لم يتوجّه موكب نجيب ميقاتي أمس صوب قصر بعبدا على الرغم من فائض الإيجابية الذي رَشَح من محيط رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وفي الإعلام. عمليّاً، تبقى الإيجابيّات “حكي بحكي” ما لم تقترن بتلاوة المدير العام لرئاسة الجمهورية مراسيم قبول استقالة حكومة حسان دياب وإعلان مراسيم حكومة نجيب ميقاتي. وبدلاً من بعبدا فضّل ميقاتي التوجّه إلى عين التينة لبحث آخر الصيغ الحكومية.
ووفق المعلومات، حدث تقدّم طفيف على صعيد التوافق على حصول رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على ستة وزراء يُضاف إليهم وزيرا طلال إرسلان والطاشناق، مع تثبيت حقيبة الاقتصاد ضمن حصّة الرئيس المكلّف، وفتح البازار مجدّداً لبحث منح البديل عن الاقتصاد لرئيس الجمهورية، الأمر الذي يعني إعادة خلط الأسماء والحقائب مجدّداً.
تؤكّد مصادر رئاسة الجمهورية لـ”أساس” أنّ طرح حكومة 14 وزيراً في الإعلام فاجأنا، ولم يكن هناك أيّ تنسيق مع ميقاتي في شأنه
وقد حَمَل اللواء عباس إبراهيم اقتراحات لأسماء بقيت قيد التداول حتى ليل أمس. وتردّد أنّ النائب جبران باسيل قدّم تنازلات في هذا السياق على خلفيّة الضغط الكبير الذي تعرّض له محليّاً وخارجياً.
وفي مقابل الحديث عن ساعات حاسمة ستقرّر مصير حكومة الرئيس المكلّف الثالث، وعن ضغط أميركي-فرنسي-إيراني متزايد بهذا الاتّجاه، رفعت ثلاث قوى سياسية، هي التيّار الوطني الحر وتيّار المستقبل والقوات اللبنانية، سقف تهديدها بالاستقالة من مجلس النواب، مع تركيز سمير جعجع على الانتخابات الرئاسية المُبكرة.
في ميزان تصفية الحسابات السياسية لا تُعتبر الاستقالة ذات تأثيرٍ “انقلابيٍّ” لأنّ الاستحقاق الانتخابي في ربيع عام 2022 دَخَل مدار المهل، وغالبيّة الأحزاب أدارت مُحرّكاتها، وتقصير عمر مجلس النواب في هذه اللحظة سيكون بمنزلة رشّة بهار فوق طبخة الفوضى والانهيار التي “استوت” لا أكثر… لكن يبدو أنّ هذه الخطوة ستكون ردّ الفريق العوني في حال وصلت مساعي التشكيل إلى الحائط المسدود مجدّداً.
وشهدت الساعات الماضية حراكاً هو الأكبر والأكثر تأثيراً منذ تكليف ميقاتي منذ أكثر من شهر.
إذ كانت حكومة نائب طرابلس لا تزال تُنازع قبل الدقائق الأخيرة الفاصلة عن احتمال صدور مراسيمها، مع العلم أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لم يستأنف وساطته بعد عودته من زيارة سوريا مع الوفد الوزاري لأنّ خطّه أصلاً بقي شغّالاً طوال الوقت.
ووفق المعلومات، لم يتمّ التوافق بعد على اسم وزير الاقتصاد الذي بات من حصّة ميقاتي، فيما بقي الأخير مصرّاً على انطلاق حكومته مع غطاء مسيحي توفّره الثقة الممنوحة من تكتّل باسيل، ومع توافقات مالية-اقتصادية مسبقة تنعكس في “هوية” الـ team work الذي سيجلس قبالة صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية ليفاوضها، والمؤلّف من وزراء المال والاقتصاد والطاقة والشؤون الاجتماعية والاتصالات.
وأمس كانت قيادات عونيّة لا تزال تردّد بأنّ الثقة الممنوحة لحكومة ميقاتي ستكون على أساس برنامجها، وهذا يعني أنّ برنامج عمل الحكومة كان مدار نقاش من ضمن بازار الأسماء.
لكن في ظلّ مأساة حقيقية لا تحتمل مناورات و”تزريكات”، كان الرئيس المكلّف يملك ترف الوقت لـ”يتلاعب بأعصاب” رئيس الجمهورية عبر تسريب طرح غير جدّيّ في وسيلة إعلامية جدّيّة (النهار) بتلويحه بحكومة أقطاب من 14 وزيراً بقيت اقتراحاً على ورق.
وفق المعلومات، حدث تقدّم طفيف على صعيد التوافق على حصول رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على ستة وزراء يُضاف إليهم وزيرا طلال إرسلان والطاشناق، مع تثبيت حقيبة الاقتصاد ضمن حصّة الرئيس المكلّف
الطرح، وتحديداً الأسماء التي تضمّنها، غير منطقي واستفزازي لكثير من الأسباب: يضرب جوهر المبادرة الفرنسية، ويطيح بمبدأ الاختصاص والتخصّص والاستقلاليّة والكفاءة، ويعيد مسار تأليف الحكومات إلى أيام غازي كنعان وما قبل عام 2005.
“مش غريبة على ميقاتي” يقول عارفوه. في اليوم الواحد، يجزم هؤلاء، قد يلتقي خمسة أشخاص ليخرج كلّ واحد من هؤلاء بانطباع ومعلومات ومعطيات متناقضة مع ما قدّمه للآخرين.
وعلى الرغم من تأكيد محيطين برئيس الجمهورية أنّ طرح ميقاتي، الذي سرّبه خلال لقائه مجموعة من الإعلاميين في صحيفة “النهار”، هو “وسيلة ضغط ما بتنفع معنا، ويدفن المبادرة الفرنسية، ويعكس ذهنيّة التخبّط”، كان لافتاً قول محطة “أو تي في” المحسوبة على العهد: “بمطلق الأحوال أيّ طرح من هذا النوع يُفترض أن يُناقَش مع رئيس الجمهوية رسميّاً أوّلاً، وعندها لكل حادث حديث”.
ومن المعلوم أنّ فكرة الحكومة “كاملة الدسم” السياسي، مع أو من دون أقطاب، لم تغِب يوماً عن أجندة ميشال عون وجبران باسيل وباقي القوى السياسية، باستثناء الرئيس سعد الحريري، مع التذكير بأنّ البطريرك بشارة الراعي طرحها لدى زيارته القصر الجمهوري في 2 حزيران الفائت.
تؤكّد مصادر رئاسة الجمهورية لـ”أساس” أنّ “طرح حكومة 14 وزيراً في الإعلام فاجأنا، ولم يكن هناك أيّ تنسيق مع ميقاتي في شأنه.
ولا نعتقد بعد الشوط الكبير الذي قطعته حكومة الـ 24 وزيراً مع الرئيس المكلّف، وبعد تسعة أشهر من تضييع الوقت مع الحريري، أنّ ثمّة مَن يجرؤ على العبث بالمصير الحكومي بهذه الطريقة، مع العلم أنّ هذا الاقتراح كان ممكناً لو تمّ العمل عليه منذ البدايات”.
وبدا صعباً في الساعات الثماني والأربعين الماضية استيلاد مؤشّرات إيجابية حاسمة في شأن الحكومة بالاتّكاء فحسب على معطيات مستجدّة كزيارة وفد رسمي لبناني سوريا بموافقة أميركية، أو إجراء الرئيسين الإيراني والفرنسي اتصالاً هاتفياً بينهما للمرّة الثانية في أقلّ من شهر، أو الحديث عن تداول الملف اللبناني في قمّة بغداد.
تساوت الإيجابيّات مع السلبيّات كالعادة، فيما كان باسيل يبادر إلى القول لكل المتّصلين به: “رح تخلص”، بمعنى تجاوز العِقَد الأخيرة التي تعرقل ولادة الحكومة.
وقد روّج المحيطون بميقاتي طوال يوم أمس لـ”انفتاح الرئيس المكلّف وإيجابيّة الأجواء الحكومية”.
وردّد البعض أنّ التوافق الكامل على الحكومة في حال حصوله لم يكن سيؤدي إلى صدور مراسيمها قبل انتهاء الحداد على نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان.