“تأتي الكهرباء. أشعر بالتوتر. أسارع إلى لم الغسيل ووضعه في الغسالة، ألم قناني الماء الفارغة لأملأها وافرّغ غالون الماء الكبير تحضيراً لاستبداله، أتصل بالدكنجي. يرفع السماعة.
أسمع صوته يطلب من الصبي العامل لديه للإسراع في توصيل طلبية، أعطيه طلبيتي مسرعة حفاظاً على وقته ووقتي، اتصل بالخضرجي، لا يجيب، أتوتر أكثر، قد تنقطع الكهرباء بين دقيقة وأخرى، يرن جرس الباب، ياالله هل هذا وقته؟! أفتح. إنه الناطور يسألني إذا ما كان غالون الماء في مدخل البناية لي.
أعاود الاتصال بالخضرجي، لا يجيب. أكيد مشغول بتوصيل طلبيات منهمرة عليه، لا وقت لدي، هناك أشياء كثيرة عليّ القيام بها. أقرأ الوتساب وأرد على سؤال الطالب.
أشغّل المكيف حتى يأتي رمزي ويجد غرفته مبردة، أدوّر الجلاية على برنامج نصف الساعة، فلا أحد يضمن أن تبقى الكهرباء لوقت أطول، يرن التلفون، إنه الخضرجي وقد شاهد رقمي، عجل يا علي أريد كزبرة من أجل الفاصوليا وخيار للسلطة.
ماذا نسيت؟ يرنّ جرس الباب مجدداً، إنه صبي الدكنجي، لم أكن قد ملأت القناني الفارغة بعد، لا وقت لتعبئتها، فقد ينقطع الأسانسير بين لحظة وأخرى، لا بأس أفرغ الماء المتبقي في الغالون في المجلى ويستبدله الصبي مسرعاً.
ماذا نسيت؟ أفكر بسرعة…لا شيء.
أشعل سيجارة، أدخنها والعرق يتصبب من وجهي.
حسنا يا فادية، تمهلي، دخني سيجارتك على رواق، لا شك أنك نسيت بعض الأمور وسوف تلاحظين ذلك بعد أن تنقطع الكهرباء. لا عليك… فأنت تمسكين بزمام الأمور جيداً.
فقط قد يكون هناك بعض الأشياء التي نسيت القيام بها، لا تأبهي، لا يهم… ولكن ما هذه الرائحة؟ آه الطنجرة! افتحها، اللحمة السوداء ملتصقة بقعرها.. لا بأس يا فادية، فقط تلفون لمحمد اللحام وتحلين المسألة. فقط لا تنسي أنك تمسكين تماماً بزمام الأمور. طق… صوت الديجنتور… انقطعت الكهرباء”.
بهذه الكلمات والعبارات وصفت أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية فاديا حطيط الواقع المأسوي المسيطر على اللبنانيين عبر بوست نشرته على صفحتها عبر تطبيق فايسبوك.
وبالفعل نتساءل كثيراً عما يمكننا فعله؟ وكيف نعيش في ظل التوترات المسيطرة علينا؟ فإلى جانب توتر الغلاء المعيشي وتوتر طوابير الذل أمام محطات الوقود ومع أزمة انقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية تأتي ساعة الكهرباء اليتيمة، لتزيد من هذه الأعباء والحالات النفسية وليس لتخفيف حدتها.
يوميات العتمة علينا تسجيلها كي لا تُنسى، فربما تقرأها الأجيال الصاعدة فلا ينسوا الإذلال الذي اقترفه العهد القوي بحق شعب بلده.
لا فائدة من ساعة كهرباء
يعرب أسعد عن حزنه وخوفه من استمرار الأوضاع نفسها، فطفلته البالغة من العمر عشر سنوات تعاني من الربو وليس باستطاعتها التنفس بشكل طبيعي، إلا بوجود الكهرباء، ويسأل: “كيف ستتحمل هذه الطفلة بعد؟ جهاز التنفس من غير كهرباء باهظ الثمن وأنا غير قادر على جلبه وغالباً ما اسأل عن مصير هذه الطفلة في ظل أزمة انقطاع التيار الكهربائي؟”.
وتقول موظفة في شركة كهرباء لبنان نجوى: “تأتي الكهرباء ما يقارب ساعة أو أقل، أسرع لإنهاء المعاملات المُقدمة، كما أنجز الطلبات التي تُسجل يومياً ولكن لا يمكنني إنهاء كل هذه الأمور في ظل ساعة واحدة. ومن أصل 40 معاملة أنجز 20 كحد أقصى. بالنهاية لست روبوتاً ولا يمكنني القيام بكل الخطوات المطلوبة عبر الكمبيوتر في غضون ساعة”.
وبالنسبة لربة المنزل ليال، فالوضع شبيه بكارثة تقع على رأسها، فتشير إلى انها تنتظر ساعة الكهرباء بفارغ الصبر، المهام عديدة ولا تملك سوى يدين كي تنهي جميع المهمات. وعليها تشغيل الثلاجة “لأن الطعام والمواد الغذائية تفسد ولا أموال كافية لإعادة شرائها من جديد، ولا يمكننا نسيان الغسالة، فالثياب لا يمكن بقاؤها أكثر لأن النظافة من الأولويات وناهيك عن المكواة والمروحة.
“لا يمكننا المخاطرة والعمل في ظل هذه الساعة التي تأتي من خلال كهرباء الدولة لاننا عندما نقوم بدهان السيارة لا يمكننا التوقف بعد ساعة، العمل كله يذهب هدرا، هذا ما جعلنا نشتري مولداً كهربائياً لندهن سيارة أو اثنتين كحد أقصى في اليوم الواحد وقبل انهيار الوضع في لبنان كنا نقوم بدهن 5 إلى 6 سيارات، لكن أزمة المحروقات وأزمة الكهرباء أنهكتنا جميعا”، بحسب ما قاله صاحب فرن دهان سيارات.
وعبّر الطالب الجامعي عدنان عن إستيائه من الوضع المهيمن “عدنا إلى الزمن القديم ايام جدي، الورقة والقلم أصبحا جزءاً لا يتجزأ من دراستي وأقوم بإعداد واجباتي والمشاريع المطلوب تسليمها بواسطتهما، وعندما تأتي الكهرباء أضع اللابتوب لتشريجه وبعد ذلك أرسل الواجب، أقوم بالكثير من الجهد بأقل من ساعة”.
كما تعاني السيدة سعاد التي تعيش في الطابق العاشر من فوبيا “الأسانسير” وتقول: “أضع يدي على قلبي وارتجف خوفاً قبل الصعود في الأسانسير، الأماكن المغلقة أخاف منها ولا نعلم في أي لحظة ينقطع التيار الكهربائي ما يجبرني على الإسراع في الصعود والعودة وإلا سأضطر للصعود على الدرج”.
وبالنسبة لعلاء الوضع كما هو في ظل وجود كهرباء الدولة أو انعدامها “لان الاشتراك بات أكبر ويُغطي على جميع مهام ساعة مجيء الكهرباء، من مكيف إلى براد إلى غسالة”.
وبحسب تينا فهي تنتظر ساعة الكهرباء كي تقوم بتصفيف شعرها وتشريج هاتفها المحمول، قبل خروجها من المنزل والا ستُجبر على النزول بشعر مبلل إلى العمل وهاتف مغلق.
وفي هذا السياق يعبر محمد عن انزعاجه من انقطاع التيار الكهربائي، ففي ظل الدوري الأوروبي “من غير المنطق أن لا نتابع المباريات بشكل نهائي وهذا ما يثير غضبي بشكل كبير”.
لا يمكننا غض النظر عما يعيشه الشعب اللبناني، المشكلات عديدة والأزمات في تزايد مستمر ولا حلول قريبة ولا قدرة له للبقاء بهذه الوتيرة؟ فاين وعود العام 2015 من قبل جبران باسيل 24 على 24… الشعب بالانتظار.