بات من المحسوم أنّ مصرف لبنان في طريقه إلى اتخاذ إجراءات متتالية باتجاه رفع الدعم تدريجياً عن استيراد السلع الأساسيّة والغذائيّة.
المحروقات والدواء والمستلزمات الطبيّة والقمح والسلّة الغذائيّة، التي كان يُموَّل استيرادها من دولارات مصرف لبنان، وفق سعر الصرف الرسمي القديم أو سعر صرف المنصّة، سيعتمد ثمنها على سعر الدولار النقدي في السوق السوداء، الذي يتخطّى اليوم 8 مرّات سعر الصرف الرسمي القديم، و3 مرّات سعر صرف المنصّة.
الأكيد حتّى اللحظة أنّ معاملات دعم استيراد الدواجن والمواشي والمستلزمات الطبيّة في مصرف لبنان توقّفت، فيما تشير المعلومات إلى قرار مماثل سيصدر خلال أيام قليلة ليشمل السلّة الغذائيّة التي كانت تُدعم وفق سعر المنصّة.
بالنسبة إلى المحروقات، تصرّ خطة الحكومة على إبقاء دعمٍ تصل نسبته إلى 15% من كلفة استيراد هذه المواد، فيما لا يبدو أنّ مصرف لبنان مستعدّ لتمويل هذه النسبة من الدولارات المتبقّية لديه، والتي تمثّل احتياطات المصارف الإلزاميّة الموضوعة ضمانةً للمودعين لديه.
وأمّا الدواء فمن المرتقب أن يُرفع الدعم، خلال فترة قصيرة جداً، عن استيراد جميع أصنافه، باستثناء تلك التي تخصّ الأمراض المزمنة، والتي قد يؤدّي انقطاعها إلى تهديد حياة المرضى.
باختصار، المسافة قبل الوصول إلى مشهد رفع الدعم القاتم باتت تُقاس بالأيام القليلة، لا بالأسابيع أو الأشهر.
بالنسبة إلى المحروقات، تصرّ خطة الحكومة على إبقاء دعمٍ تصل نسبته إلى 15% من كلفة استيراد هذه المواد، فيما لا يبدو أنّ مصرف لبنان مستعدّ لتمويل هذه النسبة من الدولارات المتبقّية لديه، والتي تمثّل احتياطات المصارف الإلزاميّة الموضوعة ضمانةً للمودعين لديه
فاتورة استيراد هذه السلع بلغت نحو 6.4 مليارات دولار خلال عام 2020، أي بمعدّل يبلغ نحو 17.8 مليون دولار أميركي يوميّاً.
بالتأكيد، كانت نسبة من هذه المبالغ تذهب إلى تمويل استيراد سلع كانت تُهرَّب عبر الحدود، للاستفادة من الفارق بين السعر المدعوم وسعر السلع بالدولار الطازج.
وقد يستمرّ مصرف لبنان بتوفير نسبة صغيرة من هذا الدعم، بحسب ما سيُتَفاهَم عليه مع الحكومة.
لكن على الرغم من ذلك، من المرتقب أن يؤدّي رفع الدعم إلى زيادة الطلب على دولارات السوق السوداء بقيمة لا تقلّ عن 10 ملايين دولار يوميّاً، لتوفير الدولارات المطلوبة لاستيراد السلع الأساسيّة، والتي كانت تُؤمّن سابقاً من مصرف لبنان.
ستمثّل زيادة الطلب على الدولار بهذه القيمة في السوق السوداء، صدمةً قاسية ومفاجئة بالنسبة إلى سعر صرف الليرة اللبنانيّة، خصوصاً في ظل محدوديّة حجم السوق السوداء مقارنة بهذه القيمة.
ولهذه الأسباب، يقدّر البعض اليوم أن تتسبّب هذه التطوّرات بارتفاع مفاجىء في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، إلى مستويات قد تتجاوز 20 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي خلال أسابيع قليلة فقط.
وهكذا سيكون ارتفاع معدّلات التضخّم ناتجاً عن عاملين معاً: ارتفاع أسعار المواد المدعومة بعد رفع الدعم عنها، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة نتيجة الطلب على الدولار للاستيراد.
أمّا الحصيلة فهي ضربة قاسية على المستوى المعيشي.
أمّا الدواء فمن المرتقب أن يُرفع الدعم، خلال فترة قصيرة جداً، عن استيراد جميع أصنافه، باستثناء تلك التي تخصّ الأمراض المزمنة، والتي قد يؤدّي انقطاعها إلى تهديد حياة المرضى. باختصار، المسافة قبل الوصول إلى مشهد رفع الدعم القاتم باتت تُقاس بالأيام القليلة، لا بالأسابيع أو الأشهر
بالنسبة إلى أسعار المواد الأساسيّة، يُتَوقّع أن يتركّز جزء أساسي من الكارثة في الارتفاع المرتقب لهذه الأسعار.
فصفيحة البنزين (أوكتان 95) لا يتجاوز سعرها اليوم حدود 39 ألف ليرة، نتيجة دعم مصرف لبنان لاستيرادها. ووفقاً لأسعار المحروقات العالميّة، من المرتقب أن يرتفع سعرها إلى مستويات تتجاوز 140 ألفاً، علماً أنّ هذه القيمة سترتفع ارتفاعاً إضافياً لاحقاً مع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
أمّا سعر صفيحة المازوت، فيُنتظَر أن ترتفع من 26.700 ليرة إلى مستوى يتجاوز 110 آلاف ليرة.
مع الإشارة إلى أنّ كل هذه الأرقام تفترض إبقاء مصرف لبنان على دعم محدود يقدّر بـ15% من قيمة المواد المستوردة، أمّا في حال رفع الدعم كلّيّاً، فمن الطبيعي أن تتخطّى الأسعار هذه الأرقام.
لكن يبقى ما هو أبعد من ارتفاع الأسعار وارتفاع سعر الصرف. فشحّ الدولار في السوق الموازية، وتراجع الطلب على العديد من أصناف المواد الغذائيّة، سيؤدّيان حكماً إلى إحجام الشركات المستوردة عن توفير العديد من أصناف السلع، وهو ما سيُوصل إلى فقدان الكثير من الأصناف على رفوف السوبرماركتات.
وقد شهد اللبنانيون هذه الظاهرة منذ فترة، بعد الارتفاعات الأخيرة في سعر الصرف، ومن المرتقب أن تتوسّع أكثر ليقتصر المعروض في السوبرماركتات على السلع الضرورية فقط.
بالإضافة إلى كل هذه التطوّرات، ثمّة ما سيضيف من عوامل الضغط على سعر الصرف خلال مرحلة رفع الدعم.
فالمصارف تستمرّ حتّى اللحظة بجمع الدولارات من السوق الموازية، عبر العروض التي تسوّقها لعملائها، والتي تقضي بإعطائهم شيكات مصرفيّة قيمتها أربعة أضعاف الدولارات النقديّة التي يقدّمها هؤلاء العملاء للمصارف.
وفيما يبدو أنّ جهود هذه المصارف تندرج في إطار محاولة تعويم موجوداتها بالعملة الصعبة، إلا أنّها ستؤدّي إلى مفاقمة الوضع النقدي سوءاً خلال مرحلة رفع الدعم.
لكل هذه الأسباب ستتّجه البلاد خلال مرحلة قصيرة جداً نحو وضع مأساوي جدّاً على المستوى المعيشي، في حين أنّ الحلول والبدائل مفقودة تماماً.
أمّا أخطر ما في الموضوع، فهو غياب الطرف الذي يفترض أن يقود المرحلة، أي السلطة التنفيذيّة.
فحكومة دياب لم تقدّم حتّى اللحظة مشروعها المتكامل لآليات الدعم البديلة، في حين أنّ ما قُدِّم حتّى اللحظة من أفكار لا يتّسم بالواقعيّة أو الجديّة.
أمّا الحكومة الجديدة فملفّها عالق حتّى إشعار آخر.
بعد ظهر أمس، أصدر مصرف لبنان بيان بشّر فيه بمبادرة لإعادة ودائع اللبنانيين التي كانت موجودة قبل 17 تشرين الأوّل بشكل تدريجي، مشيراً إلى خطة تضمن دفع مبالغ تصل إلى حدود ال25 ألف دولار أميركي.
كما طمأن الحاكم إلى قرب إطلاق منصّته لتداول العملات الأجنبيّة، وإلى تدخّل مصرف لبنان في عمليات المنصّة كلما دعت الحاجة، بالإضافة إلى توفيره الإعتمادات المطلوبة لتمويل استيراد السلع الأساسيّة.
لكنّ البيان جاء بعيداً عن الواقع، وتحديداً بسبب حجم الخسائر الكبير المتراكم بالعملة الصعبة في النظام المالي حالياً، والذي لم يتم التعامل معه حتّى الآن، علماً أن حجم هذه الخسائر تسبب بفجوة توازي قيمتها أكثر من ثلثي قيمة الودائع الموجودة بالعملات الأجنبيّة.
أما بالنسبة إلى تدخل مصرف لبنان في سوق القطع، وتوفير الدعم، فبدا مسألة مستغربة لكون حجم الاحتياطات المتبقية في مصرف لبنان لامس الاحتياطي الإلزامي الذي أودعته المصارف لدى مصرف لبنان، والذي لا يفترض أن يتم المس به.
إلّا إذا كان الحاكم يشير إلى احتمال التدخل في سوق القطع أو توفير الدعم من الاحتياطي الإلزامي، وهذا ما سيفتح على مصرف لبنان باب مخاطر قانونيّة لا يمكن حصرها في الخارج.