الكرامة و”كرت الإعاشة” لفلسطينيي لبنان

29 يوليو 2021
الكرامة و”كرت الإعاشة” لفلسطينيي لبنان
 زاهر أبو حمدة
زاهر أبو حمدة

لا يُعرف ما إذا كان المدير العام لوكالة “الأونروا” في لبنان كلاوديو كوردوني، ينام تحت هواء المكيف أو يذوب عرقاً مثل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، أو إن كان لديه أطفال يؤمن لهم الحليب أو في سيارته بنزين أو يحتاج إلى دواء مفقود في الصيدليات.

الاستفسار بديهي جداً، لأنه لم يتحرك مع مؤسسته الدولية منذ عامين حتى الآن لوضع خطة طوارئ إغاثية إنقاذيه شاملة، وكأنه يريد تحويل المخيمات إلى صفائح ساخنة يمكن انفجارها في أي وقت.

كانت حِجة الوكالة أنها لا تملك تمويلاً كافياً وأن دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو يحاصرانها، وهذا صحيح. لكن مع قدوم إدارة جو بايدن، منحت 235 مليون دولار، كجزء من المساعدات للفلسطينيين التي سبق وأمر ترامب بإيقافها.

وسيذهب ثلثا المبلغ إلى  “الأونروا”، بعد دخولها في أزمة اقتصادية إثر خسارة 360 مليون دولار من التمويل الأميركي عام 2018. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن المساعدات ستتضمن 75 مليون دولار للمساعدة في الاقتصاد والتنمية في غزة، 10 ملايين دولار لبرامج بناء السلام من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس آيد) و150 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لـ”الأونروا”.

هذا يعني أن ميزانية الوكالة انتعشت ويمكن ضخ الأموال بشكل عاجل للمناطق الأكثر حاجة، ولاجئو لبنان هم أكثر حاجة في هذه المرحلة.

ويمكن لمدراء الوكالة المتخمين بالرواتب العالية وبالعملة الصعبة، أن يجلبوا المُنح من الدول العربية والأوروبية والشرق آسيوية.

وحين قررت الوكالة تقديم بعض المساعدات المالية، قبل عام، كانت مذلة للاجئين وغير مدروسة من ناحية الآليات والمستفيدين، فكانت كارثة أخلاقية وإدارية.

وأخيراً، كانت خلاصة التفكير لـ”الأونرواتيين” أن يقدموا مساعدة عبارة عن 40 دولاراً أميركياً لكل طفل فلسطيني عمره أقل من 18 عاماً، مع تأجيل ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن إلى  فترة لاحقة من دون ذكر العائلات التي تعيش في فقر مدقع وبطالة مستفحلة.

وتشير الأرقام الصادرة عن اتحاد العمال الفلسطينيين إلى  أن نسب البطالة والفقر تجاوزت 80%. هذه النسب لم تستوقف “الأونروا”.

أمر عجيب فعلاً.

خطوة “الأونروا” أزعجت الفلسطينيين، ودعت هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى  أن تشمل المساعدة كل المحتاجين وألا تقتصر المساعدة فقط على فئات عمرية، وطالبت الوكالة بمراجعة فورية وجادة للقرار وآليات تنفيذه، والعمل على أن يكون التوزيع مستداماً إلى  حين انتهاء الأزمة الاقتصادية في لبنان، وعلى أن يشمل جميع اللاجئين المحتاجين، وفي مقدمتهم أصحاب الأمراض المزمنة (الكلى، الأعصاب، القلب، السرطان، بالإضافة إلى  ذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن الذين ليس لهم معيل).

ومن المستغرب أن تستمر إدارة “الأونروا” بالتعاطي مع اللاجئين على أنها تتصدق ببضع دولارات عليهم في كل فترة لإسكات الأصوات المطالبة بالحقوق المشروعة.

ومن اللافت أن “الأونروا” لم يعد يعنيها “كرت الإعاشة” الصادر عنها، وتحول إلى  بطاقة تسجيل أو إثبات شخصية، بدل أن يكون حق انتفاع اللاجئ من خدمات الوكالة وإثبات أن حاملها يتمتع بصفة اللجوء باعتباره لاجئاً مسجلاً لديها، تحمل البطاقة رقماً متسلسلاً وفيها أسماء أفراد العائلة المسجلين بأرقام متسلسلة أيضاً، وذلك باللغتين العربية والإنكليزية، وبهذا يستطيع اللاجئون المُسجّلون في هذه البطاقة الاستفادة من خدمات كرت المؤن.

وهذا الكرت يتوارثه اللاجئون منذ تهجيرهم عام 1948، وكانت وكالة الغوث تقدّم مساعداتها للاجئين الذين يحملون هذه البطاقة، عبر تأمين قوتهم اليومي، ولأهمية هذه الخدمة فقد فرضت اسمها على البطاقة التي يحملها اللاجئ، بحيث أصبح اسمها المتداول “كرت المؤن”، بالإضافة إلى  ذلك فقد كانت الوكالة تقدّم بعض وجبات الغذاء والحليب في بداياتها للمحتاجين من الأطفال والحوامل، لكن حاليًا تم إلغاء هذه الوجبات. طبعاً هذا أصبح من الماضي.

وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تعمل على الاستجابة لاحتياجات ما يقارب من 750000 لاجئ فلسطيني. حالياً هناك ما يقارب 5 ملايين لاجئ فلسطيني يستحقون خدمات “الأونروا”.

ويستفيد حاملو الكرت من ثلاث خدمات أساسية: التعليم والرعاية الصحية والإغاثة/ الإعاشة.

تحتاج خدمتا التعليم والرعاية الصحية إلى  مراجعة.

فبعدما كان الفلسطيني متفوقاً ومتقدماً علمياً أصبح يترفع آلياً في مشروع لتجهيل أجيال بأكملها مع اكتظاظ كبير في الصفوف.

وكذلك قطاع الصحة في حالة مزرية يكتفي في تقديم “البنادول” لمريض السرطان، وفي أحسن الأحوال تقدم الوكالة بدل سرير في المستشفى ليس أكثر.

أما الإغاثة فيفترض أن تشمل حصصاً شهرية من الدقيق والأرز والسكر والزيت والصابون والمحروقات في الشتاء، إضافة إلى  كمية من الملابس المستعملة تقدم سنويًا باسم “البقجة” أو “الصرة”.

وهذا أصبح ذكريات.

وبالتالي، ما لزوم “كرت الإعاشة” إذا لم تُفعل خدماته الاغاثية في هذه المرحلة الصعبة من حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ وهنا يجب أن يضغط اللاجئون على الوكالة بالتظاهر والاعتصام أمام مراكز “الأونروا” للمطالبة بحقوقهم المكفولة من الأمم المتحدة وليس انتظار صدقة كل فترة من كلاوديو كوردوني، يستهزئ فيها بكرامة اللاجئين وميثاق الأمم المتحدة.

المصدر لبنان الكبير