لا أحد يستطيع أن يتقبل فورة “المقاومة” وراجمات صورايخها الاستعراضية في مناطق آهلة بالسكان، واللعب مع العدو الإسرائيلي على حافة الهاوية بأمن الناس، الذين يعانون من كل شيء، فهم أحياء أموات بفضل سياسات الحكم العنيد ومقاومته المقدسة التي لا تعتبر من التجارب السابقة، بفتح جبهات وحروب فاشلة، نصرها كان عبارة عن جلب احتلال جديد للبنان مقنع بعباءة “حزب الله”، وذاكرة اللبنانيين لا تنسى أيضاً تجارب المقاومة الفلسطينية في الجنوب ورمي الكاتيوشا الذي كان يتكرر من دون أن يتحرر شبر من فلسطين على مدى أكثر من عشرين عاماً.
“العقل زينة”، هكذا يقولون. فهل يتعظ من يتاجرون اليوم بلبنان في سوق مفاوضات فيينا”؟ وهل حزب الله قادر على قراءة التغييرات في مزاج اللبنانيين من مقاومته وسلاحها الذي تسبب بفتن عديدة وكاد يطيح بالسلم الأهلي الهش؟ وإذا كان حزب الله حقا قد وافق على الاستراتيجية الدفاعية بعد جلسات حوارية استمرت من العام 2006 حتى العام 2014 لماذا لم تنفذ هذه الاستراتيجية إذ بقيت حبراً على ورق بحكم الأمر الواقع الذي كان يفرضه الحزب بقوة سلاحه وبتخوينه للمعارضين لسياساته، وبتشكيل تحالف مع أنظمة خارجية ومعاداة الدول العربية وتخريب أمنها، تارة بمجموعات إرهابية وتارة بحبوب الكبتاغون التي تؤمن له مداخيل تعوض خسائر العقوبات الدولية عليه وجعل اللبنانيين يدفعون الأثمان الباهظة والانهيار المالي والاقتصادي بفعل سياسات التعطيل وفرض رئيس جمهورية حليفه الجنرال، وتنفيذ مصالح وأهواء صهره من كيس الدولة ليصبح “الشاطر حسن” بالسرقة والفساد.
منطق الغلبة
لقد تعامل حزب الله بمنطق الغلبة مع اللبنانيين، وهو سيحاسب على ذلك إن لم يكن اليوم فغداً، والغد لناظره قريب. ولا بد أن توضع الاستراتيجية الدفاعية موضع التنفيذ، وإن كانت معظم القوى السياسية تعتبره ملفاً صعباً، وطرحه اليوم في ظل الأزمة المعيشية والثورة وكورونا، وقد يولد صراعاً حول مستقبل ميليشيا الحزب وسلاحها الذي لا بد أن يكون تحت سلطة الجيش اللبناني.
لقد تهرب عون دائماً من وعوده ببحث الاستراتيجية الدفاعية، ولطالما تهرب من موضوع مناقشته أو نقاش آلية التنفيذ. إذ أن حاكم بعبدا لديه هم واحد، وهو توريث كرسيه لصهره، ولو كان الثمن سيادة لبنان وتحصين الدولة وفرض سيادتها وحماية حدودها من إسرائيل ومن النظام السوري، ومن نيترات الأمونيوم بحراً.
ولعل عدم وضع الاستراتيجية الدفاعية موضع التنفيذ، بل نسيانها بالكامل والتشدق بمقاومة إسرائيل، في وقت تجري فيه مفاوضات معها تحت عنوان النفط، أثبت بالملموس لدول الخارج أن الحكم اللبناني غير قادر على الالتزام بتعهداته، وهو لا يستأهل الدعم، نتيجة الفساد المستشري وسلاح غير شرعي هدد أمن دول كثيرة في المحيط وأخرى بعيدة أيضاً.
عون يتهرب ولا يتجاوب
وعلى الرغم من أهمية مناقشة الاستراتيجية الدفاعية التي قد تضع حداً لاندفاعة الحزب وتدخلاته التي تخرب علاقات لبنان العربية والدولية، لم يحرك المسؤولون ساكناً، رغم أن طروحات البعض كانت خطيرة لجهة ضرب اتفاق الطائف والدعوات لمؤتمر تأسيسي من قبل قيادات مقربة من الحزب، من دون الأخذ بالاعتبار مواقف الشركاء في الوطن.
لم يقدم عون على التجاوب مع دعوات البطريرك بشارة بطرس الراعي لحياد لبنان وإنهاء مشكلة السلاح، تحت عنوان ثلاثية جديدة هي الحياد والجيش والسيادة.
وبالأمس قامت الدنيا ولم تقعد عندما ذكر الراعي باتفاق الهدنة، وهو الأمر الذي ذكر السياسيين في لبنان بالاستراتيجية الدفاعية، التي نوقشت ثم أجهضت كما قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، منتقداً بالقول: “ممنوع أن نناقش أي شيء خارج الأدبيات لجماعة الممانعة. جو ديمقراطي بامتياز”.
جورج نادر : لا شرعيه لسلاح الحزب
وتعليقاً يعرب العميد جورج نادر في حديث لــ”لبنان الكبير” عن اعتقاده أن حزب الله لا يريد الاستراتيجية الدفاعية، بل يريد استراتيجية على ذوقه، هو من يدافع، هو من يقرر الحرب والسلم مثلما يريد، وفرض علينا مقولة “جيش وشعب ومقاومة” منذ التسعينيات وأنا لا يمكن لي فهم هذه المعادلة، في أي بلد في العالم يمكن أن تكون هذه المقولة قائمة إلا عندنا في لبنان، وشرعية السلاح المتفلت، وشرعية السلاح غير الشرعي، وفرضه على كل مؤسسات الدولة، وفرض القرار السياسي بالتالي على الدولة، أي أن القرار العسكري يستتبع قراراً سياسياً”.
وبرأيه أنه عندما يجري الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية لا بد الحديث عنها من منطلق علمي وبمنطق، أي يجب أن نعرف من هو العدو ومن هو الصديق وماهية موازين القوى مع العدو والصديق، وكيف يمكن تأمين القوة لصالح الصديق، ويجب دعم الجيش وبأي طريقة.
طبعاً إن إقرار الاستراتيجية الدفاعية يحتاج إلى وقت للتنفيذ، ولكن في هذا الوقت يجب أن يكون كل السلاح تحت قيادة الجيش اللبناني وممنوع القيام بأي عملية عسكرية خارج أوامر الجيش اللبناني، وبالتالي سلطة مجلس الوزراء، وهي السلطة التي يحق لها أن تقرر سياسة الحرب أو السلم”.
ويشير العميد نادر إلى “الموقف الشعبي المعارض لسلاح حزب الله وهو يتعاظم يوما بعد يوم”، مذكراً بأنه في بداية الثورة لم يكن أحد يجرؤ على الحديث عن سلاح هذا الحزب، لحين أطلق حسن نصر الله خطابه الشهير الذي اتهم فيه الثوار بأنهم عملاء السفارات، و”اسمعوا مني وطلعوا من الشارع”. واستتبع هذا الخطاب بالقمع المباشر والعنفي للناس في ساحة الشهداء وفي رياض الصلح. وقد شهد ذلك كل العالم عبر وسائل الإعلام، كما جرى قمع الثوار في صور والنبطية وكفررمان وبعلبك والهرمل، وفي الأماكن التي يتواجد فيها حزب الله، وهذا الشعور كبر بعد انفجار 4 آب، واتهام حزب الله باستخدام النيترات والتسبب بتفجير المرفأ.
اليوم هناك شريحة واسعة من اللبنانيين ترفض هذا السلاح وأي سلاح آخر خارج إطار الشرعية اللبنانية”.
وبحسبه أن على حزب الله أن يدرك أن التعاطف الشعبي الذي ناله في حرب تموز 2006 فقده الآن واليوم للأسف. إذا لا سمح الله حصلت حرب إسرائيلية على لبنان، أقول لك إن أغلبية الشعب اللبناني، وطبعاً لن يكونوا مع العدو ضد حزب الله لكنهم سيكونون غير مبالين، وسيكونون ضد سلاح الحزب، ولن يكونوا حاضنين له في أي مرحلة من المراحل.
لأنه، للأسف بممارساته وقمعه للثورة وللناس، وببسط سيطرته على الدولة، وعدم رفع الحصانات، وحماية المتهمين من قبل المحقق العدلي، كل هذه الأمور التي تتطور يوماً بعد يوم تجعل الناس ترفض هذا السلاح مما يتسبب للبنان بعزلة داخلية وعربية، وعزلة عالمية، من وراء سلاحه. والتعنت بعدم قبوله أي أمر آخر خارج فرض قرار المقاومة على القرار السياسي، يعني اليوم يقول الحزب “سلاحي وأوامري وأموالي جميعها آخذها من إيران”.
وهذا يعني للناس أن الحزب إيراني وأنت مجبر على تنفيذ أوامر إيران، ونحن في لبنان لسنا مجبرين على تنفيذ الأوامر الإيرانية في لبنان. وبديهي لا أوامر إيران ولا غيرها بالطبع. ولكن هذا السلاح اليوم لم يعد يخدم القضية، وهو يسبب حروباً ومشكلات مذهبية وطائفية وعزلة بين لبنان والدول العربية، ويسبب للبنان عزلة دولية. وعقوبات سلاح حزب الله مشكلة كبيرة، وعلى الحزب أن يقتنع بذلك. وإلا فإن البلد ذاهب إلى الدمار للأسف”.