حكمت المحكمة: حزب الله خطّط ونفّذ

17 يونيو 2022
حكمت المحكمة: حزب الله خطّط ونفّذ
 راما الجراح
راما الجراح

بعد ١٧ عاماً على الزلزال الكبير الذي هدّ كيان الدولة في ١٤ شباط ٢٠٠٥، بالقرب من فندق “السان جورج”، وأدّى إلى إغتيال الرجل الذي غيّر وجه البلاد في حياته ومماته، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي لطالما آمن بالحق والعدالة وعمِل لأجلهما، ظهر الحق كالسيف وقطع الشك باليقين، ومَن اعتقدنا أنهم متهمون منذ البداية باغتيال الرئيس الشهيد و٢١ آخرين، وإصابة ما لا يقل عن ٢٢٦ شخصاً، أثبتت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ذلك بادانتهم امس.

ففي ضوء مجمل وقائع قضية الاغتيال وملابساتها، حكمت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالإجماع على حسن مرعي وحسين عنيسي اللذين ينتميان الى “حزب الله” بعقوبة السجن المؤبد، وهي أشد العقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي والقواعد، وذلك عن كل جريمة من الجرائم الخمس التي أُدينا بها وقررت أن تُنفَّذ العقوبات في الوقت ذاته.

وأدانت دائرة الاستئناف بالاجماع مرعي وعنيسي بتهمة التآمر لارتكاب عمل إرهابي (التهمة ١) والتواطؤ في عمل إرهابي (التهمة ٦) والقتل العمد (التهم ٧ و٨) ومحاولة القتل العمد (التهمة ٩) فيما يتعلق بقضية إغتيال الرئيس الشهيد. ورأت بالإجماع أن “الجرائم التي أدين بها السيدين مرعي وعنيسي كانت خطيرة للغاية وأن بعض الظروف المشددة التي دافع عنها الادعاء قد تم إثباتها بما لا يدع مجالاً للشك”.

وأصدرت غرفة الاستئناف حكمها في غياب مرعي وعنيسي عملاً بالقاعدة ١٠٩ (هـ)، حيث يحق للمتهم الذي يظهر بعد إدانته غيابياً من قبل دائرة الاستئناف أن “(١) يقبل كتابةً الإدانة أو العقوبة، (٢) طلب إعادة المحاكمة، (٣) قبول الإدانة كتابة وطلب جلسة استماع جديدة فيما يتعلق بالحكم الصادر ضده، أو (٤) قبول حكم الدائرة الابتدائية بالبراءة وطلب جلسة استماع جديدة للاستئناف”.

وأكد الرئيس سعد الحريري في تغريدة عقب صدور القرار، على إدانة “حزب الله” كجهة مسؤولة عن تنظيم الجريمة وتنفيذها، مشدداً على أن “التاريخ لن يرحم”.

وكتب: “بعد ادانة سليم عياش بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، فرضت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية بالإجماع عقوبة السجن المؤبد على عنصرين آخرين من حزب الله هما حسن مرعي وحسين عنيسي.

العقوبة هي الأشد المنصوص عليها في النظام الأساسي والقواعد المعتمدة في المحكمة، لكنها الأوضح لجهة ادانة حزب الله كجهة مسؤولة عن تنظيم الجريمة وتنفيذها والجهة التي لا يمكن أن تتهرب من مسؤولية تسليم المدانين وتنفيذ العقوبة بحقهم. فالتاريخ لن يرحم”.

من الناحية القانونية، أوضح المحامي والأستاذ في القانون الدولي أنطوان صفير في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “محكمة الاستئناف جرّمت شخصين لمشاركتهما في إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعدما كانت محكمة البداية لم تطلب حتى ملاحقتهما.

ففي أواخر ٢٠٢٠ أدانت المحكمة عضو الجماعة سليم عياش في القضية ذاتها، وحكمت عليه غيابياً بالسجن المؤبد، فيما برأت ٣ متهمين آخرين بينهم مرعي وعنيسي.

والتجريم عادة يأتي من المحكمة بالشخصي وليس بشكل عام، أي تصدر القرارات لشخص وليس لجهة، لأن المحكمة تتخذ قرارها تجاه الأشخاص، ولكن في النهاية القرار الذي اتُخذ بحقهما هي العقوبة الأقصى بحسب نظامها الأساسي وقواعد الإجراءات والاثبات”.

أضاف: “من جهة ثانية يمكن أن لا نشهد أي قرارات أخرى في هذا الاتجاه من المحكمة الدولية بسبب عدم وجود تمويل، ولكن هذا القرار بات واضحاً للجميع عن تحميل محكمة الاستئناف المسؤولية لهذين الشخصين في المشاركة بعملية الاغتيال، وهي المحكمة التي تراقب عمل محكمة البداية لجهة تطبيق القانون، واعتبرت أن الأخيرة أخطأت في عدم ملاحقتهما وذلك استناداً الى معطيات واثباتات، وهذا القرار يعتبر مبرماً”.

أما مدعي عام التمييز السابق في لبنان القاضي حاتم ماضي فأكد أن “المحكمة الدولية اتخذت قرارها، وعلينا احترام أي قرار يمكن أن يصدر عن القضاء المحلي أو الدولي، وخاصة عن المحكمة الدولية، وجميعنا يجب أن نقف مع القضاء، وبإختصار الحقيقة تخرج من أفواه القضاة، وهذا المبدأ ثابت”.

واعتبر الوزير السابق جمال الجراح أن “قرار المحكمة الدولية جاء استكمالاً للقرار الأول الصادر عن المحكمة بإدانة أفراد من حزب الله واستُتبع اليوم (امس) بإدانة عنصرين آخرين تابعين للجهة نفسها، وهذا يؤشر تماماً إلى الجهة التي كانت وراء إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي العدالة في طريقها الى التحقيق بعدما ظهر بشكل واضح ونهائي الجهة المعنية بالاغتيال.

ولا شك أن الجهات السياسية التي أعطت أوامر الاغتيال هي الحرس الثوري الإيراني والنظام السوري والأمر أصبح واضحاً للجميع، خاصة بعد صدور اتهام مباشر من أعلى سلطة قضائية في العالم والمعروفة بمهنيتها وحياديتها وموضوعيتها لمتهمين تابعين لحزب الله الموالي والمدعوم من هذه الجهات السياسية”.

وقال الجراح لـ “لبنان الكبير”: “ان حزب الله تعامل مع هذه المحكمة منذ البداية بطريقة سلبية جداً، لأنه يعلم أن نتيجة التحقيقات الموضوعية التي أجرتها وستجريها ستصل حكماً إلى القتلة، وبالتالي على حزب الله تسليم المتهمين إلى المحكمة الدولية ولهم حق الدفاع عن النفس، ولكن أعتقد أنه لن يُسلم أحداً، فبتسليمهم ستنكشف كل سلسلة المتورطين في هذا الاغتيال الكبير، الذي كان إغتيالاً للبنان واللبنانيين، لأنه ومنذ تلك الفترة ونحن في مرحلة انحدار وانهيار حقيقي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا”.

أضاف: “بعدما أصبح القرار واضحاً في إدانة أشخاص تابعين لحزب الله، على الأجهزة الأمنية ملاحقة هؤلاء الأشخاص لاعتقالهم وتسليمهم الى العدالة الدولية، نعم هناك قدرة على ذلك، طبعاً مقابل قدرة حزب الله على حماية هؤلاء المتهمين.

في النهاية أصبح الموضوع جلياً أمام كل اللبنانيين الذين أيقنوا اليوم وتأكدوا مَن الجهة التي وقفت وراء إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهي المسؤولة عن انهيار البلد وكل التداعيات والتأثيرات التي حصلت حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”.

وأكد أن “قرار المحكمة لا شك يصدر تجاه أشخاص، ولكن الجميع يعلم أن هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى حزب الله، ولن يتصرفوا إلا بأوامر الجهات العليا في هذا الحزب، حتى أنهم لن يستطيعوا التخطيط وحدهم ويحتاجون الى جهود حزبهم والنظام السوري حتى يتمكنوا من تنفيذ الجريمة”.

المصدر لبنان الكبير