“ما لنا لنا”.
هذه الكلمات تختصر الجولات الصّعبة التي امتدّت لـ10 سنوات، استطاع خلالها الجانب اللبناني، ممثّلاً برئيس مجلس النواب نبيه برّي، أن ينتزِع “اتفاق الإطار” مع العدوّ الإسرائيلي بوساطة أميركية.
“الإطار” الذي أُعلِنَ من قصر عين التّينة مطلع تشرين الأوّل الماضي، بحضور قائد الجيش العماد جوزيف عون بصفته قائداً للمفاوض اللبناني.
استطاع الرئيس برّي أن يحصل على ثوابت في “اتفاق الإطار” ذي النّقاط الـ6، وأن يحفظ موقف لبنان التفاوضيّ والسّيادة اللبنانيّة بمبادئ رئيسة اعتُبِرَت ركيزة التفاوض:
الأوّل: ترسيخ مبدأ “ترسيم الحدود وفقَ المعايير الدّوليّة”، ولم يُحدّد مساحة المنطقة المُتنازع عليها بـ860 كيلومتراً مربّعاً ولا 2280 ولا غيرهما.
وهذا ما نَسَف كلّ محاولات التسويات أو السّير بما عُرِف بـ”خطّ هوف” أو حتّى تلزيم المنطقة المُتنازع عليها لشركةٍ تودِع إيرادات الغاز في حسابٍ مُشترَك بين لُبنان وإسرائيل.
الثاني: تأكيد حصر التّفاوض بضبّاط الجيش بناءً على تجارب التّفاوض غير المُباشر بين لبنان وإسرائيل على تفاهم نيسان 1996، وقرار مجلس الأمن 1701 الذي انبثقت منه اللجنة الثلاثيّة التي تعقد اجتماعات دوريّة في النّاقورة منذ عام 2006.
الثالث: تثبيت محاضر جلسات المفاوضات التي ستجري حول المنطقة الحدوديّة.
يشير ما يحصل اليوم في ملف ترسيم الحدود إلى عَدَم سير فريق رئيس الجمهوريّة، ومعه النّائب جبران باسيل، في الاتفاق الذي وصل إليه الرّئيس برّي. فيطرح سؤالٌ نفسه: هل تقف الكيديّة السيّاسيّة وراء هذه الخطوة؟
منذ تشكيل الوفد المفاوض، أصرّ عون، ومعه باسيل، على إشراك عضو هيئة إدارة النّفط وسام شباط المُقرّب من جبران باسيل، والخبير الدّولي نجيب مسيحي في الوفد، على الرغم من معارضة الثّنائي الشّيعي لهذه الخطوة التي تمسّ روحيّة التفاوض غير المُباشر مع تل أبيب من خلال وفدٍ عسكريّ.
أمّا التخلّي اللبناني الثّاني عن “اتفاق الإطار” فكان رفع لبنان سقفه التفاوضي للمطالبة بـ2200 كلم، والسّعي نحو تعديل المرسوم 6433 لإضافة 1430 كلم إلى حقّ لبنان في البحر، بعيداً من مبدأ الترسيم وفق المعايير الدّوليّة.
وكان قرار التوقيع على تعديل المرسوم 6433 اتّخذ مساء أمس الأوّل في اجتماع استمرّ ساعة ونصف من الزّمن ضمّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب ووزيرة الدفاع زينة عكر، ووزير الخارجيّة شربل وهبة، ووزير الأشغال والنقل ميشال نجار، والوفد العسكري المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين والعقيد مازن بصبوص.
اتخاذ قرار التوقيع على المرسوم بدوره لم يكن سهلًا، إذ تجنّب جميع الوزراء الحاضرين أن يكونوا أوّل الموقّعين على عكس الرّئيس حسّان دياب الذي كان طيلة الجلسة مُتحمّساً للتوقيع عليه.
حال دياب لم يكن أقل حماسةً من وزير الخارجيّة الذي دافع بشراسة عن التعديل.
أمّا وزير الأشغال ميشال نجّار فكان الوحيد من بين الحاضرين الذي طلب مهلة 4 أيّام للعودة إلى مديرية النقل البري والبحري في وزارته ليستوضح عدداً من النّقاط المعتلّقة بالتعديل.
يقول الجانب اللبناني، المؤيّد لتعديل المرسوم الصّادر عام 2011 لتحديد الحدود البحريّة للبنان، إنّ السّبب الكامن وراء إضافة منطقة الـ1430 كلم هو الضّغط على شركة “إنرجين” اليونانيّة التي تُنقّب في حقل “كاريش” في المنطقة الحدوديّة بين لبنان وإسرائيل.
وسيزور وزير الخارجيّة شربل وهبة اليونان منتصف الشّهر الجاري للاعتراض على عمل الشّركة.
لكنّ ما يغفل عنه الجانب اللبناني في هذه النّقطة أنّ العدّو الإسرائيلي يستطيع أن يقوم بالأمر عينه مع لبنان.
إذ ذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ تل أبيب قد تُطالب بمنطقة تصل إلى قبالة شواطئ صيدا على مبدأ المُعاملة بالمثل.
إذّاك ستمتنع شركة TOTAL الفرنسيّة وغيرها من التنقيب في منطقة مُتنازع عليها، ويكون لبنان ابتعد أكثر فأكثر من استخراج الثّروات الكامنة في بحره.
والسّؤال هنا: هل وضع لبنان رفع سقفه التّفاوضي في ميزان الرّبح والخسارة؟ وهل يملك لبنان ترف الوقت والمال ليضيّعهما من دون جدّيّة وواقعيّة في التفاوض؟
في هذا الإطار، سأل مصدرٌ أميركيّ شديد الاطّلاع: هل هي صدفة أن تأتي عرقلة المفاوضات إثر الجلسات التي عُقِدَت غداة إدراج الوزير جبران باسيل على لوائح العقوبات الأميركيّة؟، سائلاً: “هل يريد تقديم التنازلات في مقابل تسوية أوضاعه أميركيّاً؟ وما سبب إصرار باسيل على إشراك ممثّلٍ عنه في المفاوضات على الرغم من تحفّظ حليفه حزب الله على ذلك؟”.
لقد تعرقلت جلسات التفاوض بين لبنان وإسرائيل منذ أواخر تشرين الثّاني 2020، أي بعد أسابيع قليلة من قرار إدارة الرّئيس الأسبق دونالد ترامب إدراج باسيل على لوائح عقوبات ماغنيتسكي.
قالت مصادر خبيرة في ملف ترسيم الحدود لـ”أساس” “إنّ عضو هيئة النّفط وسام شباط كان من أشد المؤيّدين لفكرة الـ2200 كلم على الرغم من أنّ كلّ الدراسات التي أُجريَت على هذا الموضوع كانت في إطارها العلمي والبحثي وليس التفاوضيّ.
فيما ينبغي أن يبقى التفاوض محصوراً بالترسيم وفق المعايير الدّوليّة وحدها، والحفاظ على حقوق لبنان من دون تسييسٍ للملف”.