إلى أين يمكن أن تصل المعركة المفتوحة من النائب جبران باسيل ضد قائد الجيش العماد جوزيف عون؟
السؤال بات مشروعاً في ظلّ التراكمات السلبية بين الطرفين، التي وصلت إلى حدّ اتّهام الباسيليّين قائد الجيش “بالتعامل بمنطق المزايدات في ملفّ الترسيم البحري عبر الإصرار على توقيع المرسوم 6433″، وهو الاتّهام نفسه الذي يوجّهه هؤلاء إلى “القوات اللبنانية”.
في مقابل ذلك، يبرز الاستيعاب الكامل لـ”الهجمة” من جانب اليرزة تفادياً لأيّ احتكاك يؤثّر في مجرى العلاقة بين رئيس الجمهورية وبين قائد الجيش.
علاقة لا تزال، بتأكيد العارفين، متينةً، مع حرصٍ شديد من جانب جوزيف عون على إبعاد الجيش عن التجاذبات والحسابات السياسية، وتجنّب كل ما يُحسب في خانة “الجهاد” نحو رئاسة الجمهورية.
لكنّ ذلك لا يلغي تراشق الطرفين بالمواقف في الإعلام عبر صيغة المصادر، وعدم تقصير الباسيليّين في توجيه الرسائل المبطّنة إلى اليرزة عبر بيانات تكتّل لبنان القوي أو المجلس السياسيّ للتيّار.
الفرزلي وبقرادوني فاتحا الرئيس بضرورة تسليم المرحلة الانتقالية إلى الجيش
على خلفيّة المواقف، التي أطلقها أخيراً النائب إيلي الفرزلي عرّاب العهد “السابق”، والداعية إلى تسلّم الجيش السلطة وتعليق العمل بالدستور، والتي استدعت ردّاً من “مستشار القصر” سليم جريصاتي، تفيد معلومات لـ”أساس” أنّ “بعض أعضاء مجموعة “خليّة السبت”، التي انفَرَط عقدها بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية، ومن ضمنهم إيلي الفرزلي وكريم بقرادوني، فاتحوا عون أخيراً بخيار الركون إلى مرحلة انتقالية يتسلّم الجيش خلالها السلطة باعتباره رمزاً جامعاً لكلّ اللبنانيين.
وعليه، تكون هذه المرحلة فرصةً لباسيل “لشدّ حاله” وتحسين ظروف ترشّحه لاحقاً لرئاسة الجمهورية، لكنّ عون رفض الاقتراح رفضاً مطلقاً”.
وقد لفت تصريح الفرزلي، أمس، لقناة “الجديد”، الذي جزم فيه أنّ “العماد جوزيف عون لا يعنيه موضوع رئاسة الجمهورية، وقد “اختبرته” في ذلك.
ونقلت هذا الموقف إلى رئيس الجمهورية الذي قال لي “هيك تصرّف هويه يلّلي بيوصّلوا”.
وتابع الفرزلي: “اقتراحي أن يتسلّم الجيش السلطة صَدَرَ بمبادرة شخصية منّي، ولم يتّصل بي أحد من قيادة الجيش ليحدّثني بالموضوع. وبدا الأمر فعلاً كأنّه لا يعنيهم”.
عمليًا، لم يعد يفصل عن الاستحقاق الرئاسي “المفترض” سوى سنة ونصف. زيت العهد يُشارف على الانتهاء، و”على الطريق” نحو فتح صناديق الرئاسة تتفجّر الألغام تباعاً، وترتفع المتاريس، وتُكسر محاوِر على حساب محاوِر أخرى، ويتعارك المرشّحون المُحتملون للرئاسة بالواسطة ومباشرةً، ويُستخدم القضاء في فتح ملفّات وإغلاق أخرى بحسب بورصة المصالح…
كلّ ذلك، و”الجوّ” الإقليمي والدولي لا يزال غامضاً ومعقّداً، ويفتقر إلى أدنى مؤشّرات نحو تسوية ممكنة أو خارطة طريق لحلّ، بوصفها ممرّاً إلزامياً للاستحقاقات الدستورية المقبلة، وتحديداً الانتخابات النيابية، ثمّ الرئاسية.
ويبدو أنّ الأشهر الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي ستكون ساخنة جدّاً، وقد تسقط معها العديد من الاعتبارات والثوابت كتلك التي تربط بين رئيس الجمهورية وقيادة الجيش.
وهي معادلة يستحيل الحديث عنها من دون استحضار تأثير جبران باسيل فيها.
عمليًا، لم يعد يفصل عن الاستحقاق الرئاسي “المفترض” سوى سنة ونصف. زيت العهد يُشارف على الانتهاء، و”على الطريق” نحو فتح صناديق الرئاسة تتفجّر الألغام تباعاً، وترتفع المتاريس، وتُكسر محاوِر على حساب محاوِر أخرى
يقول العارفون: “افتتح باسيل معركة رئاسة الجمهورية ضد العماد جوزيف عون متسلّحاً بظهر رئيس الجمهورية، ومقدّرات موقع الرئاسة الأولى ومونته على منابر إعلامية قليلة، ونقل فريق عمل تابع له من 21 شخصاً إلى القصر الجمهوري، وفتح “غروب” واتساب يفيده بكل تحرّكات ولقاءات بعبدا… وآخر تجلّيات هذه المعركة بَرَز في ملف ترسيم الحدود البحرية مع اتّهام قيادة الجيش “بالتلاعب بالخطوط” جنوباً، وإخفاء معلومات عن رئيس الجمهورية تتعلّق بنشاط إسرائيل في استكشاف النفط وإنتاجه، بحسب ما أوردت جريدة “الأخبار” نقلاً عن “مصادر بعبدا”.
وهو اتّهام خطير جدّاً لم يتبرّع أحد في القصر الجمهوري أو من قيادات التيار الوطني الحر بنفيه”!
وفي بيان تكتّل لبنان القوي الأخير، ومن زاوية دعمه الكامل “لموقف رئيس الجمهورية الحكيم والحازم في موضوع ترسيم الحدود، والذي يَجهد لتصحيح أخطاء ارتكبت قبل وصوله”، صوّب باسيل، في قصفه لجبهة معراب، على قائد الجيش بحديثه عن “مزايدات مشبوهة يحاول رئيس الجمهورية احتواءها وتفادي انعكاسات صراعات دولية وإقليمية حول النفط والغاز في حوض المتوسط”.
لكنّ باسيل المتّهم بأنّه قايض الأميركيّين موقفَه من ترسيم الحدود برفع العقوبات عنه وتحسين صورته في واشنطن، يدحض، عبر أوساطٍ قريبة منه، هذه المقاربة جملةً وتفصيلاً، ويرى فيها تتمّة لمشروع اغتياله السياسي.
وتنفي الأوساط “وجود فريق عمل لباسيل في بعبدا، بل يقتصر الأمر على تعيين المسؤول الإعلامي السابق في التيار أنطوان قسطنطين مستشاراً إعلامياً لرئيس الجمهورية بسبب الحاجة الماسّة إلى وضع الرأي العام في صورة كل ما يحدث، والردّ على حملات الافتراء والتضليل، وهذا أقلّ الواجب”.
باسيل المتّهم بأنّه قايض الأميركيّين موقفَه من ترسيم الحدود برفع العقوبات عنه وتحسين صورته في واشنطن، يدحض، عبر أوساطٍ قريبة منه، هذه المقاربة جملةً وتفصيلاً، ويرى فيها تتمّة لمشروع اغتياله السياسي.
وتوضح الأوساط: “يدرك باسيل أنّه بات في مرمى النيران مباشرة، والعقوبات الأميركية عليه هي أكبر دليل على رفضه الرضوخ، فكيف يقايض على رفعها عنه، خصوصاً في ملف وطني وسيادي كترسيم الحدود”، مؤكدة أنّ “باسيل “بيشتغل سياسة”، والحسابات الرئاسية ليست عيباً، تماماً كما الحسابات النيابية، لكن ليس على حساب الملفات الوطنية، وليس في هذا التوقيت المتزامن مع وجود ميشال عون في سدّة الرئاسة الأولى”.
لكنّ راصدي باسيل يجزمون أنّ كل ما “يفعله رئيس التكتّل يصبّ في إطار حساباته الرئاسية، وإلّا فكيف تُفسّر تلك المعارك الكبرى اليوم التي لا تُشنّ إلا بوجه رموزٍ موارنة، من قائد الجيش إلى حاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى وسليمان فرنجية؟!”.
تبدو “حالة” رياض سلامة منفصلة عن الأسماء الباقية. فقد بات حاكم مصرف لبنان خارج الملعب الرئاسي مع كمّ الدعاوى القضائية المرفوعة ضده.
أمّا الآخرون فمرشّحون طبيعيون للمرحلة المقبلة، إضافة إلى أسماء أخرى تبدأ من ملعب المجتمع المدني أو من خارج نطاق “الوَحل” السياسي، ولا تنتهي عند نائب البترون.
يقول خصوم باسيل: “رئيس التيار “ما بشوفها”. بات وضعه مثل التلميذ “الطشّ”، وبسبب عدم قدرته على اللحاق بالآخرين والتقدّم بالنقاط يواجه المتقدّمين عليه بمحاولة تشويه صورتهم وشطبهم من لائحة المنافسة.
وهو لا يتردّد، لتحقيق هذا الهدف، في تسريب أجواء، عبر محسوبين عليه، عن وجود أزمة ثقة بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش.
وهو أمر بالغ الحساسية بالنظر إلى موقع المؤسسة العسكرية ودورها وصلتها الانسيابية بموقع الرئاسة الأولى.
وتحديداً بسبب العلاقة المميّزة، التي تجمع عون بعون، إذ لا يزال قائد الجيش في مجالسه يؤكّد العلاقة الخاصة التي تربطه برئيس الجمهورية، الذي بدوره يعبّر عن ارتياحه الدائم لاختياره على رأس قيادة الجيش”.