على الرغم من أن زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت لاستئناف التفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية لم تتأكد، إلا أن الجميع بانتظارها لمعرفة ما اذا كان يحمل أي طرح جديد أو سيبقى على عرضه الذي لم يتلق رداً عليه من الجانب اللبناني، بحيث تشير المعلومات الى أنه لن يعود الى لبنان قبل أن يتلقى موقفاً موحداً من المسؤولين المعنيين ليبنى على الشيء مقتضاه.
وفي هذا الاطار، تتضارب المعطيات بين من يقول انه سيتم التوافق بين الرؤساء الثلاثة على موقف موحد ويتم العمل على وثيقة تعبّر عن موقف لبنان الرسمي من ترسيم الحدود البحرية، وبين من يشير الى أن لا توافق حتى الساعة على شكل الرد ومضمونه في ظلّ الانقسام بين مؤيّدي الخط 23 ومؤيّدي الخط 29، مع العلم أن مصدراً معنياً بالترسيم أكد لـ “لبنان الكبير” أن هوكشتاين “الحردان” من اللبنانيين لن يقبل بالخط 29، ويريد استكمال المفاوضات من حيث توقفت بعيداً عن المراوغة والمماطلة من دون أن نسقط من حساباتنا أن موقف لبنان حالياً أضعف من أي وقت مضى وليس لديه ترف الوقت و”الدلع” بعد وصول الباخرة اليونانية لانتاج النفط الى حقل “كاريش” المتنازع عليه.
وشدد المصدر على ضرورة تعديل المرسوم 6433 وايداعه الأمم المتحدة ثم يجري التفاوض بعد أن يكون لبنان ضمن حقه.
وبعيداً عن التحليلات التي تتحدث عن صفقات داخلية وخارجية في ملف الترسيم، لا شك أن لبنان سيدخل في مرحلة جديدة من المفاوضات على صفيح ساخن وتحت ضغط أميركي، وبالتالي، المرحلة دقيقة ومصيرية، وتتطلب قرارات عاقلة وحكيمة للوصول الى بر الأمان في ملف الترسيم .
تتعدد السيناريوهات حول زيارة هوكشتاين، اذ يقول البعض انها تصب في خانة شراء الوقت ليس أكثر لمصلحة اسرائيل واستكمال الانتاج في حقل “كاريش”، في حين يرى البعض الآخر أن كل ما يُحكى تكهنات فهناك تعتيم على موقف لبنان الرسمي كما على عروض الوسيط الأميركي، لكن وفق أحد المحللين فان كلام الرئيس نبيه بري عن إبلاغ الوسيط أن لبنان لن يقف مكتوف الأيدي أمام التجاوزات وعليه أن يقوم بإجراءات لوقفها باعتباره مسؤولاً عن التفاوض، وفي حال لم يتجاوب أو لم يصل الى نتيجة، فعلى الحكومة الاجتماع وأخذ قرار وطني بالاجماع بتعديل المرسوم 6433 وارساله الى الأمم المتحدة، يمكن أن نستشف منه موقف لبنان الرسمي.
وفي هذا السياق، برز معطى جديد في الساعات الماضية عن إمكان فرض الوسيط على اسرائيل التراجع عن خطواتها في المنطقة المتنازع عليها الى حين انهاء التفاوض والتوافق نهائياً على الحدود البحرية، لكن كل ذلك يبقى ضمن التوقعات خصوصاً وأن الجميع يؤكد أن هوكشتاين منحاز اليها.
وشدد رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض السابق العميد الركن المتقاعد بسام ياسين على “الموقف الوطني الموحد الذي يعيد الحقوق الى لبنان، ويُبلغ به الوسيط الأميركي”، معتبراً أن “كل ما يتم التداول به حول طروحات هوكشتاين يبقى في اطار التكهنات لأن لا أحد يعرف ماذا لديه كما لا أحد يعرف ما هو الموقف اللبناني. نحن بانتظار الزيارة لنبني على الشيء مقتضاه”.
ورأى أن “الوسيط يريد شراء الوقت والدليل ما وصلنا اليه، والوقت ضاغط على لبنان”، مشيراً الى أن “الاعتداء ليس من خلال السفينة في حقل كاريش فقط انما هناك سفينة أخرى ستدخل ضمن منطقة الـ 29 لتبدأ بالتنقيب في شمال كاريش، وهناك جولة تراخيص رابعة حول الحقول النفطية واحتمال أن تشمل الحقل 72 الملاصق لحقل قانا وهنا الخطورة، لذلك ليس لدى لبنان متسع من الوقت للتحرك”.
وأكد “ضرورة تعديل المرسوم 6433 وارساله الى الأمم المتحدة ثم التفاوض، كي يفاوض لبنان من موقع قوة وليس من موقع ضعف”، قائلاً: “اذا كانت المطالبة بالحقوق تزعج الوسيط الأميركي، فالأفضل ألا يأتي”.
من جهته، قال المحلل والكاتب السياسي حسن الدر: “من المفترض أن تكون هناك رسالة جاهزة من الجانب اللبناني تسلم الى الوسيط الأميركي وتؤكد أن لبنان لن يتنازل عن حقه ولن يسمح للعدو بأن يستغل ثروته”، مشدداً على أن “الموقف الرسمي الذي سيسمعه الوسيط الأميركي وكل العالم من لبنان أننا لن نسمح بالتعدي على حقوقنا”.
أضاف: “في حال طلب الوسيط من العدو التوقف عن العمل في المنطقة المتنازع عليها يكون موقفاً ايجابياً، ويشكل فرصة للتفاوض المنطقي . أما اذا لم يتجاوب مع الرد اللبناني، فنحن ذاهبون الى التصعيد بحيث أن الدولة والمقاومة لن تقفا مكتوفتي الأيدي، وعندما يصبح التعدي علنياً واستفزازياً، فالأمور مفتوحة على كل الاحتمالات”.
وتحدث عن أكثر من سيناريو بعد وصول الوسيط الأميركي “بحيث يمكن أن يطلب وقف الانتاج من المنطقة المتنازع عليها الى حين البت بموضوع الترسيم، أو أن يسلم لبنان الرد على عرض هوكشتاين السابق بالرفض وفقاً لمبررات يتم تفنيدها، أو أن يأتي هوكشتاين بمواقف فيها نوع من الفوقية، ويحاول محاصرة اللبنانيين ووضعهم أمام الأمر الواقع، وهنا لا يمكن لأحد أن يضبط الأمور والى أين يمكن أن تتجه”، معتبراً أنه “بات واضحاً أن هناك ضغطاً أميركياً على الشركات الأجنبية كي لا تنقب في لبنان حتى في الحقول غير المتنازع عليها، وعلى المزايدين على المقاومة في ملف الترسيم أن يطلبوا من أميركا السماح بدخول الشركات للتنقيب”.
وأشار الى أن “هوكشتاين يريد أن يسمع موقفاً موحداً من الطرف اللبناني، وعلى الدولة أن تقرر ماذا تريد وتذهب الى مسار جديد في التفاوض وفي التنقيب”.