاناة الاقتصادية، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 12% وفقاً للبيان المشترك لسلطة النقد والجهاز الإحصائي في نهاية السنة المذكورة.

وتراجع نصيب الفرد بنحو 14% مع فجوة هائلة بين حالتي الضفة والقطاع لصالح الضفة.

وذلك خلافاً للتوقعات التي أجريت في مطلع السنة التي كان متوقعاً فيها تحقيق نمو إيجابي وإن كان محدوداً، وهو انكماش كبير يحتاج إلى معدلات نمو إيجابية عالية لعدة سنوات لتجاوز هذه الحالة.

كما حدث تفاوتٌ كبيرٌ في تراجع نمو الأنشطة الإنتاجية، إذ انكمش نشاط الزراعة بنحو 11%، والصناعة بنحو 12%، والخدمات بنحو 10%، وكان أعلاها تراجعاً الإنشاءات؛ بنمو سالبٍ قدره 35%. وعانت المالية الحكومية من عجزٍ كبيرٍ بلغ 21.3% من صافي الإيرادات العامة، وجرى تغطيته من خلال الدعم الخارجي والاقتراض الداخلي من الجهاز المصرفي وغيره.

وأشار الباحث إلى المعاناة الكبيرة في قطاع التشغيل في سوق العمل الفلسطيني، فقد توقف أكثر من 66 ألف عامل عن العمل، وانخفض بذلك عدد العاملين في سوق العمل إلى 884 ألف بدلاً من 950 ألفاً في السنة السابقة، وارتفع معدل البطالة إلى 27.8% بدلاً من 26.3% سنة 2019، وبمعنى آخر فإنه بدلاً من النجاح في زيادة عاملين جدد أو الحفاظ على المستوى السابق فإن النتيجة كانت عكسية، وهذا الكم الهائل من البطالة له الكثير من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية.

كما استمر عجز الميزان التجاري مع تراجع حجم التبادل الخارجي الذي بلغ 10 مليارات دولار، أي بنقص يقدر بنحو 10% مقارنة بالسنة السابقة. حيث بلغت الصادرات نحو 2.5 مليار دولار مقابل واردات بنحو 7.4 مليارات دولار. أي بعجز يقدر نحو 4.9 مليارات دولار. كما انخفضت مؤشرات أسواق الاستثمار والاستهلاك العام والخاص انخفاضاً شديداً.

وتراجعت أموال الدعم الخارجي بدرجة ملحوظة من 665 مليون دولار إلى 458 مليون دولار، وذلك فيما بين سنتي 2018-2019.

واعتبر الدكتور معين رجب أن معاناة سكان قطاع غزة من الوضع الاقتصادي خلال 2020 كانت كبيرة، بحكم الانقسام سنة 2007 من جهة، والحصار الاقتصادي من جهة أخرى، وصعوبات التنقل؛ فإن هناك نحو 65 ألف موظف في قطاع غزة محسوبون على كادر رواتب السلطة في رام الله مستنكفون عن العمل، مما أوجد فراغاً كبيراً في الجهاز الإداري التنفيذي، وأدى ذلك إلى الاضطرار إلى أن يحلّ مكانهم موظفون جدد، مما رتب على الحكومة الجديدة أعباءً إضافية.

وإن موظفي رام الله الذين توقفوا عن أعمالهم ربما تناقص عددهم لنحو 40 ألفاً بسبب بلوغ سنّ التقاعد أو الوفاة أو التقاعد القسري، وما يزال يعيش المجتمع الغزي الآثار الكارثية لهذه الحالة، فهم يشكلون شريحة واسعة، جزء منها يعيش في حالة إحباط بسبب الفراغ والقلق، وجزء آخر يزاحم المتعطلين في سوق العمل، وجزء كبير حصل على أقساط بنكية غالباً ما كانت لأغراض استهلاكية يعجز عن الوفاء بها، والبعض الآخر نجح في التكيّف مع مستجدات الحياة.

ورأى الباحث أن سنة 2021 تحمل إرثاً شديد الصعوبة والقسوة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني الذي أصبح محكوماً بعوامل عديدة، الجزء الأكبر منها خارج نطاق سيطرته. فالانكماش الذي تحقق سنة 2020 أصاب الكثير من الأنشطة بحالة من الشلل أو الجمود، مع بقاء الأنشطة الأخرى الأوفر حظاً تصارع البقاء، مع الأمل في أن تحمل السنة الجديدة بعض الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تعيد الثقة للاقتصاد الفلسطيني ولو جزئياً، حيث أن الارتباط بالعوامل السياسية ارتباط كبير، وبالعوامل المحلية الداخلية ارتباطاً أكبر في ظلّ سيطرة الاحتلال سيطرة كبيرة على جميع مفاصل الحياة الفلسطينية دون الالتزام بأيّ ضوابط أو تفاهمات.

وتناولت الورقة السناريوهات المستقبلية للوضع الاقتصادي الفلسطيني استناداً إلى تقييم الأوضاع الراهنة والمستجدات بشأنها، فاعتمد السيناريو الأساسي من وجهة نظر سلطة النقد، على إمكانية حدوث تعافٍ نسبي في وتيرة الاقتصاد، ما من شأنه إحداث تحسن للاقتصاد في الأنشطة الإنتاجية الرئيسية خصوصاً في الخدمات والتجارة، مع ترجيح التعافي في الإنفاق الحكومي، وما يرافقه من تحسّن في معدلات الاستهلاك الأسري والنشاط الاستثماري، وذلك في ظلّ المعطيات المعتادة من حيث الاحتلال وممارساته ومحاولة احتواء الانقسام وسلبياته، والتأرجح في الدعم الخارجي.

ويتأتى ذلك أيضاً من حيث مراعاة مدى انحسار الأزمة الصحية وعدم حدوث موجات جديدة وما يعقب ذلك من تخفيف القيود مع استمرار تحويل أموال المقاصة بشكل منتظم، واستمرار تدفق المنح والمساعدات لخزينة الدولة، ثم عودة التمويل اللازم لعمل المنظمات الدولية.

وكأن هذا السيناريو الأساسي استند إلى بوادر لمقدمات تشجيعية لعودة النشاط الاقتصادي بشكل تدريجي إلى المستويات السابقة، قبل الأزمة الصحية، أي الوضع الذي كان سائداً سنة 2019، بحيث يسمح ذلك بنمو الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021 بنمو 7.1%.

ويقوم سيناريو التفاؤل الذي يمثل صدمة إيجابية، على توقع حدوث تطورات إيجابية ملموسة وسريعة، بشأن الوضع الصحي، مع تسارع مستويات المنح والمساعدات، وتسهيل حركة التجارة الخارجية، وارتفاع عدد العاملين في “إسرائيل” والمستوطنات، وهذا يعطي فرصة للنمو في حدود 12.5%، وهي بالكاد تعود بنا إلى المستوى الذي كان سائداً سنة 2019.

وأما الصدمة السلبية كسيناريو متشائم؛ فهي تستند إلى حدوث تصاعد في الأزمة الصحية، وتوتر مع الجانب الإسرائيلي، وعودة أزمة المقاصة، والانخفاض الحاد في حجم المنح والمساعدات، وتراجع عدد العمال العاملين في “إسرائيل” وتقليص المنحة القطرية.

كل ذلك يدفع بالمؤشرات الأساسية المتعلقة بالنمو، وعجز الموازنة العامة، وزيادة الديون، وارتفاع معدلات البطالة، ودخول أفواج كبيرة من البشر إلى مستنقع الفقر والفقر الشديد.

وعليه، فإن هذا السيناريو هو الأكثر سوءاً، إذ يتوقع بموجبه أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني مجدداً خلال سنة 2021 بنحو 2.4%، بحيث تزداد الأمور تعقيداً وتنعكس سلباً بشكل مباشر على جميع المؤشرات السابق الحديث عنها، عند تقييم الحالة كما كانت في سنة 2020.

المصدر مركز الزيتونة