في خطوة أثارت جدلاً كبيراً في لبنان، أعلن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، إلغاء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة، الأمر الذي أثار ضجة واسعة في المجتمع اللبناني بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، وازدادت التساؤلات عما إذا كان هناك خطوات جديدة بشأن مصير الشهادة الثانوية، و”يبقى الطالب لا معلّقاً ولا مطلّقاً”، بحسب رأي أم قاسم والدة الطالبة آلاء التي تتحضر لامتحانات الشهادة الثانوية ـــ فرع الاجتماع والاقتصاد.
وتعرب أم قاسم في حديثها إلى “لبنان الكبير” عن عدم ثقتها “بأي قرار مبكر يمكن أن يصدُر عن وزارة التربية، فبعد إصرار الوزير على إجراء جميع الامتحانات الرسمية، تراجع في اللحظات الأخيرة عن المتوسطة ولا نستبعد إلغاء الشهادة الثانوية بالطريقة نفسها، هذا البلد لم يعُد صالحاً للعيش، فجميع قطاعاته انهارت بشكل تام”.
أما والد طالب البريفيه سليمان ياسين، فهو يؤكد انه لو كان يدري أن مصير ابنه ورفاقه سيكون هذا العام عبارة عن إفادة لما قمتُ بتسجيله في المدرسة هذا العام، ويقول: “كنت على استعداد لتأجيل مسيرته العلمية عاماً كاملاً حتى ينال شهادة رسمية، فإبني مجتهد ومن المتفوقين دائماً وقرار وزير التربية كان ظالماً بحقه وبحق جميع الطلاب وبالأخص بعد العذاب والجهد الكبير الذي بذلوه هذا العام مع التدريس عن بُعد”.
الإفادات نتيجتها سلبية
وفي حديث مع مدير مركز الأبرار التربوي وليد سروجي يقول لـــ “لبنان الكبير” إن “موقف وزارة التربية بالأساس كان واضحاً بإجراء امتحانات الشهادات الرسمية، والشهادة المتوسطة بشكل من الأشكال هي محطة للخروج للمرحلة الثانوية، ونحن لمسنا أن بعض الطلاب الذين حصلوا على إفادات كانت نتيجتهم ضعيفة جداً بالأخص في الصف الأول ثانوي، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى الطالب في الشهادة الثانوية أيضاً، ولكن في الفترة الأخيرة مع تصاعد حدة المخاوف من المتحور الهندي الذي بدأ بالانتشار بشكل سريع جداً وأصبح هناك أكثر من ١٠٠ حالة في لبنان منه، كان هناك ضغوط من الهيئات النقابية وهذا ما أثّر بشكل مباشر على إجراء الامتحانات، ويمكننا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء عندما قاطع الأساتذة تصحيح الامتحانات الرسمية وبعدها منح وزير التربية آنذاك إلياس أبو صعب إفادات لجميع طلاب الشهادات والتأثير السلبي الذي لمسناه وخاصة على نفسية الطالب الذي اجتهد بدراسته وقام بأداء واجبه في الامتحان ومن ثم كافأته الوزارة بالإفادة”.
ويعتبر أن “وزارة التربية تنظر إلى الدول المحيطة التي تقوم بإجراء إمتحانات لطلابها بشكل طبيعي جداً، أما في لبنان هناك تأخير في هذه المسألة، ما ينعكس سلباً على المستوى التعليمي، فيمكننا القول إنه حصلت ضغوط متأخرة على وزارة التربية بالإضافة إلى التوتر والصعوبات التي عاشها الطلاب بسبب التعليم عن بُعد وغيره”.
أهمية الشهادة الثانوية
أما بالنسبة للشهادة الثانوية، فيرى سروجي أن “لها حيثية أكثر وتختلف عن الشهادة المتوسطة التي ينتقل فيها الطالب من مرحلة إلى أخرى ولكن يبقى ضمن إطار المدرسة، بينما الشهادة الثانوية هي بوابة الطالب للانخراط في الجو الجامعي وتأمين مستقبله، وهناك نسبة كبيرة تستكمل مسيرتها العلمية خارج لبنان ويكون الطالب بحاجة لتقديم شهادة لا إفادة لجامعات الخارج حتى يحصل على القبول أو منحة معينة، وحتى اليوم يواجه طلاب الإفادات مشكلات وأبرزها عندما تريد إحدى الجامعات إعطاء منحة وتُخيّر بين طالب شهادة وطالب إفادة بالتأكيد سيتم حذف الأخير من اللائحة ولو كان يمتاز بمستوى معين من الذكاء أو كان متفوقاً في مدرسته، بالإضافة إلى موضوع التوظيف في بعض الأماكن، لو كان الشخص يمتلك خبرة في المجال يتم رفضه لأن الأولوية لأصحاب الشهادات”.
إشاعات حول مصيرها
وفي حال حصول أي تطورات من الناحية الصحية يظن إنه في الأيام المقبلة “من الممكن أن نسمع عن إعادة النظر بموضوع إجراء امتحانات الشهادات الثانوية، فاليوم يُشاع بشكل كبير ومن عدة مصادر أنه ولو حصل أي تطور صحي على صعيد البلاد لن نعود إلى الإقفال التام وعلى الناس أن تتعايش مع الواقع، فنحن أمام مشهد استثنائي ومتأزم ويجب علينا أن نتماسك قدر الإمكان للحفاظ على القطاع التعليمي الذي يمكن اعتباره الأكثر صموداً حتى اليوم في ظل الانهيار الذي نعيشه في لبنان”.
قرار الإلغاء ظالم
ويرى مدير مدرسة المقاصد في منطقة الصورة محمد عامر أنه “من غير المنطق إلغاء الشهادة المتوسطة، فهي مهمة جداً للطالب للانتقال إلى مرحلة أخرى صعبة وتحتاج إلى مثابرة وجهد أكبر، وكان قرار وزير التربية مفاجئاً بعدما كان مصرًّا بشكل كبير على إجرائها، الأمر الذي تسبب بإحباط عند أغلب الطلاب وأهالي الطلاب”.
ويضيف: “انعكس إصرار الوزير على إجراء الامتحانات على الطلاب بشكل إيجابي جداً، وكان بمثابة دافع كبير لحماسهم واهتمامهم بدرسهم بطريقة منظمة وصحيحة وكنا نحن كإدارة بانتظار نتائج الامتحانات لنرى حصاد هذه المرحلة الصعبة التي مررنا بها وكنا نتطلّع إلى مستوى عالٍ في النتائج ولكن قرار الوزير أحبطنا جميعاً”.
ويؤكد عامر أن “قرار وزير التربية كان غير صائب ولم يُنصف لا الطلاب ولا الأساتذة، والإلغاء جاء قبل أيام معدودة من إجراء الامتحانات ومن المفترض أن جميع المدارس جاهزة للإجراءات الوقائية إذا كانت الحجّة فيروس كورونا، ونأمل أن لا نسمع بإفادات للمرحلة الثانوية في الأيام المقبلة”.
شهادة اليريفية غير مهمة
وتقول أمل حيدر، مدربة في المجال التربوي أن “امتحانات الشهادة المتوسطة ألغيت قبل أيام قليلة من موعدها، أي أن الطلاب الجاهزين للامتحانات اكتسبوا جميع المعلومات المطلوبة وأصبحوا في مرحلة المراجعة، وبرأيي هذه النقطة الأهم التي يجب أن نوصلها للطالب، فالشهادة هي فقط للتقييم، ولو نال طالب البريفيه إفادة فهو بالنهاية سينتقل إلى المرحلة الثانوية التي ستُظهر مستواه التعليمي وسيجتهد أكثر من خلالها حتى يصل إلى المستوى المطلوب، المشكلة التي يجب أن تشغل الجهات التربوية ليست بمن هم جاهزين من الطلاب بل بغير الجاهزين، بمن لم يستطع المتابعة ومعرفة الأسباب وحلها لأن من غير الطبيعي أن نتجاهل عدداً من الطلاب لم ينل حقه من العدالة في التعليم”.
وتضيف: “لا شك أن قرار الإفادة في مكان ما كان ظالماً للطلاب المتفوقين الذين يطمحون إلى معدلات عالية، ومخيباً لآمال أهاليهم، لكن هذا لا يُغير بطبيعة الحال أن الشهادة الرسمية لصف البريفية لا تفتح أمامهم أي فرص بل في السنوات الأخيرة تزيد من توتر الطلاب وتؤثر سلباً على نفسيتهم بسبب ما يدور حولها من إشاعات الإلغاء والإفادة، وحقيقة أؤيد اقتراح إلغاء هذه الشهادة نهائياً في السنوات المقبلة.
وفي شق آخر، منذ بداية العام عانينا من تخبط كبير بالأخص في اتباع أسلوب التعليم عن بُعد الذي لم يعتد عليه لا الطلاب ولا الأساتذة، وفترة العودة إلى المدرسة لم تكن عادلة، فهناك مدارس استطاعت العودة بشكل قوي ومدارس أخرى تعثرت عودتها بسبب انقطاع البنزين أو بسبب تخوف الأهل من فيروس كورونا وغيرها من الأسباب، أو بسبب بعض الإضرابات وأزمات أخرى”.
أزمة تربوية
أما بالنسبة للمنظومة التربوية فترى أن “هناك فجوة تربوية وهشاشة بالمنظومة التعليمية التي نقوم بغرسها عند الطالب، فبدل أن نبقي على أسلوب تلقين الطالب المعلومة، يجب العمل على تدريبه على طُرق البحث عن المعلومة، وخلق حب التعلم والبحث عند الطالب، ولو أننا كنا نعتمد من قبل على هذا الأسلوب بعيدا عن مناهجنا التي تحتاج لتعديلات جذرية لما واجهنا كل هذه الصعوبات ولم نصل إلى المرحلة التي وصلنا إليها اليوم من رهاب الامتحانات وأزماتها المتكررة، بالإضافة إلى ضرورة تعريف الطالب أنه يتعلم لأن التعليم والمعرفة ضروريتان مُلحتان وهدف بحد ذاته، لا لأن الشهادة أهم من المعلومة نفسها، فالامتحان اختبار لمعرفة مدى المعلومات والمهارات المكتسبة، وفي حال كان هناك فجوة في هذه الحالة يجب عمل خطة تقويم لسد الفجوة العلمية”.
وتختم حيدر بالقول: “لم يكن هناك خيارات كثيرة متاحة في الواقع بسبب غياب العدالة التعليمية والتخطيط المسبق وتواتر الأزمات، فلو كان هناك دراسات دقيقة لوضع كل الطلاب في جميع المناطق والمؤسسات التعليمية، بالتأكيد سيكون هناك حلول أخرى غير الإفادات، ولنكن واقعيين، أي قرار سيتخذ مهما كان حالياً، سيكون هناك فئة من الطلاب ضحيته، على أمل انتظام الأمور وحلحلة الأزمات وإيجاد خطط عادلة تنصف جهود الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور”.