لم يشأ الأوروبيّون أن ينتهي شهر آذار من دون تكليله بباكورة المواقف الفرنسية التي تنذر باقتراب فرض عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية مسؤولة عن عرقلة تشكيل الحكومة منذ تكليف سعد الحريري قبل سبعة أشهر حتّى يومنا هذا.
يقوم العمل الأوروبي حالياً، استناداً إلى إخبارات، على التدقيق في حسابات سياسيين وأصحاب مصارف ورجال أعمال في بنوك أوروبية من بوابة “من أين لك هذا؟”، ولا سيما في ما يخصّ التحويلات المالية ومصادرها.
إلى أين يمكن أن يؤدّي هذا المسار؟
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ الموضوعين على لوائح العقوبات قد يتعرّضون لمنع سفر حتّى الى قبرص إذا وجدت الجهات المعنية أنّ من الأنسب عدم إعطائهم تأشيرة دخول إلى الدول الأوروبية.
كلّ شيء منوط بالقوانين المحلية لكلّ بلد والاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد وتبييض الأموال، وهذا الأمر سيُربك القيادات السياسية المعنية. فمسار التصعيد الأوروبي مستمرّ. وكان شهر آذار قمة التصعيد في المواقف الاوروبية… فإلى أين يمكن أن تصل؟
في المعلومات أنّ “لودريان سبق أن نسّق مع الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والمملكة العربية السعودية للاتفاق على مضمون البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي”، وأنّه “يجري تحضير لوائح تضمّ رؤساء أحزاب لبنانية تعتبرهم فرنسا مسؤولين عن عرقلة تشكيل الحكومة
“يجب أن يتوقف فوراً التعطيل المتعمّد لأي محاولة خروج من الأزمة، ولا سيما من جانب بعض الأطراف في النظام السياسي اللبناني، عبر مطالب متهوّرة عفى عليها الزمن”.
هذا الكلام صدر يوم الاثنين 29 آذار عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيان له تخلّله كلام فرنسي واضح عن أنّ الأوان قد آن للمجموعة الدولية “لتشديد الضغوط” على الطبقة السياسية اللبنانية لحملها على تشكيل حكومة.
ماذا يعني كلام لودريان عن تشديد الضغوط، ولا سيما أنّ بيانه جاء بعدما اتّصل برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري؟
قبل الدخول في سياق العقوبات وشكلها، لنراجع قليلاً المواقف الأوروبية الصادرة في شهر آذار فقط، والتي تمهّد لِما قد يأتي من خطوات عملية في نيسان:
–11 آذار: وزير خارجية فرنسا استبق ورشة العمل الأوروبية بتصريح ناري خلال اجتماع مع نظرائه في مصر والأردن وألمانيا حول عملية السلام: “تتجاذبني مشاعر الحزن والغضب والأسى، إذ لا يمكننا أن نكون بدلاء للقوى السياسية اللبنانية المسؤولة حتّى اليوم عن عدم إسعاف البلاد وهي في خطر”.
– 17 آذار: مصادر دبلوماسية فرنسية أبلغت الصحافيين أنّ “زيادة الضغط إلى حدّ كبير على السياسيين في لبنان سيكون عمل الأسابيع المقبلة”.
– 18 آذار: أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحافي مشترك في الإليزيه مع نظيره الإسرائيلي: “تغيير مقاربة الأزمة اللبنانية في ظل تواصل الانسداد السياسي”.
– 22 آذار: طلب لودريان في بروكسل من نظرائه في الاتحاد الأوروبي الضغط على السياسيين اللبنانيين لمساعدة لبنان الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
ما يقوم به برّي هو سباق مع التحذيرات الأوروبية والحركة الدبلوماسية الغربية والعربية والخليجية الضاغطة على لبنان. فكما هي الكواليس السياسية في لبنان خلية نحل، كذلك هي كواليس الدبلوماسية الأوروبية التي تبحث عن آليات لتنفيذ تحذيراتها
مصادر دبلوماسية قال لـ”أساس” إنّ “الملفّ اللبناني جزء من النقاشات الأوروبية الداخلية البعيدة عن الاضواء.
ففي 19 نيسان المقبل سيجتمع في بروكسل وزراء الخارجية الأوروبيين. ويترقّب المتابعون ما يمكن أن يحمله من قرارات تنفيذية بناء على دعوة فرنسا إلى ذلك.
فعلى الرغم من كونه اجتماعاً سياسياً ويفترض أي قرار يتعلق بوضع أي اسم على لائحة العقوبات أن يكون قضائياً، يعدّ الاتحاد الأوروبي تصوّراً لِما دعت إليه فرنسا، ثم يُناقش هذا التصور في اجتماع وزراء الخارجية أو في اجتماعات وزارية أخرى قريبة”.
وفي المعلومات أنّ “لودريان سبق أن نسّق مع الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والمملكة العربية السعودية للاتفاق على مضمون البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي”، وأنّه “يجري تحضير لوائح تضمّ رؤساء أحزاب لبنانية تعتبرهم فرنسا مسؤولين عن عرقلة تشكيل الحكومة.
وفي هذه اللوائح أسماء شخصيات تملك منازل في أوروبا وأرصدة مصرفية.
وقد باتت الأرضية جاهزة لإصدار عقوبات يمكن أن تمنع أصحابها من الانتقال حتّى إلى قبرص.
غير أنّ كل ذلك لا يعني أنّ الطريقة الفرنسية في العقوبات مشابهة للطريقة الأميركية”.
من الناحية القانونية والقضائية يجب أن تثبت المرجعيات الأوروبية التهمة الموجهة إلى أي شخصية، والموضوعة على أساسها على لائحة العقوبات، وأن تعلن هذا الإثبات.
فمن دون مسار قضائي داخلي لا يمكن وضع أيّ شخصية على لائحة عقوبات بتهمة الفساد في أوروبا.
أما في العودة إلى لبنان الذي وصلته رسائل التحذير الأوروبية، فتشير المعلومات إلى أنّ عين التينة تشبه خلية نحل، حيث الرئيس نبيه بري يقوم بمروحة لقاءات واتصالات لإحداث خرق حكومي ضمن مبادرة الـ24 وزيراً.
وفي هذا السياق التقى عدداً من السفراء، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، والوزير السابق القريب من بكركي سجعان قزّي، يرافقه مدير الإعلام في الصرح المحامي وليد غياض، وغيرهم من الزوار، للبحث عن قشّة أمل.
ما يقوم به برّي هو سباق مع التحذيرات الأوروبية والحركة الدبلوماسية الغربية والعربية والخليجية الضاغطة على لبنان.
فكما هي الكواليس السياسية في لبنان خلية نحل، كذلك هي كواليس الدبلوماسية الأوروبية التي تبحث عن آليات لتنفيذ تحذيراتها.
وغالباً ما اندرجت العقوبات الأوروبية في منطقة جنوب المتوسط الممتدة من سواحل سوريا إلى موريتانيا في سياقات عديدة: سياق متعلق بعدم احترام حقوق الإنسان عبر القمع والتعذيب كما في مصر وسوريا، وسياق متعلق بعدم احترام المسارات الأممية كما في ليبيا، وسياق متعلق بالفساد كما في مصر وتونس.
أيّ سياق ينطبق على المسؤولين اللبنانيين؟ سؤال تجيب عنه الدبلوماسية الأوروبية في قراراتها المقبلة.
لكن السؤال الأهم: أيّ منهما تسبق الأخرى، العقوبات أم الحكومة؟