أثارت الاشتباكات التي شهدتها أحياء وأزقة مخيم الرشيدية قرب مدينة صور بين مسلحين فلسطينيين،خلال الساعات الماضية، حالة من الخوف والهلع في صفوف اللاجئين الفلسطينيين وخاصة الأطفال .
وأعادت الاشتباكات التي استعملت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة، الحديث عن فوضى السلاح ودور الفصائل الفلسطينية في حفظ أمن وسلامة أبناء المخيمات .
ليست هي المرة الأولى التي يشهد فيها مخيم الرشيدية اشتباكات بين عناصر مسلحة، وهي نتيجة طبيعة لحالة فوضى السلاح الذي يهدد معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان، من جهة، ونتيجة انتشار السلاح بين تجار المخدرات وقدرتهم على تشكيل قوة عسكرية تفرض نفسها على الحياة ليس في الرشيدية فحسب، بل وفي مخيمات أخرى أيضا.
ومع كل اشتباك مسلح يسقط الضحايا والجرحى ، ويعم الخوف والرعب في صفوف الأطفال الأبرياء.
من يتحمل مسؤولية ذلك؟ تعهدت الفصائل الفلسطينية دون استثناء، أمام السلطات اللبنانية بالمحافظة على أمن واستقرار المخيمات الفلسطينية ومكافحة الارهاب وانتشار آفة المخدرات والتعاون لملاحقة المطلوبين والفارين من وجه العدالة، وأيضا اعتبرت الفصائل نفسها الممثل عن هذا الشعب وتعمل من أجل حمايته والدفاع عنه أمام أي خطر يتعرض له.
بالتالي فإن الفصائل الفلسطينية بمينها وشمالها وشرقها وغربها هي المسؤولة عن حماية أهالي المخيمات، إن لجهة ملاحقة المطلوبين والفارين من وجه العدالة أو لجهة ملاحقة الارهابيين وتجار المخدرات داخل المخيمات. هذه مسؤولية الفصائل لسببين سابقين: الأول أنها فصائل مسؤولة عن الشعب وحمايته وقامت بالتنسيق والتعاون مع الاجهزة الأمنية اللبنانية من أجل القيام بهذه المهمات.
لذلك، فأن الفصائل هي المسؤولة عن امن الشعب الفلسطيني وتتحمل مسؤولية أي اختراق أمني داخل المخيمات. وهذا ما تتدعيه أو ما تؤكده الفصائل من خلال عناصرها المسلحة مباشرة أو من خلال قوات الأمن الوطني الفلسطيني المنتشرة داخل المخيمات.
وأمام هذا الواقع على الفصائل الفلسطينية أن تتحمل مسؤولياتها اتجاه أهالي المخيمات، وتقوم بدورها، وتعمل على وضع حد للاشتباكات المسلحة، ووقف فوضى السلاح وإطلاق النار العشوائي .
يرى أخصائيون وناشطون في المؤسسات المعنية برعاية الأطفال، أن أكثر ما يتعرض له الأطفال الفلسطينيون داخل مخيماتهم في لبنان من مشاكل، هو فوضى السلاح وعمليات إطلاق النار العشوائي والاشتباكات التي تندلع بين لحظة وأخرى بين المجموعات المسلحة التي تنتشر بين الأزقة ومساكن المدنيين.
ويبلغ عدد الأطفال الفلسطينيين اللاجئين في لبنان حوالي 60 ألف طفل، بما نسبته أكثر من 30 في المئة من عدد اللاجئين، حسب إحصائيات “الأونروا” إلا أن هؤلاء الأطفال لا يعيشون ظروفا حياتيه عادية كباقي أطفال العالم، وقد تعرضوا للموت والقتل خلال سنوات الحرب والاجتياحات والمجازر، ويتعرضون اليوم للحرمان وقهر والخوف والفقر.
وتعتبر ظاهر فوضى السلاح وإطلاق النار العشوائي والاشتباكات بين الفصائل والمجموعات المسلحة وتجار المخدرات واحدة من أخطر ما يتعرض له الطفل الفلسطيني، ولها تأثير كبير على حياته الجسدية والنفسية.
تشير الدكتورة نزهة عواد الفلسطينية المتخصصة في علم الاجتماع أن عمليات إطلاق النار العشوائي والاشتباكات المسلحة التي تندلع بين الفترة والأخرى داخل مخيمات الفلسطينيين واحدة من أخطر ما يتعرض له الطفل. وتضيف “خلال عمليات استطلاع ومقابلات مع الأطفال الفلسطينيين داخل المخيمات وجدنا أن عددا كبيرا منهم يتردد عند الكلام ويتلعثم وتبدو عليه حالة الخوف والارباك.
وهذا ما بدى واضحا على أطفال مخيمات عين الحلوة وشاتيلا وبرج البراجنة والرشيدية”.
وأكدت أن سبب ذلك هو الخوف والقلق الليلي بسبب عمليات إطلاق النار التي تصيب الأطفال بالهلع، لأنها تحصل بين المنازل وداخل الأحياء والشوارع العامة.
وتكشف عواد عن أن عددا كبيرا من الأطفال في مخيمات الرشيدية و عين الحلوة وشاتيلا مصابون بالتبول اللا إداري ليلا رغم أن عمرهم تجاوز 10 سنوات.
وحذرت من استمرار وضع الأطفال الفلسطينيين في لبنان على حاله، وأكدت أن هذا الواقع سيؤدي إلى نتائج كارثية في المستقبل لا يمكن تحديد ملامحها اليوم، لكنها حتما كارثية لأنها ستوصل إلى جيل فاقد للانتماء والوعي والثقافة، ما يؤدي حتما إلى تصاعد الجريمة والمخدرات والهجرة غير الشرعية و”السادية”.
بدوره، اعتبر المدير العام لؤسسة بيت “أطفال الصمود” قاسم العينا، أن إطلاق النار والاشتباكات المسلحة من أخطر الظواهر التي تهدد حياة الأطفال داخل مخيماتهم وأعرب عن أسفه الشديد لأن الأطفال والفتيان الفلسطينيين في لبنان يعيشون هكذا ظروف صعبة، ويتعرضون من حين لآخر لرصاص عشوائي، ما يجعلهم يعيشون حالة رعب، وهذا بدوره كما يضيف، يجعل الأطفال يتأثرون نفسيا في ظل عمليات عسكرية عبثية تثير عند الأطفال حالة الخوف والهلع، لذلك معظم الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية ويصابون بالاهتزاز والارباك والتخلف العقلي وتخلف في الدراسة والمستوى التعليمي وتراجع المستوى التربوي، وهذه نتيجة طبيعة للظروف الأمنية والفوضى المسلحة إلى جانب مأساتهم وحرمانهم ونكبتهم.
ويعتقد الناشط الفلسطيني وليد الخطيب، أن القوى والفصائل الفلسطينية وقيادتها أصبحت عاجزة عن معالجة الاشكالات والأزمات التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، لافتا إلى أنها أزمات اجتماعية وأمنية واقتصادية ونفسية، تهدد أمن المخيمات وأمن اللاجئ بشكل عام والأطفال بشكل خاص، وليس لدى الفصائل الفلسطينية القدرة على معالجتها وإيجاد حلول جذرية لها تبعث الأمن للاجئ وترفع عنه الأزمات.
ويرى الخطيب إن أخطر ما يتعرض له الطفل الفلسطيني في لبنان أنه يعيش بدون حقوق وبدون أمن واستقرار نفسي وجسدي واقتصادي.
وتابع، هذا وضع لم يعد يحتمل وهناك ضرورة لمعالجته قبل الانفجار، لكن اللاجئ الفلسطيني الذي يتعرض لكل هذه المأساة يتساءل من المسؤول؟ الفصائل الفلسطينية التي اعتبرت نفسها ممثلا شرعيا وحيدا ومدافعا عن مصالح الشعب، هي المسؤولة اليوم عن هذا المشهد المأساوي الذي تتعرض لها المخيمات.
اللاجئون الفلسطينيون يعيشون حالة فوضى وضياع والأطفال هم ضحايا هذا الواقع المأساوي وفي مقدمته السلاح وإطلاق النار والاشتباكات المسلحة بين الفصائل وتجار المخدرات كما يجري في الرشيدية وعين الحلوة و شاتيلا. وإذا كانت الفصائل الفلسطينية تدعي المسؤولية إلا أنها عاجزة ومترهلة أو تتهرب من مسؤوليتها وتترك اللاجئ لمصيره المجهول.
ولا تختلف آراء المتخصصين والمطلعين على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حول تأثير فوضى السلاح على الأطفال، بل وذهبت إلى التحذير من استمرار هذه الحالة والمستقبل الأكثر مأساوية الذي ينتظر الأجيال الفلسطينية الصاعدة إذا لم يسرع المعنيون لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة التي تنتشر داخل المخيمات الفلسطينية.