تسوية ما بعد الحرب آتية… ولبنان سيصرخ اكثر

13 يوليو 2022
تسوية ما بعد الحرب آتية… ولبنان سيصرخ اكثر
 ليندا مشلب
ليندا مشلب

انها فرصة ذهبية للبنان اذا “شدّ ركبه” ليأخذ ما يريد وزيادة، لكن للأسف هناك من لا ركب لديه ليفاوض بشروط عالية او ليستفيد من مكامن القوة المتاحة لدينا…

المفارقة هذه المرة ان الأميركي والاسرائيلي والاوروبي أحوج ما يكونوا الى انجاز الترسيم بأسرع وقت لاضطرارهم الى تأمين خطوط أنابيب غاز بديلة عن الغاز الروسي، وهذا الامر أصبح الجميع على دراية به، لكن السؤال الكبير والخطير والذي سيجعل القوى السياسية في لبنان تلعب على المكشوف، هل تقبل روسيا بهذا الامر؟ فالعملية بالنسبة اليها اصبحت مسألة حياة او موت ومنذ اللحظة الاولى التي سيشق الغاز فيها طريقه الى أوروبا تكون قد خسرت حربها على اوكرانيا بل خسرت كل شيء… لذلك لا يمكن ان يُستهان بما يحصل وأقل شعور يجب ان ينتابنا هو الخوف من تحريك منظومة جبهات تدخلنا في آتون حرب لن تنتهي الا بترسيم مشهد جديد للمنطقة على انقاض خسائر ودمار… هذا الكلام ليس تحليلا فالممسكون بمفاصل الحكم يعرفون جيدا ان هذا المصير آت لا محالة وتوقيته أصبح قريبا وربما قريبا جدا…
هل يقبل الروس بديلاً لهم في الشرق الأوسط فيخسرون الـ١٢٠ مليار دولار التي تكلفتها لمدّ أنابيب الى اوروبا والاستغناء عنها نهائيا؟ فكل المعلومات تؤكد ان مخزون الغاز الموجود في حقلي كاريش وقانا فقط يعادل مخزون روسيا وقطر مجتمعتين، انها تريليونات من الامتار المكعبة من الغاز المقدرة تحت الارض، وقانا مثل كاريش والقول انه غير معروف ماذا في باطن الحقل هو استخفاف بالعقول. الحقل متساوٍ مع كاريش في مخزون الغاز والاميركي يعلم هذا ولا ينتظر هذا البلد الذي تحكمه عصابات ومافيات ان يكشف له هذا الامر، كما أنه لا ينتظر تقارير تنقيب الشركات الكبرى. من هنا، الاسرائيلي متمسك بجزء من حقل قانا حسب الخط المتعرج، وهو الجزء المتداخل ما بعد الخط ٢٣ ولبنان يريد الحقل صافيا وإسرائيل تريد جزءا منه (block 8)، وهذا هو صلب المفاوضات الجارية، خصوصا ان اللبنانيين يعرفون ان الاسرائيليين “اشطر” في الاستخراج فيشفطون الحقل ونحن ملتهون بملفاتنا وخلافاتنا التي لا تنتهي.

فرسم الخط البحري هو خط وهمي اما الحقول في باطن الارض فهي التي تُقسّم… لكن ما هي السيناريوهات المتوقعة في حال بدأ استخراج الغاز؟
يقول مصدر أمني يعنى بوضع الدراسات الاستراتيجية في المنطقة لـ”لبنان الكبير” ان “روسيا لا يمكن ان تقبل بالاستغناء عنها وخلق بديل لها، وهنا نقطة الانطلاق لتحديد سياسة المنطقة وما هو متوقع منها، لذلك ستنشط موسكو تجاه ايران وستضع بتصرفها كل انواع الأسلحة “وشو بتأمرنا نحن في الخدمة” مقابل تعطيل خط استخراج الغاز، وعند المصالح الكبرى يصبح لبنان تفصيلا صغيرا وصغيرا جدا لا يستأهل حتى اخذ ازمته بعين الاعتبار… مع انه يمتلك الذراع الاقوى “حزب الله” الذي يستطيع حرق المنطقة وقلب الطاولة بحركات بسيطة ولو كانت مسيّرات سلمية لكنها تحمل رسائل مفخخة، فكيف إذا بحرب المسيّرات الحربية والصواريخ العابرة؟ فعندما نقول نفط وغاز يعني الحاجة إلى “امن”، والامن من يؤمنه؟! اتفاقات دولية يُصادق عليها العالم بأجمعه، مما سيحتم الدخول في اتفاقية البحر المتوسط الجديدة (منتدى الشرق المتوسط) ومن ضمنها اسرائيل الى جانب مصر وقبرص والاردن (الامارات حتى الآن عضو مراقب)، والا لن يكون هناك غاز والانابيب ستكون بخطر… من هنا المعركة شرسة… والاشهر المقبلة هي اشهر ساخنة بدءا من ايلول او ربما قبل، فحتى الآن اسرائيل تستمر في شراء الغاز من أربيل وهي تدري ان غازها يكفيها ويؤمن مخزون نصف أوروبا وستعمل كل شيء من أجل تغيير هذا الواقع، فهي لديها حقول نفط صغيرة في الداخل لكنها لا تؤمن لها الاكتفاء الذاتي وهي ليست حقول غاز وقرارها بدء الاستخراج لن تساوم عليه، فكاريش سيغنيها الى ولد الولد مع تصدير كميات هائلة منه تكفي أوروبا الى جانب الغاز المصري والقبرصي. مجموع هذه الحقول بعد الاكتفاء الذاتي يكفي أوروبا لتأمين مخزونها للآتي من الاشهر والسنوات المقبلة، فهذا التكتل الشرق اوسطي الذي تشكّل للصناعات النفطية تفاهم على كل النقاط، وكلما اقترب الشتاء كلما احتدمت المفاوضات لتأمين البديل لامداد الغاز الى أوروبا، علما انه اذا بدأ الاستخراج في ايلول وسلمنا جدلا بذلك فهو يحتاج الى ثلاثة أشهر ليدخل احتياطي أوروبا بدلا من الاحتياطي الذي تستخدمه حاليا والمؤمن لهذا الشتاء فقط. ومن المعروف ان الدول الكبرى ذات الاقتصادات العملاقة لا تستخدم احتياطياتها قبل تأمين البديل، وهناك بعض الدول الأوروبية مستمرة في شراء الغاز من روسيا بالروبل ضمن اتفاقيات غير معلنة، الامر الذي انعكس انخفاضا مخيفا بسعر اليورو.

فتصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ ايام بأن أمام إيران اسبوعين للانصياع للقرارات الدولية والا فلا حل للاتفاق النووي هو تصريح بغاية من الاهمية، يؤشر الى حماوة المرحلة فالكل مستعجل الحل لكن اي حل سيأتي وعلى حساب من؟ والترسيم سينتهي بالتطبيع (وحدة مسار الانابيب المصدرة والتي ستُستثمر بمليارات الدولارات)، فكل هذه الأمور هي الأوراق الأساسية التي ستفرض واقعا جديدا تدشنه زيارة بايدن الى المنطقة ولن تنتهي الا بتسوية اكتملت عناصرها، اما تنفيذها فكل المعطيات تؤكد حتى الآن انها ستأتي “على الحامي” في صراع محورين بدأ بارداً او خفياً ويتحول تدريجياً الى ساخناً مع وصول الحراك في المنطقة الى ذروته في الآتي من الايام، فالتسوية تاريخياً تأتي بعد الحرب والمنتصر يفرض شروطه… والناتو الشرق اوسطي الجديد (baby Nato) الذي اعلن عنه الملك عبد الله الاردني (بريطاني العرب) والذي يأتي بايدن لترجمته حالياً وتوقيع اتفاقياته (مصر، الاردن، السعودية، الامارات، اسرائيل…) كان نقطة الانطلاق الذي تجسده تكتلات ما قبل الحرب… فعندما نقول نفط وغاز وتجمع دول نفطية وشرق أوسط نفطي وغازي يعني استعدوا ايها اللبنانيون الى الأسوأ، لان هذا التجمع يحتاج إلى امن والامان للشركات والبواخر العالمية والانابيب الممدودة، وهذا الامر لا مزاح فيه، لذلك الكلفة ستكون عالية لخلق هذا الامن الذي يؤمن الاستمرارية وتحقيق الاهداف… هي حرب مصالح كبرى ستجرف لبنان معها تحت اقدامها… وما لا يجرؤ ان يقوله السياسيون للشعب اللبناني تجسّده الوقائع، فلا حلول في المدى المنظور ولا اتفاقية مع الصندوق ولا غاز من مصر ولا كهرباء من الاردن ولا فيول من العراق ولا تنقيب ولا من يحزنون، ويكون ابو زيد الهلالي خالنا اذا أبقينا الوضع على ما هو عليه الآن وفرملنا قدر المستطاع التدهور وارتفاع سعر الدولار… هذا العام هو عام فكفكة العقد وهو الأصعب والاخطر بعدما وصلت الأمور الى نقطة لا احد يعلم توقيت انفجارها…

المصدر لبنان الكبير