بين اربعاء البيانات والاطلالات وخميس الزيارة الحريرية التهدوية لبعبدا وبين لقاء الاثنين المفترض انه مفصلي، فيما لا يبدو كذلك بالركون الى المناخات التي تغلف ملف التشكيل، تسارعت وتيرة الاجتماعات والاتصالات في شكل غير مسبوق في الداخل، ولكل حسابته، فيما حسابات الشعب اليائس في مكان آخر. وفي الموازاة، كان حراك لبعض الخارج ، لا سيما الاوروبي المهتم بعدم زوال لبنان عن الخريطة الدولية، علّه يفلح في ازالة القبضة الاقليمية الحديدية على لبنان ومصيره الاسود المشارف على نهايته، ان لم يعِ مسؤولوه ما يدفعون البلد اليه.
ففيما البلاد تدور في دوامة المنازعة بفعل الاخفاق السياسي واللامنطق الذي يتحكم بمواقف المسؤولين عن ملف تشكيل الحكومة، اتخذ فريق سياسي القرار الكبير بالانقلاب على المعادلة التي تحكمت بالواقع الحكومي منذ انفجار مرفأ بيروت وتحديدا اثر استقالة حكومة الرئيس حسان دياب تحت ضغط الشارع نهاية آب الماضي، التي ارتكزت الى مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون واساسها تشكيل حكومة مهمة تنفذ الاصلاحات لمد لبنان بالمساعدات الضرورية لانعاش اقتصاده المتهالك.
اطل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مساء الاربعاء، وعلى اثر عودة وفد الحزب من موسكو حيث تبلغ كما افادت المعلومات وجوب خروجه من سوريا، ليعلن الانقلاب على التحذيرات الاوروبية والتهديدات بفرض عقوبات على كبار المسؤولين وعلى حزبه باعتباره ارهابيا بجناحيه العسكري والسياسي، كما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”ضاربا عرض الحائط، كل محاولات الانقاذ والسعي الى تحرير لبنان من سجن المصالح الاقليمية التي يأسره الحزب فيه منذ سنوات، كرمى لعيون طهران ومرشدها الاعلى، وقد اعدّ خريطة طريق تستند الى اسس يعمل لتثبيتها الحزب من خلف اداء العهد ابرزها اربعة:
-نسف المبادرة الفرنسية برمتها وتفخيخها بحزمة من ديناميت الشروط والمطالب غير القابلة للتنفيذ بدءا من الحديث عن حكومة تكنوسياسية او حكومة وفاق وطني يدرك العهد والحزب سلفا انها غير صالحة للافراج عن المساعدات الدولية المشروطة بحكومة مهمة من الاختصاصيين غير السياسيين ،وزاد في الطينة بلة تسمية روسيا الرئيس سعد الحريري بالاسم لتشكيلها، فيما لا يريد العهد وفريقه الحريري، ويسعى منذ ما قبل تكليفه الى ابعاد كأس ترؤسه الحكومة في هذه اللحظة بالذات عنه، لان مجرد انطلاق حكومة برئاسته تعني تربعه في واجهة المشهد الانقاذي للبنان واستعادة نجومية والده الشهيد بعد الحرب الاهلية وتاليا هبوط بورصة النائب جبران باسيل الى ادنى مستوى، الامر الذي لن يرضى به العهد والتيار وسيحاربانه حتى الرمق الاخير.
وقد سارع باسيل الى التغريد لحظة انتهاء خطاب نصرالله كاتبا “هذا ما ينتظره التيار واللبنانيون”.
– ضبط مسار الارتفاع الجنوني للدولار. وجه نصرالله الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامه رسائل انطوت على تحذير بوجوب اتخاذ ما يلزم من اجراءات لكبح جماح سعر الصرف، بدليل الاتفاق في بعبدا بين مستشار الرئيس عون للشؤون المالية شربل قرداحي والحاكم سلامه لضبط سعر صرف الدولار التصاعدي واعادته الى مستويات دنيا (7 الاف) والهدف قطع الطريق على الانتفاضة الشعبية ومنع الثوار من توظيف الدولار في السياسة، وتفجير الاحتقان في الشارع اذا ما استمر الغضب جراء ارتفاع اسعار السلع واقفال المتاجر، كما استخدام الحريري هذه الورقة اداة ضغط لتشكيل حكومته التي يرفض تعديل صيغتها باعتبارها تلبي شروط المبادرة الفرنسية.
– لجم قطع الطرق والامساك بالامن. على اثر الكلمة الشهيرة لقائد الجيش العماد جوزيف عون التي لم يستسغها لا الحزب ولا العهد، حرص نصرالله على التهويل بورقة الامن وامتلاكه والتصرف بها ان دعت الحاجة، محاولا “تحذير” الجيش وقائده من ان عدم منع الثوار من قطع الطرق سيعقبه “للبحث صلة”.
وقد شهر ورقة التسبب بحرب اهلية يتحمل مسؤوليتها الثوار مباشرة والقائد بطريقة غير مباشرة، وقد شنت وسائل اعلام الممانعة حملة شعواء على العماد عون وصولا الى درجة اتهامه بالـ”خيانة”.
– سحب ورقة عقد مؤتمر دولي من خلال ضبط سعر الدولار وامتصاص النقمة الشعبية وتاليا لجم التظاهرات ما دامت الدولة تعالج وتنفس الاحتقان وتضع الامور على سكة الحل، الامر الذي من شأنه ان يضعف شروط الحريري ويدعّم موقف الرئيس عون في التشكيل، اي التمسك بالثلث المعطل اوازاحة الحريري.
وتعرب المصادر عن اعتقادها ان استمرار السير في النهج المشار اليه، حيث الاستفادة متبادلة بين حزب الله والتيار، اذ يستفيد الحزب من تصلب العهد في تدعيم وتعزيز موقعه لعرقلة التشكيل لمصلحة ايران في انتظار استخدام الورقة في المفاوضات النووية، ويستفيد العهد من وقوف الحزب في صفه للتغطية على اخفاقاته واعادة رسملة رصيده المتهالك لا سيما لرئيس التيار، بتصويره المدافع عن حقوق المسيحيين والحريص على استعادتها، هذا الاستمرار لن يقود الا الى الخراب، وعلى الارجح الزوال ان لم يفرمل. فالاسبوع الجاري مفصلي، اما ان تشكل الحكومة واما يتجه لبنان الى الانفجار الكبير.