سنة وشهر مر على لبنان والفراغ الحكومي القاتل لا يجد من يضع حدا له لفرملة هذا الانزلاق الخطير نحو الهاوية… أصبح كل من يتابع الملف الحكومي على يقين ان هناك من لا يريد حكومة “وخلصنا”.
واستنزاف الوقت لم يعد ينفع لأننا وصلنا الى الهدف الذي يصبو اليه البعض.
فما هو هذا الهدف الذي نسمعه همسا حينا في الاجتماعات التنظيمية وتلميحا احيانا اخرى وغالبا تحليلا منطقيا لمسار الأمور؟ “مش رح تركب حكومة ومش ظابطة”… جملة يرددها كثيرون مؤكدين ان لا مصلحة حاليا لاحد بهذا التشكيل خصوصا ان المحظور وقع ولم تعد محاولة منع الوصول اليه تجدي نفعا، والمكتوب نراه كل يوم نسير باتجاهه بلا حول وبلا قوة.
فـ”الارتطام الكبير” الذي تأجل شهرا حتى بداية تشرين الأول تُقرع أجراسه. وبدءا من ٢٠ أيلول الحالي سيعلو الصراخ مع رفع الدعم الكلي.
صحيح ان احتمال انجاز البطاقة التمويلية كبير جدا بالتوازي، لكن ماذا ستفعل هذه البطاقة الان؟ ولماذا تربيح الناس جميلة بمبلغ ١٠٠ دولار يتحول الى فارق بأسعار المحروقات واقل؟ فحتى البطاقة لن تمنع الانفجار.
وكيف ستصمد الناس وقد أصبح ٧٠ بالمئة منهم تحت خط الفقر حسب منظمات عالمية؟ واصلا هذا الدعم المادي بدأ مع قرارات بدفع راتب شهر لموظفي القطاع العام والمتقاعدين، البالغ عددهم ٣٠٠ الف موظف، مع زيادة في بدل النقل بحدود الـ٤٠٠ الف ليرة. وكل هذا ترقيع.
فالاموال فقدت قيمتها واصبح المليون يساوي ٣٠٠ الف ليرة في القيمة الشرائية. والدولار يشدّون به لتثبيته بكل العضلات لتمرير بعض الامور او لمنع الانفجار، لكن ما ان يُترك سيقفز متجاوزا كل السقوف.
والحل هو ببدء التفاوض مع صندوق النقد. وهذا التفاوض يحتاج الى حكومة. والحكومة لا ملامح لها. فالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يقوم بجهد كبير لكن القرار ليس عنده.
الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مكبّل ورُسمت له ضوابط لا يمكن تجاوزها. وفي بعبدا لا خطوات توحي برغبة في تشكيل حكومة.
فماذا يعني ان تصدر القاضية غادة عون قرارا ضد حاكم مصرف لبنان في غمرة التفاوض مع ميقاتي؟ اوليس هذا كاطلاق النار على قدميه؟ ثم تليها خطوة القاضي بيطار وورقة الاحضار للرئيس حسان دياب؟
يقول مصدر سياسي رفيع المستوى لموقع “لبنان الكبير” ان هناك رغبة واضحة وصريحة، على الرغم من محاولات اخفائها، بالذهاب نحو فراغ رئاسي ونيابي وحكومي تدريجي بهدف تعطيل الطائف.
فالطائف بالعرف يمكن ان يعدّل من خلال الحكومة ما يحقق مطالبهم، والا الدفع بالبلاد الى تغيير نظام ولو بالفوضى وسقوط الدم.
والأخطر ان يكون الهدف المشترك بين قوى سياسية متناحرة: الفيدرالية، فتصبح الامور أصعب لانه ستستعمل كل وسائل القتال وخصوصا العصبية والطائفية.
فما حصل في مغدوشة ليس بريئا، وهذا يحصل في مختلف المناطق. فالقرية المسيحية لا تقبل ان تزوّد غير أهلها بالوقود. والخوف من طلب الهوية قبل التزويد بالبنزين على المحطات في القابل من الأيام.
والقرى الاسلامية تتجه الى رد الفعل على هذا الامر، والمخزون الاستراتيجي عند ابراهيم صقر هو نموذج، وكذلك محطة الحدث الجبة في بشري.
فالفرز، حسب المصدر، أصبح خطيرا جدا وهناك من يسعى الى فدرلة المحروقات كمقدمة للفدرلة الأكبر والأوسع “وهذا هو الارتطام الكبير الذي نحذر منه”.
يضيف المصدر السياسي: “هناك عمل خطير جدا يحصل في البيئة المسيحية وتنافس بين القوات والعونيين حول شد العصب، من دون ان يحسبوا حساب تداعيات هذه العصبية.
والمفارقة ان التجييش الطائفي حاليا يحصل مسيحي – مسلم وبعدما اخفق الهدف منه في تسييس ملف التحقيق بتفجير المرفأ بدأ العمل على خطوط أخرى.
فهل يكون ملف المحروقات مقدمة للانقسام بين المسيحيين والمسلمين؟ وللانتباه ماذا يعني ان يصدر بيان من رؤساء الحكومات السابقين الخميس الفائت يهاجمون فيه رئيس الجمهورية.
ثم كلام مفتي الجمهورية الجمعة يصب في الاطار عينه.
اللقاء التشاوري ينتقد الرئيس عون ويصدر الاخير بيانا يهاجم رؤساء الحكومات ودياب. مساء يتحدث السيد نصر الله يهاجم بيطار ويدافع عن دياب.
الاحد يطلق البطريرك الراعي مواقف قوية يدافع فيها عن بيطار… كلها اشارات قوية وخطيرة يجب التوقف عندها”.
ويختم المصدر: “اذا فلننظر الى المشهد من فوق.
الامور معقدة جدا أكثر بكثير من مجرد تشكيل حكومة. والسؤال الآن: هل انتقل الدور الفرنسي من السعي لانتاج حلول سريعة الى ادارة لعبة الفوضى؟… ايام صعبة تنتظرنا”.