أراده رئيس الجمهورية ميشال عون وصهر القصر جبران باسيل صراعاً مسيحياً – سنياً لإحراج الرئيس المكلف سعد الحريري فإخراجه، فتصدى لهما رئيس مجلس النواب نبيه بري بسلاح احترام الدستور وتطبيقه وعدم السماح باستهدافه أو تجاوزه أو خرقه تحت أي مسميات.
فانزلق قصر بعبدا إلى صراع مسيحي – شيعي، بدأه رئيس التيار العوني باسيل بالتصويب على المجلس النيابي من باب البطاقة التمويلية، واستكمله بيان رئاسة الجمهورية قائلاً: “تطالعنا تصريحات ومواقف من مرجعيات مختلفة تتدخل في عملية التأليف، متجاهلة قصداً أو عفواً ما نصّ عليه الدستور.
إن المرجعيات والجهات التي تتطوع مشكورة للمساعدة في تأليف الحكومة، مدعوة إلى التقيد بأحكام الدستور وعدم التوسع في تفسيره لتكريس أعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه”.
فمن يتدخل في عملية التأليف؟ ومن هي المرجعيات والجهات التي تطوعت للمساعدة وقصدها بيان القصر؟ ليس المقصود فقط من بيان عون توجيه رسالة إلى الرئيس بري صاحب المبادرة الحكومية، إنما الوسيط أيضاً في هذا الملف وهو”حزب الله”.
لذلك قرأ “الثنائي الشيعي” في البيان الرئاسي استهدافاً لـ”حزب الله” كما لرئيس المجلس النيابي.
وتوسّط “حزب الله” في الملف الحكومي سببه انقطاع التواصل بين الرئيسين عون وبري، لا التوسط بين الرئيس الحريري والنائب باسيل، واقتصر مسعى “حزب الله” على محاولته إعطاء الزخم لمبادرة بري عند باسيل، أما العلاقة مع الحريري فيتولاها بري مباشرة أو عبر معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، لذلك فُهم كلام رئاسة الجمهورية على أنه رسالة سلبية إلى حليفه “حزب الله” أكثر منها إلى خصمه السياسي رئيس مجلس النواب..
“حزب الله” موقفه لن يتغير كما تؤكد مصادره لموقع “لبنان الكبير”، فهو “لن يضغط على الرئيس المكلف ليقدّم اعتذاره، لا بل يفضل استكمال مهامه بتأليف الحكومة، ولا يضغط على حليفه النائب باسيل للتراجع عن شروطه، وهذا لا يُعد ضعفاً ولا قوة، وهو ليس مضطراً لإثبات قوته لأحد، أما الشيء الوحيد الذي يجد نفسه مأزوماً أمامه فهو الواقع المعيشي والأزمات الاجتماعية التي تمس جمهوره كما الشعب اللبناني أجمع”.
وقال أحد رؤساء الحكومات السابقين لموقع “لبنان الكبير” إن “العهد يعيش حالة إنكار وكأنهم في المريخ، الله يعين البلد”.
وعن بيان القصر الجمهوري قال: “إن رئيس الجمهورية محكوم بالتوافق مع رئيس الحكومة المكلف، ولكن على أساس أن تسود النوايا الحسنة والرغبة في التأليف، وإلا فالحكم هو مجلس النواب… ينص الدستور على أن الرئيس المكلف هو من يؤلف ويوقع بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية له الحق الكامل في أن يبدي رأيه بكل وزير وليس في الوزراء المسيحيين فقط، لكن هذا الأمر يتم استناداً إلى حسن النوايا لدى الطرفين.
أما عندما يعاند رئيس الجمهورية ويحاول أن يظهر بأنه هو من يؤلف، يصبح الأمر مرفوضاً وغير سليم، وبالتالي عندما يطلب رئيس الجمهورية أموراً غير صحيحة، فمن حق رئيس الحكومة المكلف أن يقول له: من يحكم بيننا هو مجلس النواب، فلنذهب اليه.
وهذا يعني أن يوقع رئيس الجمهورية التشكيلة الحكومية ويرسلها إلى مجلس النواب مع إطلاع أعضائه بأنه غير موافق عليها، وليقول المجلس النيابي كلمته بإعطاء الثقة للحكومة أو حجبها عنه”.
رئيس الحكومة السابق الذي تحدث لموقع “لبنان الكبير” يؤكد أن “فكرة اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري غير واردة، والأمر ليس عناداً، إنما اعتذاره سيؤدي إلى وضع أسوأ، لذلك لا يجب سلوكه”.
بات تكليف الرئيس الحريري في ظل الصراعات السياسية وقضم الصلاحيات الدستورية، أمراً لا يملكه الحريري فقط، إنما هو ملك للطائفة السنية ولا يمكن التفريط به، وهذا ما سمعه الحريري في المجلس الإسلامي الشرعي ومن رؤساء الحكومات السابقين، وكان سبباً أساسياً في تراجع الرئيس المكلف عن تقديم اعتذاره عن التأليف، إضافة إلى إعطاء الرئيس بري مهلة لاستكمال مسعاه.
وكان أحد الخيارات المطروحة أمام الحريري أن يقدم تشكيلة حكومية من 24 وزيراً، فإذا رفضها رئيس الجمهورية يقدم اعتذاره ويلتزم بعدها المعارضة لخوض الانتخابات على أساسها، ولكنه لن يسير بعدها في دعم أي شخصية سنية بديلة لرئاسة الحكومة، إلا أن هذا الطرح لا يزال قيد الدرس، قبِل به البعض ورفضه البعض الآخر، ولكن المؤكد هو أن الحريري لن يُقدم على أي خطوة تُفقده الدعم السني الجامع الذي استرجعه خلال معركة التأليف، وأعاد تثبيت شعبيته وفرضه معادلة الأقوى سنياَ.