لم يَجد رئيس الجمهورية ميشال عون أيّ عائق في فرض خياره لحقيبة الدفاع، خصوصاً بعد تكريس واقع عدم اعتماد المداورة في الحقائب السيادية في آخر حكومات العهد.
بعد الوزراء يعقوب الصرّاف وإلياس بو صعب وزينة عكر، رسا الخيار على العميد السابق في الجيش موريس سليم بعدما بقيت الحقيبة من حصة الطائفة الأرثوذكسية.
يرى كثيرون أنّ العلاقة الثنائية بين جوزف عون وباسيل، بسبب الكثير من الاعتبارات، غير قابلة للترميم، وذلك يعود إلى تنافر الطَبعين وبدء مسيرة التفتيش عن رئيس جمهورية ما بعد عهد ميشال عون
الخيار الأول لدى ميشال عون كان قائد عمليّة فجر الجرود العميد فادي داوود (ماروني)، صاحب المسيرة الطويلة والمثمرة في السلك العسكري، لكنّ إصرار عون على اسم السفير السابق عبدالله بو حبيب (ماروني) لحقيبة الخارجية أعاق تولّي ماروني حقيبة سيادية ثانية.
لا “لينك” عسكرياً في السابق أو معرفة لصيقة أو صداقة تجمع بين رئيس الجمهورية ووزير الدفاع المعيّن. لكنّ الخلفيّة التي حَكَمت طرح بعبدا أسماء الضباط للتعيين لحقيبة الداخلية حين كانت المداورة محطّ نقاش على الطاولة تشير إلى مَن كان يدير اللعبة خلف الكواليس.
فالعميد محمد الحسن، مثلاً، الذي طَرحه عون لحقيبة الداخلية كان مسؤول مكتب إميل لحود حين كان قائداً للجيش. كذلك الأمر بالنسبة إلى العميد محمد الفوّال الذي كان ضمن الحراسة الأمنيّة للحّود بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
والعميد موريس سليم الذي طُرِح لحقيبة الدفاع كان رئيس مكتب الإعلام في القصر الجمهوري في المرحلة اللحّوديّة.
والجامع المشترك بين هؤلاء الضبّاط هو سليم جريصاتي مستشار الرئيس عون الحالي ورجل لحّود “السابق”.
لكنّ كثراً أيضاً يشيرون إلى بصمات اللواء جميل السيّد الحاضرة في طرح الأسماء العسكرية في الحكومة.
السيرة الذاتيّة
ليس في السيرة الذاتيّة لوزير الدفاع خلال خدمته العسكرية التي دامت 40 عاماً ما يجدر التوقّف عنده سوى ما يمكن “فكّ شيفرته” في السياسة.
هكذا، وبعد تقاعده من السلك العسكري عام 2012 بعد شغله منصب رئاسة الطبابة العسكرية لسنوات عدّة، عُيِّن وزيراً للدفاع في ظلّ سؤال يتكرّر دوماً عن ماهيّة العلاقة، التي تحكم أيّ وافد جديد إلى اليرزة، مع قائد الجيش.
ومن “بروفيله” تعرفونه. بعض المراقبين يجزمون أنّ الوزيرة السابقة زينة عكر قد تكون ضليعة في إدارة شؤون الوزارة أكثر من وزير الدفاع الجديد، حتّى لو خَدَم في المؤسّسة العسكرية.
وهنا لبّ الموضوع.
ثمّة مَن أراد نزع أيّ فتيل تفجيريّ محتمل بين قائد الجيش ووزير الدفاع على أبواب نهاية العهد.
بالطبع هي رسالة إيجابيّة من مقلب القصر الجمهوري وجبران باسيل مقارنة بخيار يعقوب الصرّاف وإلياس بو صعب.
الاثنان خرجا من مكتبهما في اليرزة يحملان “مشكلاً كبيراً” مع العماد جوزف عون.
يعقوب الصرّاف عن حسن نيّة، خصوصاً أنّ عقليّته الإدارية التي “تفلّي النملة” كفيلة بهدّ أعصاب مَن يقارعه في النقاش.
فكيف بمؤسسة عسكرية تحتاج إلى ديناميكية وسرعة بتّ للمعاملات لا تحتملان “جهد” السلحفاة.
أمّا إلياس بو صعب فدخل إلى اليرزة مع “أمر مهمّة” من جبران باسيل بفتح مواجهة مع قائد الجيش لحسابات سياسية وشخصية.
ولم يقصّر نائب المتن في تنفيذ ما طُلِب منه مُثبّتاً التهمة عليه حتّى بعد خروجه من اليرزة، وصولاً إلى لعبه دوراً مثيراً للاستغراب في ملفّ ترسيم الحدود البحرية.
الخيار الأول لدى عون كان قائد عمليّة فجر الجرود العميد فادي داوود (ماروني)، صاحب المسيرة الطويلة والمثمرة في السلك العسكري، لكنّ إصرار عون على اسم السفير السابق عبدالله بو حبيب (ماروني) لحقيبة الخارجية أعاق تولّي ماروني حقيبة سيادية ثانية
مع زينة عكر بدأت العلاقة إيجابية مع قائد الجيش يسودها التعاون والتنسيق، ثمّ أخذت منحى فاتراً بعد أشهر من تعيين الحكومة الجديدة.
وكانت عكر تردّد في مجالسها الخاصة أنّها بين وزراء الدفاع أوّل مَن عاين هذا العدد الكبير من النقاط العسكرية والحدودية.
وبدلاً من رؤية قائد الجيش إلى جانبها صارت جولاتها تتمّ بمشاركة ضابط ممثِّلٍ عنه.
وفي حفل التسليم والتسلّم أمس كشفت عن إنهائها ملفّات عالقة منذ سنوات طويلة، وعن زيارتها كلّ قيادات المناطق العسكرية والوحدات المنتشرة عملانيّاً من ألوية وأفواج.
واقع الحال أنّ المدّة المتبقّية من عمر العهد ومن عمر الحكومة القصير، في حال أُجرِيت الانتخابات النيابية، لن تسمح لأيّ وزير دفاع بفتح مشكل مع قائد الجيش أو حتّى إنجاز أيّ شيء.
فكيف إذا كان بروفيله كبروفيل العميد سليم المعروف بأنّه رجل حوار وتفهّم، وغير صدامي، وبعيد عن المشاكسة، ويحظى بالاحترام ضمن السلك.
وهو أوّل وزير دفاع في العهد العوني يأتي من خلفيّة عسكرية، ويتردّد أنّه مؤيّد للعهد.
هذه الرسالة الإيجابية من بعبدا إلى اليرزة تقاطعت مع “لقاء الصُلحة” بين قائد الجيش وباسيل، بطلب شخصي من الرئيس عون وحضوره، يوم الجمعة 3 أيلول الجاري في القصر الجمهوري.
ووفق المعلومات، لم يتمّ التطرّق إلى الملفّات الخلافية بين الطرفين، بل جرى الحديث في مواضيع عامّة.
يرى كثيرون أنّ العلاقة الثنائية بين جوزف عون وباسيل، بسبب الكثير من الاعتبارات، غير قابلة للترميم، وذلك يعود إلى تنافر الطَبعين وبدء مسيرة التفتيش عن رئيس جمهورية ما بعد عهد ميشال عون.
في المقابل، يبدو رئيس الجمهورية كمَنْ يقدّم المؤازرة لصهره باسيل في نهاية عهده لإزالة جزءٍ من الألغام التي زنّر نفسه بها، ومن ضمنها علاقته السلبيّة مع قائد الجيش التي توجَّت سلسلة مواجهات خاضها مع حلفائه وخصومه.
سَبَق توقيتُ اللقاء ولادةَ الحكومة وخوضَ باسيل من وراء الكواليس، مع نفيه المتكرّر لذلك، الدور الأكبر في تحديد حصة ميشال عون في تشكيلة نجيب ميقاتي.
والدليل الأبسط على ذلك هو تولّي باسيل شخصيّاً، إمّا تهنئة وزراء فريقه السياسي بتعيينهم في الحكومة أو الاعتذار منهم “لأنّ ما ظبطت معنا هالمرّة”.
هو مسارٌ من الجفاء والمناكفة بين العماد عون وباسيل وصل إلى حدّ توجيه رئيس التيار الوطني الحر رسائل مباشرة في الإعلام ضدّ العماد عون وضدّ المؤسّسة العسكرية، وتسمية ضبّاط بالاسم اتّهمهم بـ”الفساد” وبـ”تغطية التهريب على الحدود”.
إضافة إلى الحملة الضمنيّة التي شنّها ضدّ دور الجيش وقائده بعد 17 تشرين، ففُتح هواء الوسائل الإعلامية المحسوبة على العهد لتوجيه مضبطة اتّهام إلى قائد الجيش، والتلميح إلى لعبه أدواراً سياسية ربطاً باستحقاق رئاسة الجمهورية.