وكأنّه لا يكفي المواطن الطرابلسي صموده أمام طوابير الخبز والشقاء الذي يعيشه منذ أكثر من شهر، حتّى بات عليه أن يتحمّل تداعيات الغش بأنواعه الذي يتعرّض له من بعض الأفران الطرابلسية، حسب ما يقول أحد الطرابلسيين الذي يُشدّد على أنّ “معظم ربطات الخبز التي نحصل عليها لا تُؤكل ولا نتمكّن من هضمها ومضغها بسبب ثقلها على المعدة واللسان”.
وإذْ يُؤكّد عدم حصوله مع عدد من أفراد عائلته منذ بداية أزمة الخبز على ربطة بجودة طبيعية ومقبولة، يلفت إلى أنّ “الخبز لا يتحمّل ساعات إلّا ويتعفن ويتكسر سريعاً، حتّى عندما نضعه باستمرار في البراد… فكلّ المحاولات لا تنفع أمام الغش والخداع اللذين نتعرض لهما علناً”.
ولا يُعدّ هذا المواطن الضحية الوحيدة لهذه الجودة الرديئة من الخبز، بل يشكو المئات من المواطنين من المشكلة عينها، ما يُشير إلى وجود أزمة حقيقية لا ندرك فحواها وأبعادها من جهة، كما تطرح تساؤلات عن الجودة الغذائية التي باتت تدخل إلى أمعاء المواطن لتسميم صحته وعائلته من جهة أخرى.
في الواقع، ليس خافياً على أحد الأزمة التي يُواجهها كلّ من المواطن والأفران مع أزمة الطحين ونتائجها التي تعكس الفساد والإهمال في الدّولة، فالمواطن الذي كان لا يُبالي بربطة الخبز التي كانت تُرمى على الطرقات قرب حاويات النفايات منذ أعوام، أصبح اليوم بأمس الحاجة إليها مع أزمات اقتصادية لم تدخل إلى خط الحلحلة بعد، على الرّغم من المعطيات التي كانت تلفت إلى ظهور مؤشرات “انفراجية” لحلّ أزمة الخبز، لكن أيّاً منها لم ينفذ على أرض الواقع حتّى الآن.
وللحديث عن تفاصيل الفضيحة الغذائية، يقول أحد العاملين السابقين في أحد أفران طرابلس لـ “لبنان الكبير”: “في وقتٍ تغيب الرقابة عن الأفران مع غياب المتابعة المستمرّة لتطبيق القانون، قد يقوم بعض الأفران بخلط الخبز البايت مع الطازج، وهي سياسة تجارية معتمدة لا في لبنان فحسب، بل في بلدانٍ عدّة يعمّ فيها الفساد أيضاً، وبالتالي هذه الفضيحة لا تقتصر على الخبز فقط، بل تتعداه الى مواد غذائية أخرى لا سيما الدجاج الذي يخلطون فيه الحابل بالنابل، فلا يُدرك المواطن ما يأكله، لكنّه يشعر بتغيّر الطعم الذي اعتاد عليه، وكذلك اللحمة في الفترة الأخيرة، حتّى لو دفع ثمنها باهظاً من أهمّ المحال أو المؤسسات المعروفة والمهمّة…”.
ويشير عامل آخر إلى “عملية غش تحصل وراء الكواليس خاصّة في أوقات المساء وذلك بسبب الطوابير والضغط على الأفران، ما يدفعهم إلى تقليل الجودة”، مع العلم أنّ هذا العامل لم يبح بالطريقة التي تعتمدها هذه الأفران لإضعاف مستوى الخبز فيها، ما يُخفي تفاصيل هذه العملية التي لا بدّ من ملاحقتها قانونياً بدءاً من ضرورة اعتماد الرقابة الغذائية، وصولاً إلى أهمّية الاستمرار في متابعة المرتكبين والخارجين عن القانون والأخلاقيات المهنية ومحاسبتهم.
الا أن صاحب أحد الأفران ينفي نفياً قاطعاً عملية إعادة تصنيع الخبز أو مزجه مع البايت، معتبراً أنّ تقصير وزارة الاقتصاد والتجارة مع إغلاق المطاحن الكبرى كانا سببين رئيسين قد يُفسران ويوضحان ما يحدث. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “في فرني الذي يشهد ضغطاً كبيراً منذ ساعات الفجر الأولى، ألتزم فيه قدر المستطاع بالشروط الصحية، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال مراقبة رائحة الخبز أو جودته. وإن كان هناك شكّ في مصداقية عمل الأفران، فليسحبوا عيّنات لفحصها وليُعاقب كلّ من يرتكب مخالفة قانونية فاضحة، لكن أعتقد أنّ الأمر يقتصر على التراجع في كمّية المواد المستخدمة أو القيام بإضافة مواد أكثر من مواد أخرى…”.
ويخالفه في الرأي أحد المواطنين الذي كان يشتري من الفرن نفسه، ويقول: “طلبت من أحد أقربائي وهو يعمل في بيروت أن يشتري لي الخبز من هناك، والكثير من الطرابلسيين طلبوا ذلك من العاملين خارج الشمال، وذلك بعد اكتشافي أنّ الخبز الذي أشتريه من هذا الفرن يتعفّن في اليوم التالي”.
وأخيراً، يُلقي الكثير من المواطنين اللوم على قضية تهريب الطحين إلى سوريا لتكون سبباً رئيساً في هذه المسألة، فيما يُشدّد آخرون على أنّ الغش لا يتعلّق بسوريا فحسب، بل يرتبط “بضمير بعض أصحاب الأفران الذين قلّصوا عدد الأرغفة وحجمها من دون إعلامنا”، إذ يتضح للكثير من الناس بعد شرائهم الربطة الكبيرة أنّها صغيرة في حجم رغيفها وكذلك لناحية العدد، خاصّة في ظلّ الطوابير التي لا تسمح للمواطنين بالانتباه إلى هذه التفاصيل التي يكون بعدها “يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب”.