نشر موقع مجلة “سبكتاتور” (spectator) البريطانية، قراءة لتسلسل الأحداث في إيران على خلفية الاحتجاجات الشعبية وآخرها تلك المنددة بشح المياه، رأى فيها الكاتب أن طهران تكرر أخطاء الشاه الإيراني الأخير محمد رضا بهلوي، الذي أطاحت به الثورة الإسلامية في العام 1979. وفي ما يأتي ترجمة للمقال الموقع باسم ديفيد باتريكاراكوس، مؤلف الكتاب الشهير عن ولادة دولة إيران النووية (Nuclear Iran: The Birth of an Atomic State) الذي يتناول القدرات النووية المتزايدة للبلاد والتوترات العالمية المحيطة بها والشكوك حول استثمار هذه القدرات كقناع لتطوير برنامج جديد للأسلحة النووية.
“بقدر ما تزخر محافظة خوزستان الإيرانية بالنفط، تفتقر إلى الياه. وتمثل هذه المنطقة الجنوبية الغربية، بالفعل في أفضل الحالات، مشكلة لطهران.
وبحكم موقعها الجغرافي على الحدود مع العراق، تشكّل موطناً لأقلية عربية تعرضت للاستهداف منذ فترة طويلة، لما تمثله وتدعو له من ميول للانفصال عن النظام، أشعلت انتفاضة فاشلة في العام 1979، لذلك تبقى عرضة للتوترات حتى يومنا هذا.
وليس من المثير للدهشة أنها لا تقع على لائحة المناطق المفضلة لدى الحكومة الإيرانية المركزية.
أضف أنها منطقة فقيرة وتفتقر إلى العديد من الخدمات الأساسية، وتصنّف نوعية الحياة فيها على أنها رديئة.
وتعيش خوزستان على التوالي يومها السادس (حتى وقت كتابة هذا المقال) من الاحتجاجات على خلفية نقص المياه في مدنها الرئيسية.
وتظهر لقطات الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل وربطت بتغطية الاحتجاجات، ألسنة اللهب المتصاعدة من دبابات أضرم المتظاهرون النيران فيها، ومتظاهرين يقطعون الطرق تحت سيل من القنابل المسيلة للدموع والرصاص الذي تطلقه شرطة مكافحة الشغب، في الخلفية على الحشود.
وتمتلك خوزستان بالفعل الكثير من الدوافع للاحتجاج. فهي تواجه مزيجاً من أسوأ أعوام الجفاف منذ 50 عامًا، يزيد حدته سوء الإدارة الدائم من قبل الجمهورية الإسلامية، وأسابيع من انقطاع التيار الكهربائي (الذي أصبح سمة من سمات الحياة الإيرانية الحديثة) دون أن ننسى تأثيرات جائحة كورونا.. أزمات تضاف إليها العقوبات بعد انهيار الاتفاق النووي.
وتشكل خوزستان دليلاً لا يمكن إنكاره لحجم مشاكل الجمهورية الإسلامية الخطيرة والمستمرة. وتطورت الاحتجاجات ضد شح المياه لتتحول إلى مطالب بتغيير النظام. وبات المتظاهرون، يهتفون بالعربية بدلاً من الفارسية، “نعاني من العطش” و”نطالب بإسقاط النظام”.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أكدت مقتل اثنين من المتظاهرين على الأقل، بينما لا يزال عدد المصابين غير معروف. وتثير هذه الاحتجاجات مصادر قلق متنامية للغاية بالنسبة للنظام، خصوصاً مع اتخاذها اتجاهاً وطنياً لم تكبحه إلا جائحة أجبرت الجميع على الانعزال. وإنه لمن المفارقة الشاذة مجدداً، أن يجد الحكام الساديون “نعمة” في ما يضرّ بالشعب الإيراني.
سيناريو رحيل الشاه
وللاحتجاجات طابع خاص في إيران، الجمهورية الإسلامية التي أبصرت النور من الثورة. ويعود سقوط الشاه الإيراني لأسباب عديدة، لكن عهده اصطدم بنقطة اللاعودة في أيلول 1978 عندما أطلق الجيش الإيراني النار على حوالي 100 متظاهر في طهران وجرح أكثر من ألفين آخرين. وقطعت أحداث ما عرف بالجمعة السوداء، الطريق أمام أي أمل في التوصل إلى حل وسط بين النظام وخصومه.
ولم تمض بضعة شهور حتى رحل الشاه. وبدت الجمهورية الإسلامية خلال سنوات، وكأنها تعلمت العبرة من أخطاء الشاه.
فعمدت الى التلميح والتهديد والتعذيب وإخفاء الخصوم ومطاردتهم واغتيالهم حتى، لكنها لم تطلق النار عليهم مطلقاً في الشوارع، فيما بدا أنه تصميم على عدم تكرار خطأ الشاه.
لكن ذلك تغير الآن. لقد اندلعت الموجة الأخيرة من الاحتجاجات الإيرانية فعليًا في تشرين الثاني 2019 عندما دفع ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 200% بالآلاف للنزول إلى الشارع والمطالبة بإسقاط الحكومة. وامتدت الاحتجاجات إلى أكثر من 20 مدينة، فأرسلت الحكومة قواتها بمهمة قتل. وقدرت الولايات المتحدة أن ما يصل إلى 1500 متظاهر لقوا حتفهم بالنتيجة.
وفي الوقت الذي يتمحور فيه قلق البلدان التي تستعد للعودة إلى الحياة الطبيعية، حول الطريقة الأكثر فعالية لفتح النوادي الليلية، يجد الإيرانيون أنفسهم مجدداً بمواجهة الذخيرة الحية والبلطجة شبه العسكرية، وهم يطالبون بحقوقهم الأساسية. ويتجه الوضع نحو المزيد من التصعيد، مع التنصيب المرتقب في 3 آب، لإبراهيم رئيسي، الأكثر تطرفاً من ضمن المرشحين السابقين، الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية. وتقع سيرة رئيسي الذي امتهن القضاء، في قلب مذبحة السجناء الإيرانيين في العام 1988، وهو ليس بالرجل الذي تشغله قضايا مثل الإجراءات القانونية الواجبة وحقوق الإنسان. أما إن وجدت الحاجة لإخماد المظاهرات، فهو رجل المهمة! ولكن في النهاية، ألم يكن الشاه كذلك؟ وقد شهدنا جميعاً على نهاية عهده. في الحقيقة، يواجه مستقبل الجمهورية الإسلامية غموضاً أكثر من أي وقت مضى، والثوار يعلمون حق العلم ما تؤول إليه الانتفاضات. وهم يوقنون كذلك كيف يحبطونها.. لكن العواقب لا تتوافق دائماً مع توقعاتهم”.