لم يمثُل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمام قاضي التحقيق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار كمدّعى عليه بعدما أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء كتاباً إلى البيطار أبلغته فيه “عدم صلاحيته في استجواب رئيس الحكومة المستقيلة وعدم اختصاصه، وأن الملف لا يزال بيد مجلس النواب، الذي لم يحسم موضوع الادعاء على النواب، ورفع الحصانات، وإحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
فجاء الرد من البيطار الذي أصدر مذكرة إحضار بحق الرئيس دياب، وأرجأ الجلسة إلى 20 أيلول المقبل، معتبراً أنه “لا قيمة قانونية لرد أمانة مجلس الوزراء بشأن عدم صلاحيته لاستجواب رئيس الحكومة المستقيل”.
وفي الإطار عينه، انتشر خبر على وسائل الإعلام يشير إلى أن “النائب العام التمييزي غسان عويدات رفض الادعاء على كل من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وأن عويدات أبلغ المحقق العدلي بهذا الأمر من خلال كتاب رسمي”.
وكان البيطار لجأ إلى تقديم هذا الطلب إلى عويدات، بعد رفض الأجهزة الإدارية المعنية إعطاء الإذن بملاحقة إبراهيم وصليبا.
إلا أن مكتب النيابة العامة التمييزية أصدر بياناً لفت فيه إلى أنه “خلافاً لما يشاع، فإن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لم يبتّ بأي طلب يتعلق بقضية المرفأ منذ تنحيه، وعليه فإن خبر بتّ النائب العام التمييزي شخصياً بأذونات الملاحقة الخاصة باللواءين طوني صليبا وعباس ابراهيم هو خبر عار من الصحة ومغرض، علماً أن البتّ بالأذونات ليس منوطاً بالنيابة العامة التمييزية إنما بالمجلس الأعلى للدفاع وبوزير الداخلية والبلديات”.
وللإضاءة على الأمور من جوانبها القانونية، تواصل “لبنان الكبير” مع رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والإستراتيجية” محمد زكور الذي “استغرب ما تداولته بعض وسائل الإعلام عن أن المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات قد أعطى الإذن بملاحقة اللواءين ابراهيم وصليبا”، معتبراً أنه “على الرغم من تكذيب الخبر من النيابة العامة التمييزية إلا أنه يحمل في طياته بذور عدم صحته لأن مسألة حسم ملاحقة اللواء ابراهيم قد تمّ سلباً، لأنه من حوالي الشهرين عندما طلب المحقق العدلي الإذن من وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي بملاحقة اللواء ابراهيم، رفض فهمي إعطاء الإذن.
عندها، وسنداً للمادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، توجه المحقق العدلي لبتّ إعطاء الإذن من عدمه بالملاحقة إلى النائب العام التمييزي، الأمر الذي بتّته سلباً النيابة العامة التمييزية بشخص المحامي العام التمييزي القاضي غسّان الخوري الذي رفض إعطاء الإذن بالملاحقة”.
وعن قانونية ما اتخذه المحقق العدلي من إجراءات، ورفض الرئيس دياب، قال زكور: “الاجتهاد منقسم ومتباين حول هذا الموضوع، إلا أن الاجتهاد الغالب هو لصالح وجهة نظر الرئيس حسان دياب إذ إن المادتين 70 و80 من الدستور تنصان على حصر ملاحقة الرؤساء والوزراء بمجلس النواب، وعلى حصر محاكمتهم بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. أما عن ملاحقتهم وكيفية اتهامهم، فينص القانون الرقم 13/90 الذي ينظم عمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، على أن اقتراح اتهام أي رئيس أو وزير يجب أن يأتي من خمس أعضاء مجلس النواب.
وفي حال نال هذا الاقتراح الخمس، يجتمع مجلس النواب ليصوت على لجنة تحقيق برلمانية.
وإذا نالت النصف زائداً واحداً، يُحال الأمر إلى لجنة التحقيق البرلمانية ومن بعدها تقوم اللجنة بدور قاضي التحقيق حيث تحقق مع الرئيس أو الوزير المشتبه به، ثم تطرح الأمر على مجلس النواب الذي يجب أن يصوّت بغالبية الثلثين لكي يُتّهم وزير ما أو رئيس ما.
وفي حال الاتهام، تُرفع القضية أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، علماً أن مجلس النواب لم يبتّ لغاية تاريخه بأمر إعطاء الإذن من عدمه بالنسبة للنواب، وكان قد صوت بخمس عدد أعضائه على التحقيق مع النواب.
كما أن الرئيس نبيه بري كان قد دعا إلى جلسة للتصويت على تأليف لجنة تحقيق برلمانية إلا أن هذه الجلسة لم تنل النصاب وتم إرجاؤها.
أما الاجتهاد الآخر وهو الأضعف، بأنه يحق للقضاء العدلي وللمحقق العدلي ببعض الجرائم الخارجة عن إطار الوظيفة، بملاحقة الرؤساء والوزراء، وهو ما استند اليه قاضي التحقيق البيطار لكي يطلب استجواب رئيس الحكومة. هذه الإشكالية كان قد تحدث عنها الرئيس حسين الحسيني عام 1994 ليخلص إلى الحسم أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو فقط الصالح في محاكمة الرؤساء والوزراء”.
وكان المحقق العدلي أشرف على عملية المحاكاة لورشة التلحيم التي سبقت الإنفجار في العنبر الرقم 12 بعد إنهاء الاستعدادات الميدانية التي قامت بها لجنة مشتركة من ضباط في الجيش وشعبة المعلومات وعناصر من الدفاع المدني وقاضٍ، وبالتنسيق مع مصلحة الأرصاد الجوية لارتباط المحاكاة بالأحوال المناخية التي يفترض أن تكون متماهية بالكامل مع يوم الإنفجار في 4 آب 2020. وتمت إعادة تمثيل تفصيلي لمرحلة التلحيم الأخيرة للتحقق مما اذا كان للتلحيم تأثير مباشر في التسبّب بالحريق في البداية ثم الانفجار، وقد أنشئ لهذه الغاية مجسم مشابه للعنبر الرقم 12 على بعد أمتار من الفجوة التي أحدثها الانفجار مع بوابة متطابقة لتلك التي حُكي أنها خضعت لعملية التلحيم.
وجرى تصوير وتوثيق المحاكاة الافتراضية (صور وفيديو) بعيداً عن الإعلام تمهيداً لضمها إلى أوراق الملف.
وعن أهمية هذه الخطوة، يشرح زكور أن قضاة التحقيق في بعض الجرائم المعقدة، يقومون بما يسمى “بروفا” على أرض الواقع بعد الانتهاء من الأمور النظرية لأن هناك فارقاً بين التخيل والتطبيق على أرض الواقع. إنه نوع من أعمال التحقيق لترسيخ قناعة القاضي أكثر في السيناريو المرجّح لارتكاب الجريمة ما يساعد على استبعاد فرضية دون سواها.
إشارة إلى أن أهالي ضحايا انفجار المرفأ التقوا القاضي البيطار، وأعربوا عن ثقتهم بما يقوم به وبأيّ قرار يتخذه.