تتجه الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان ، نحو تطورات خطيرة وانفلات مالي وسياسي وأمني لا يمكن التنبؤ بمشهده العام حتى اللحظة ولكنه حتما سيكون مشهدا قاتما ويتسم بالخطورة ، بعد أن فشلت حلول الانقاذ ، وتعرضت العملة الوطنية للانهيار ، واتسعت دائرة التفكك والانقسام ، ما يهدد بانفجار شامل وتبعات أمنية واقتصادية واجتماعية لا يمكن التنبؤ بالصورة التي ستكون عليها في القادم من الأيام.
ولا شك بأن انهيار العملة اللبنانية والمخاوف التي بدأت تلوح بالأفق نتيجة فقدان المواد الاستهلاكية والأدوية والمحروقات ، وارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية وارتفاع نسبة البطالة من ينذر باحتمالات الفوضى وهي تطورات متوقعة ومرتقبة ، وحتما سيكون لها انعكاساتها المختلفة على البلاد .
ناهيك بالحجر الصحي وحالة التعبئة العامة التي فرضتها جائحة كورونا التي اجتاحت لبنان منذ فبراير/شباط الماضي، مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي بوتيرة أسرع نتيجة تعطل غالبية الوظائف في البلاد، مما أدى إلى ارتفاع معدَّل البطالة إلى 50%. بالتالي بات نصف اللبنانيين تقريباً يعيشون تحت خط الفقر.
وأمام هذا الواقع الذي يعتبر الأسوء في تاريخ لبنان ، ارتفعت نسبة السرقات والجرائم وعمليات السلب والنهب ، والتدافع أمام محطات البنزين والأفران والمحلات التجارية ،وانعكس هذا الواقع بارتفاع كبير في الجرائم في لبنان على اختلافها، كالقتل والسرقة بالدرجة الأولى.
وأكدت مصادر مطلعة ، ارتفاع نسبة جرائم القتل في لبنان خلال العام الماضي 2020 وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 2021، إلى 74.4% مقارنة مع الأشهر ذاتها من عام 2019، حسب آخر إحصائيات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.
كما أن جرائم السلب عموماً، بعيداً عن السيارات، ارتفعت بنسبة 41.3%.
أما سرقة السيارات فارتفعت أقلّ من غيرها من الجرائم إلى 10.9%، ربما لأنّ شراء السيارات وقطع الغيار انخفض بشكل عامّ في لبنان من جراء الأزمة الاقتصادية الحاصلة. كذلك انخفضت نسبة جرائم سلب السيارات بقوّة السلاح بنسبة 28%، بسبب انخفاض نسبة سير السيارات وخروج المواطنين من منازلها.
فيما أحصت قوى الأمن الداخلي اللبناني ارتفاع معدل السرقات الموصوفة بواسطة الكسر والخلع لمنازل ومحالّ وصيدليات، فبلغت 863 عملية، بمعدل وسطي 173 عملية شهرياً، مقابل 650 عملية خلال عام 2019 بأكمله.
واللافت أن جرائم النشل انخفضت بنسبة 45%، بسبب حالة التعبئة العامة وحظر التجوّل في الشوارع الذي فرضته جائحة كورونا في المناطق اللبنانية.
في الواقع اللبناني، لا يكاد يمر يوم إلا نسمع عن جريمة سرقة أو قتل أو خطف مقابل فدية مالية.
الأمر ليس مستغرَباً في ظل الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بلبنان منذ ثلاثة عشر شهراً.
وقد انعكست الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية في لبنان على الواقع المعيشي للبنانيين ، ما أدى إلى تعميم حالة اليأس والإحباط وارتفاع عدد المهاجرين بطرق شرعية وغير شرعية إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها بشكل غير مسبوق .
وتؤكد تقارير فضائية لـTRT عربي “لم يحصل هذا الارتفاع أول مرة في تاريخ لبنان، فقد حدث ارتفاع أكثر من ذلك خلال عامَي 2012 و2013، من جراء الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي كانت سائدة آنذاك”، واقع اجتماعي يؤكده مصدر أمني في قوى الأمن الداخلي اللبناني، رفض الإفصاح عن اسمه.
وحول المناطق التي تتمركز فيها الجرائم بشكل لافت، يكشف المصدر الأمني أن “الجرائم تحصل في مختلف المناطق اللبنانية، الأمر الذي يصعّب حصرها بمنطقة معينة، إلا أنها تتمركز بشكل أكبر بين بيروت وجبل لبنان نتيجة قربهما من المدينة، وبالتالي الشخص الذي ينتشل مجهول الهوية بالنسبة إلى الناس نتيجة كبر مساحة العاصمة وتنوع سكانها”.
ويقول المصدر الأمني: “الارتفاع الحالي في معدلات الجرائم هو نتاج أسباب أخرى وعوامل لها علاقة بالاقتصاد وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى الانفجار الأليم الذي حلّ بمرفأ بيروت والمدينة كاملةً، وجائحة كورونا واستغلال الثورة والحراك الشعبي.
هناك أشخاص استغلوا كل هذه الأمور لتنفيذ أعمال إجرامية، مما أدَّى إلى ارتفاع معدلات الجرائم مثل سرقة السيارات”.
ويضيف: “الارتفاع في نسب الجريمة يعود أيضاً إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بالنسبة إلى العملة في لبنان وسوريا، فأصبحت سرقة السيارات والمتاجرة بها بالدولار مربحة جداً، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع أعداد السارقين والموقوفين. واللافت هنا أنه لا طبقة جديدة للسرقة، أي لم يدخل أشخاص جدد إلى عالم الإجرام، بل هم مجرمون قدامى”.
ويشير إلى أن “كل حالة لها تحليل خاصّ، مثلًا القتل ارتفع خلال فترة كورونا نتيجة وجود أشخاص لديهم أمراض نفسية فارتفعت جداً وانعكست على المجتمع من خلال أعمال قتل غالبيتها لها علاقة بالعائلة، أيْ شخص قتل والدته أو والده أو زوجته. هذه الجرائم مرتبطة بالعوامل النفسية الاقتصادية أو النفسية العائلية، وبالتالي جريمة القتل لا نستطيع أن نقول إلا إنها جريمة لها حالات معيَّنة، دون أن ننسى الثأر وجرائم الشرف في مناطق جغرافية محددة، ولا ننسى الجرائم المرتبطة بالنزوح السوري أيضاً”.
عنف يتطور وفقاً لظروف المجتمع
أمام هذا الواقع الكارثي تتضاعف هموم اللبنانيين يومياً وترتفع وتيرة الشعور بالقلق وعدم الاستقرار لديهم في بلاد وضعوا فيها كل آمالهم، إلا أنها ضيّقت سبل العيش عليهم.
أُجبر بعضهم على اللجوء إلى ارتكاب الجرائم لتأمين قوت يومه، بعدما باتوا خائفين من مستقبل أضحى رهن قرارات الطبقة السياسية الحاكمة.
يبدو أن معدلات الجرائم التي صرحت عنها قوى الأمن الداخلي اللبناني تعكس الواقع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون، نظراً إلى الانهيار الاقتصادي والمالي والسياسي الذي يشهده لبنان ، بيد أن توقعات الخبراء تشير إلى استمرار هذه الأزمة لسنوات إضافية، بما يهدد بارتفاع إضافي في معدلات الفقر والبطالة، وبالتالي معدلات الجريمة وحالات السرقة والنهب، الأمر الذي يستدعي جهوزية عالية الدرجة لدى أجهزة الأمن اللبنانية للتعامل مع الأحداث المستجدة في البلاد.
وبالتالي ، فإن اللبنانيين اليوم ، اكثر ما يحتاجون إلى تشكيل حكومة ، تفعيل مؤسسات الدولة العادلة وتعزيز دور القوى الأمنية التي تشكل العين الساهرة على أمن لبنان والمواطنين والمقيمين.
كما يتطلب من المواطن اللبناني والمقيم ، العيش والتحرك بحذر ، والانتباه وعدم الاستخفاف بما يجري، فحالة الانهيار التي يتعرض لها لبنان ، تشكل ظاهرة أخطر من سنوات الحرب والقصف ، لأن في حالات الانهيار المجتمعي ، يتعرض الأمن للفلتان ، وتعم السرقات وتتراجع العلاقات الاجتماعية .