من مجموعات إلى أحزاب… الثورة في عنق الزجاجة

17 يوليو 2022
من مجموعات إلى أحزاب… الثورة في عنق الزجاجة
فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

مع انطلاقة ثورة 17 تشرين نشأت مجموعات كثيرة للناشطين هدفت الى التنسيق وتنظيم التحركات في بيروت والمناطق وطرح الشعارات، يقول البعض إنها وصلت الى 720 مجموعة، بعضها كوّن “غروبات” على “الواتس اب” أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما “الفيسبوك”، ومنها من عمل على الأرض، وضمت في صفوفها أشخاصاً من مختلف الشرائح والمشارب اللبنانية، الا أن المشكلة في كل هذه المجموعات أنها كانت ترفع شعارات غير موحدة.

تحولت بعض المجموعات الى أحزاب سياسية، وشهدنا موجة التحول هذه إثر زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد إنفجار مرفأ بيروت، إذ أطلقت أحزاب جديدة على وقع الانتخابات النيابية، ومنها على سبيل المثال: “تقدم”، “لنا”، “لحقي”، “خط أحمر” و”مواطنون ومواطنات”، ونشأت تحالفات مثل “تحالف وطني” و”تحالف تشرين”، لكن أياً من هذه الأحزاب لم يستطع تشكيل قوة شعبية بغياب البرامج التي تحرك العجلات الى الأمام، علماً أن المواجهة مع المنظومة تتطلب استقطاباً شعبياً لمقارعة أحزاب الطوائف والقوى التقليدية التي تدور في الفلك القديم بحراسة حزب السلاح.

وبحسب مصادر التغييريين فإن “هذه المجموعات اجمالاً تنقسم الى ثلاث توجهات: التوجه الأول هو الذي ذهب في طرح الاشكالية اللبنانية مع الانهيار الاقتصادي، للتصويب على مصرف لبنان وحاكمه وجمعية المصارف، يديره الحزب الشيوعي الذي كان ينطلق من أن الأزمة اقتصادية، وبالتالي التغيير ينطلق من التغيير الاقتصادي، ويمكن التعايش مع الواقع السياسي ومع السلاح، ورفع هذا الحزب شعار يسقط حكم المصرف، فمن حلبا حتى الناقورة كانوا يسيرون في التظاهرات مطالبين باسقاط الرأسمال والانتصار للعمال، الا أننا للأسف لم نر في التظاهرات لا عمالاً ولا فلاحين ولا حتى سائقي تاكسي”.

وتضيف المصادر: “كل من خرقوا ونزلوا الى الشارع خلال الثورة هم أبناء الطبقة الوسطى من أطباء ومهندسين ومحامين ورجال أعمال وأساتذة الجامعة والمعلمين وأصحاب الانتاج الذين كانوا يشاركون في التظاهرات ويموّلون أنفسهم بأنفسهم، فالمعروف أن القوى الشعبية لا تنزل الى الشوارع الا اذا وجدت من يقودها، وقد شن وزير الاتصالات السابق محمد شقير في حديثه الأخير، حملة على الناس التي نزلت للاعتراض على زيادة رسم الواتس اب بـ6 دولارات، وقال: أنا كنت أرفض الزيادة ولكن مجموعة ما يعرف بـ 8 آذار هي من فخخت هذا العرض وكانت تحاول قلب الطاولة على الجميع ووضع اليد على الدولة، وكانت تريد من وراء هذا الانقلاب التخلف عن دفع مستحقات اليوروبوند، مما يعني أن الاشكال كان موجوداً قبل الثورة داخل مكونات السلطة بدليل أن الزيادة على خدمة الخلوي اليوم هي أكثر من 20 دولاراً والناس لم تتحرك وبالتالي جاء حسان دياب ليقوم بالمهمة”.

وتتابع أوساط التغييريين: “المجموعة الثانية كانت دوماً في الشارع وطالبت بتطبيق إجراءات تحمي السيادة الوطنية، وكانت ترى أن مشكلة لبنان الأساسية هي سلاح حزب الله وعدم إمكان التعايش معه، داعية الى تطبيق القرارات الدولية التي تمنع الحزب من أسر البلد والذهاب به نحو ايران، وهؤلاء السياديون حاولوا استنفار شارعهم والعمل على تدوير العصبيات الطائفية”.

وبرأيهم أن “الطرفين أغفلا حقيقة فعلية وهي المعادلة العقلانية من مجموعة كان لها طرح مختلف بعيداً عن رؤية المجموعتين، المعادلة تقول بأن الفساد والسلاح هما وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن أن تكون استقلالية للقرار من دون الوقوف في وجه القوى الفاسدة بما فيها من يحمل السلاح، هذه المجموعة انطلقت من ضرورة اعادة الاعتبار الى مؤسسات الدولة وتأكيد استقلالية قرارها وبسط سلطتها بواسطة الجيش الواحد وهيكلة الاقتصاد وتنفيذ مشاريع انمائية واستقلالية القضاء، واعتبرت كل من نزل الى 17 تشرين متمرداً على طائفته وحزبه ومنطقته ويأمل باستعادة لبنان الدولة والسيادة والكيان الاقتصادي ولا يسمح ببناء أي اقتصاد مواز له أو بقضاة يعملون عند السياسيين ويعطلون مجرى العدالة”.

ولا تخفي هذه المصادر أن “التوجهات المختلفة أدت الى خلافات منعت توحيد المعارضة والاتفاق على مشروع أساس وموحد وهو أمر غاب عن كثير من المجموعات الاصطناعية – المركبة التي استطاع حزب الله وأحزاب 8 آذار خرقها بواسطة مجموعات يسارية من أجل التخريب وشرذمة الثورة، وفي طليعة من كان في خدمته مجموعات شربل نحاس والحزب الشيوعي ونجاح واكيم والحركة الثورية للتغيير وقوى الشعب العامل، فكل هؤلاء كانوا يأتمرون بأوامر الأجهزة وحزب الله واستطاعوا تهريب الناس من الشارع نتيجة الترويج للعنف الثوري، لأن الشعب اللبناني كان يريد تحركات سلمية، وكل صحف العالم تكلمت عن السلمية فالثورة أنثى والنساء والأمهات تصدرن المشهد في الساحات. لكن المجموعات التخريبية كانت جاهزة لافتعال المشكلات وتحويل مسار الثورة السلمي، الى مرحلة استطاع خلالها النظام تطويق الثورة وخنقها”.

وبحسب المصادر ان “كثيراً من المجموعات كانت تخفي انتماءها ولم تعرف هويتها، وقد هدر وقت طويل في عملية التنسيق والاجتماعات للاتفاق والخروج ببرنامج موحد لكن هذه النقاشات لم تؤد الى شيء ملموس قادر على استقطاب الناس”.

وتعطي مثالاً عما بذل من جهود قبيل الانتخابات النيابية، حيث “ظهرت مجموعات ادعت أنها منظمة، وتستطيع الخرق مثل مجموعة تحالف وطني ومجموعة شربل نحاس الذي رشح أعداداً توازي نصف البرلمان اللبناني لاعاقة جهود توحيد لوائح الثورة، لصالح السوري والايراني”.

وتشير الى مجموعات أعطت شرعية لها بالعلم والخبر مثل: “حزب 17 تشرين”، “بيروت مدينتي”، “ثوار عكار”، “لحقي”، “لنا” الخ، مستذكرة فترة 15 أيار “حين وضعت الانتخابات جعجعة البعض أمام أمر واقع وكشف عن المجموعات التي استطاعت الدخول الى البرلمان بعد توحيد الجهود لخوض المعارك الانتخابية ضد السلطة الحاكمة. وهي مهمة كانت صعبة وكشفت عن شخصيات تدعي التغيير من الحراك المدني عملت في الثورة لتكون عضواً في البرلمان. وكانت هناك قوى تخون الآخرين مثل لحقي وبيروت مدينتي”، وهناك أحزاب مثل حزب سبعة رأينا ما فعله في انتخابات 2018 لكنه لم يكن بالقدرة نفسها في انتخابات 2022.

وتخلص هذه المصادر الى التأكيد على أهمية العمل السياسي الاعتراضي لتشكيل حالة تغييرية، فلا يمكن بقاء التوجه مبهماً، وهناك أحزاب من الثورة استطاعت تشكيل بنى حزبية فعلية يجب الرهان عليها، مثل “نبض الجنوب” و”أسس” و”تقدم” وغيرها.

المصدر لبنان الكبير