تطرّق البطريرك الماروني، بشارة الراعي، إلى جملة من الملفات السياسية والاقتصادية والعامة والأزمات المتلاحقة التي يعيشها اللبنانيون، خلال لقاء له في جامعة القديس يوسف، بدعوة من قسم التاريخ والعلاقات الدولية فيها.
فحضرت عناوين الحياد، المؤتمر الدولي، تشكيل الحكومة، رئاسة الجمهورية، انتفاضة 17 تشرين، جريمة انفجار مرفأ 4 آب، وغيرها من الملفات.. في الأسئلة التي توجّه بها الطلاب إلى البطريرك، الذي عاد وذكّر بالمواقف المبدئية التي تتّخذها الكنيسة.
فرفع الراعي سلسلة من الثوابت منها السيادة والحرية وبناء الدولة والشراكة والمساواة، في معرض الردّ على هذه الأسئلة، معلناً التمسكّ بالدستور والمناصفة واعتباره أنّ المثالثة طرح يضرب الميثاقية والعيش المشترك.
الحياد ورفضه
من جملة الأسئلة البديهية التي طُرحت على الراعي، معنى الحياد ولماذا تم رفضه من قبل بعض اللبنانيين، فأكد الراعي بهذا الخصوص على أنّ “الحياد، ليس مبادرة للبطريرك أو الكنيسة، بل هو طبيعة لبنان لأنه بحكم تكوينه منفتح على كل البلدان وتعددي ثقافياً ودينياً ونظامه ديموقراطي وميزته الحوار والتلاقي”.
وأضاف أنّ “لبنان عاش الازدهار والبحبوحة والخير والانفتاح من سنة 1920 إلى 1975، ولو مرقنا بسنة باتفاق القاهرة عام 1969″. وأشار إلى أنّ الأزمة الحالية أتت ” بعدما تم إدخال لبنان بصراعات وحروب إقليمية ودولية وأصبح ورقة للتفاوض بين هذه الدول. إذاً الحياد هو عودة إلى طبيعة لبنان الأساسية”.
وأعاد الراعي التأكيد على أنه للحياد “3 عناصر،
أولاً لبنان لا يدخل في أحلاف وصراعات وحروب،
ثانياً أن له دور تلاقي وحوار وديموقراطية وحقوق الإنسان وكرامته، ونموذج ورسالة،
ثالثاً أنّ لبنان لا يمكن أن يكون حيادياً وفي الوقت نفسه فاقد للسيادة في الداخل والخارج”.
وحول من يرفضون وينتقدون طرح الحياد، قال إنه “من انتقدوا الحياد وتخوفوا معروف لماذا، ما بدهم سيادة؟ ما بدهم جيش واحد؟ ما بدهم ازدهار؟ البعض غير متحمسين لأن لهم حسابات خاصة وحساباتنا مصلحة لبنان، ولبنان الحياد يخدم كل اللبنانيين وليس لفئة أو مذهب أو حزب أو منطقة”.
تشكيل الحكومة
وحول ملف تشكيل الحكومة، جزم الراعي أنّ العقبات داخلية مشيراً إلى أنّ “العقبة داخلية من أجل مصالح خاصة وفئوية ومذهبية. عملت كثيراً على هذا الموضوع، وأؤكد أنّ القضية داخلية كأساس”.
وتابع أن “ثمة مصالح شخصية، ثمة لا مسؤولية، هل يعقل أن يرى مسؤول البلادَ تموت والمؤسسات تقع وتنهار ولا يقوم بأي شيء؟ هذا غير مقبول، العمل السياسي لخدمة الخير العام وليس الخاص”.
وأضاف أنه قدّر كثيراً “موقف السفير مصطفى أديب عندما اعتذر بعد شهر من تكليفه”، وتابع قائلاً إنّ “ترك الأمور هكذا والبلد ينهار، فلا يمكن أن نقبل به”.
وحول دور الفاتيكان في الملف، أشار إلى أنّ الأخيرة “تشتغل على طريقتها، لا تحكي مثل الدول بمناشدة تشكيلة الحكومة، لكن تعمل على خط ساخن في قضية لبنان”.
وأكد الراعي أنّ سبب تأخير زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان “مرتبط بعدم وجود حكومة”.
المثالثة والخطر
وسُئل الراعي عن الخوف من المثالثة والدعوات لعقد مؤتمر تأسيس، وردّ مشيراً إلى أنه “لا نعرف معنى المؤتمر التأسيسي ولا مضمونه أو أهدافه، هو خطوة للمجهول لا يقبل بها أحد”.
وشدد على أنّ المطلوب هو عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، مؤكداً في موضوع المثالثة على أنّ لبنان “قائم بالميثاق على العيش معاً مسيحيين ومسلمين وعلى تنوع المذاهب والطوائف، وعند طرح المثالثة يختلّ هذا التوازن، فلا يمكن لطائر أن يطير بثلاثة أجنحة. المثالثة بداية لهدم الكيان”.
وفي الوقت نفسه، قال الراعي إنّ وثيقة الوفاق الوطني “تمّ تشويهها من خلال الممارسة، كما تم تشويه الصيغة اللبنانية”.
ورداً على سؤال آخر، اعتبر الراعي أنّ “لبنان بخطر بسبب الممارسة السياسية الخاطئة وبسبب ارتباطات وولاءات لدول أخرى وبسبب استيراد عادات وتقاليد وأنظمة وممارسات غريبة عن طبيعتنا اللبنانية”.
وأشار إلى أنّ المهدد في لبنان “أولاً الكيان، أي هويته وتعدديته وديموقراطيته والمساواة ونظامه الحر وحرية التعبير والمعتقد والممارسة”.
رئاسة الجمهورية
وحول استحقاق رئاسة الجمهورية العام المقبل، سأل الراعي عن معنى عبارة المسيحي القوي، “ما معنى الأقوى مسيحياً، ومن الذي يقرّر أن هذا الأول مسيحياً أو ليس الأول مسيحياً”؟ وقال إن الموقع يستوجب أن يكون الشخص معروفاً “وله وتاريخ وممارسة وخبرة وثقافة، يفرض نفسه بشخصيته، متجرّد لا مصلحة خاصة له، صاحب أخلاقيات، صاحب رؤية، يريد المحافظة على لبنان، ولا ارتباطات مع أحد إلا مع الشعب والدولة، هذا ما نسمّيه الرئيس القوي”.
وأكد على أنّ التجرّد من المصلحة الخاصة “هي الفضيلة الأساسية لأي رئيس، يحترم الدولة والمؤسسات والدستور ووحدة الشعب اللبناني”، معتبراً أنّ الدستور براء من أي أمر آخر.
وشدد على أن بكركي، عام 2016، لم تحضر أسماء المرحشين لرئاسة الجمهورية بأربعة فقط، مشيراً إلى أنّ “هذا ما تم التسويق له في الإعلام، في حين أنّ القادة الموارنة الأربعة هم من رغبوا بحصر الأسماء بهم فقط”.
وتابع مشيراً إلى أنه “تم الاتفاق في اجتماعات بكركي على اختيار اسم من بين الأربعة، لكن ما حصل أن ثمة من عطّل وقاطع وأفقد النصاب على مدى سنتين ونصف”.
17 تشرين
وحول انتفاضة 17 تشرين، قال الراعي إنّ “الثورة باركناها ونريد استمرارها”. واعتبر أنها نجحت في “خلق تيار عام يسعى إلى الأفضل والتغيير ورفض الواقع والممارسة، وفي جمع مكوّنات المجتمع كله من كل المناطق والطوائف والأحزاب، وأضاءت شعلة رجاء للتغيير وبتعميق الانتماء الوطني للبنان، وفي توحيد الشباب والشابات تحت راية لبنان بالمطلب والمطالب الوطنية والمحقة سياسياً واقتصادياً ومعيشياً وانمائياً ومعيشياً”.
واعتبر أنّ الانتفاضة فشلت “في عدم تنظيمها، عدم تحديد أهدافها الأساسية ووسائلها، وفي طريقة التعبير عبر قطع الطرقات بشكل دائم، وفي الاعتداء على الأملاك الخاصة العامة والمصارف وتعطيل المؤسسات والمدارس والجامعات والأعمال”.
وشدد على أنّ “تغيير البلد بحاجة إلى وقت، إلى تحضير نخب، نريد استمرار الثورة بأن تستعمل الطرق القانونية”.
انفجار المرفأ
وعن انفجار المرفأ، شدد الراعي على أنه “منذ اليوم الأول، والآن أعيد، لا يمكن لقاض واحد التحقيق في ملف مماثل”.
وقال أنه “ثمة ضحايا غير لبنانيين، طالبت وأطالب مجدداً أنه يجب أن يكون هناك تحقيق من الدول أيضاً.
مع الأسف أحد لم يلبّ هذا الطلب”.
كما عبّر عن أسفه “كيف أنّ أياً من الدول لم تسلّم لبنان صور الأقمار الصناعية ليوم 4 آب، كأن ثمة تابوه في الموضوع”.