طوال الفترة الممتدة من تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة في تشرين الأول 2020، حتى يوم إعتذاره، بانت إلى العلن العلاقة المتصدعة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي قاد هجمات طوال الأشهر التسعة لنزع تكليف اكتسبه الحريري من البرلمان اللبناني لا القصر الجمهوري، تماماً كما ينص الدستور.
فتحت بعبدا على الحريري النيران غير مرة، إلى ان وصل الأمر بالحريري الى الاعتذار بعد تعثر حل العقد وصعوبة الالتزام بشروط الرئيس عون التي أفرغت المبادرة الفرنسية من بنودها ووُضعت بتوليفة غير واضحة، قائمة على الدستور والصلاحيات، فماذا يقول رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان عن الدستور ومعاركه؟ وهل من حل أو إسم يطرحه للتكليف؟
اعتبر الرئيس سليمان في حديثه لـــ”لبنان الكبير”، أن الدستور اللبناني والقوانين في لبنان كما كل دول العالم ليست جامدة، فالعبرة دائماً بالتطبيق وبالعمل المتعاون بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لتشكيل حكومة فعالة ومنتجة.
وتوقف في كلامه عند الاتهامات التي وصفت الرئيس عون بالمعطل، موضحاً أن هذا الأمر لا يجب نسبه لأي موقعٍ من الموقعين الرئاسيين، فعلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف القيام بالمستحيل لتسهيل التكليف، معتبراً أن المسؤولية الأكبر تقع على “المقام الأكبر أي رئيس الجمهورية الذي قسم يمين المحافظة على الدستور ويجب أن يعلم كيف يطبقه”.
وفي إطار توضيح المادة ٦٤ من الدستور، التي يعتبرها الرئيس عون مبرراً في تحديد صلاحياته من مسألة التشكيل، يرى الرئيس سليمان أن المادة تشير إلى أن رئيس الحكومة المكلف “يجري الاستشارات ويوقع تشكيلته بالتوافق مع رئيس الجمهورية”. لذلك، فإن “إعداد التشكيلة هو واجب رئيس الحكومة وللرئيس أن يقبل ويعطي ملاحظات وروح الدستور هي التوافق وعلى الرئيس “اب الدستور” أن يلتزم هذه الروح ويقنع الرئيس المكلف بأهمية ووجوب التوافق”.
وفي السياق، يطرح الرئيس سليمان مخرجاً لمعالجة مسألة التكليف والاختلاف في وجهات النظر بين رئيسي الجمهورية والحكومة إذ تحدث عن “إضافة بند على هذه المادة يسمح، في حال تعثر التوافق على التشكيلة الحكومية المقدمة من الرئيس الملكف لرئيس الجمهورية، أن ترفع التشكيلة جنبًا الى جنب وملاحظات رئيس الجمهورية عليها إلى المجلس النيابي”.
الرئيس سليمان الذي رفض تقييم أداء عون، قال إنه لم يختلف مع رؤساء الحكومة في عهده وعلى أية رئيس للجمهورية أن يكون هو “المبادر لإعطاء حلول للعقد الحكومية”.
لم يدخل الرئيس سليمان بتسمية شخصية سنية يراها قادرة على تشكيل حكومة بعد أن اعتذر الحريري، بل فَسَّرَ أسباب الأزمة السياسية التي يراها أكبر وأشمل من التوافق بين الرئيسين، فهي تطال الفشل في السياسة العامة وفي السياسة الخارجية للبلاد بعد أن تخلى لبنان عن التزاماته الخارجية لاسيما عن المسار الذي حُدد عبر إعلان بعبدا الصادر عن هيئة الحوار الوطني عام 2012 والذي وافقت على بنوده العديد من القوى السياسية لاسيما العماد عون.
وإستحضر إعلان بعبدا للإشارة الى ضرورة الخروج بأسرع وقت ممكن من محاور الصراعات ووضع استراتيجية دفاعية وضبط جميع الحدود، فبحسبه “إن ثقة المجتمع الدولي بلبنان باتت مفقودة لأن الدولة لم تحترم ما أعلنت الالتزام به بل تركت أوروبا وأميركا والخليج التي يذهب اللبنانيون إليها للتعلم وكسب الخبرات والعمل وترسل هي الاستثمارات”.
وتساءل كيف يُترك كل هذا ويتم التوجه نحو إيران؟ داعياً الرئيس عون “للخروج من هذا المحور” والذهاب باتجاه تطبيق بندين أساسيين: الأول متعلق بتحييد لبنان عن الصراعات والثاني بالتخلي عن سلاح حزب الله بجدول زمني”.
وبيَّن ضرورة استكمال تطبيق روحية هذين البندين بأية صيغة تكون، مشيراً في حديثه إلى أنه قد تحدث عنهما في لقاء بعبدا الذي عقد في 25 حزيران 2020، لكنّ الرئيس عون رد بإيماءات وكلام مختصر يظهر رفضه مناقشة استراتيجية دفاعية جديدة على عكس ما كان يقوله في السابق. إذ أشار الرئيس سليمان أن العماد عون “كان متحمساً في السابق لمناقشة هذا الأمر، وكان يذكره بأنه هو (ميشال عون) أول من قدم له استراتيجية خطية تحاكي الدفاع ومسألة سلاح حزب الله.
ويرى الرئيس ميشال سليمان أن “الأزمة تتخطى حدود صرف الدولار والشؤون المالية والحل يبدأ من تحييد لبنان وإظهار نية للتباحث بسلاح حزب الله.
هذا الكلام أتى بمقاربة تعكس سوء الحال الذي وصلنا إليه إذ ذكر الرئيس سليمان بكلام الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي كان يتحدث عن احترام لبنان لالتزاماته في حين تقول الوفود الرسمية الفرنسية التي تزور لبنان اليوم، أنها تحترم التزاماتها على عكس لبنان.
ويطَرَحَ الرئيس سليمان الأزمة الحالية من بابها العريض، رافضا تغطية التحالف مع حزب الله لحماية المسيحيين ووجودهم، مذكراً بأن الفاتيكان لا يعترف بالحماية المسلحة، وبأنّه لا يجب الذهاب لمنطق حلف الأقليات أو التماهي بسلطات مستبدة أو المناداة بالفيدرالية التي تؤدي إلى عزلة المسيحيين. فبحسبه “يبقى بقاء المسيحيين في الشرق مرهوناً بالدور الذي يلعبونه وبالقضايا التي يحملونها والتي عليها أن تكون قومية عربية لا قضايا لمحور آخر مناهض للبيئة العربية”.