عرسال البلدة البقاعية المهمشة والمحرومة، التي تنال نصيبها دائماً من خسارة شبابها في مختلف الأزمات، فجعت السبت بالحادث المروع الذي أدى الى سقوط سبعة ضحايا من العائلة نفسها على احدى الطرقات الجردية العرسالية، إثر اجتياح شاحنة لسيارتهم، ما أحدث صدمة كبيرة لدى أهالي عرسال والبقاع عموماً، فما هي تفاصيل هذه الحادثة التي تداولتها معظم وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟ وماذا يقول أقرباء الضحايا؟ وماذا عن فضيحة سائق الشاحنة الذي نقل الى مستشفى الجعيتاوي ولفظ أنفاسه الأخيرة على أبوابه؟
في حديث لموقع “لبنان الكبير” مع حسن الفليطي أحد أقرباء آل الفليطي، قال: “نحن مؤمنون جداً بقضاء الله وقدره، ولكن لا بد من خلال هذه الحادثة والفاجعة الأليمة تسجيل بعض العتب واللوم. العتب الكبير على الجهات الرسمية، سقط ثماني ضحايا في حادثة كهذه والدولة غائبة من دون حس أو خبر ولا حتى بيان يشعرنا أنها الى جانبنا، فهل إستكثروا يوم حداد واحداً على هؤلاء الشهداء؟ يجب العودة الى الانسانية، فهل يعقل أن يتوفى سائق الشاحنة أمام باب مستشفى الجعيتاوي من دون إدخاله تحت حجج معينة؟ عرسال موجوعة دائماً وفي الوقت نفسه لم تبخل يوماً على الوطن، والعرسالي دائماً جاهز للقيام بواجبه تجاه بلده والمناطق كافة”.
ولفت الفليطي الى أن “العرسالي يعمل بكل ما يملك من أجل تأمين لقمة عيشه وقوته اليومي، ويده تعاني من التشققات نتيجة الأوضاع الصعبة”، مشيراً الى أن “عمليات الانقاذ أثناء الحادثة كانت من الأهالي ولا وجود لجهاز منظم يعلم كيف يتعاطى مع هذا النوع من الحوادث”. وتساءل “لماذا لا وجود لأبسط الحقوق لدينا؟ ولماذا ليس هناك مستشفى في عرسال؟ ولماذا الدولة غائبة عن هذه المنطقة منذ مئات السنين؟”.
وأعرب منسق تيار “المستقبل” في عرسال خالد الرفاعي عن حزنه الكبير لما أصاب عرسال وأهلها اثر حادث السير المشؤوم. وروى ما حدث بالتفصيل: “كانت هناك شاحنة محمّلة بأحجار من نوع المقلع (الحجر العرسالي) وحمولتها ما يقارب الـ 50 طناً وآتية من طريق جردي وحدث فيها عطل ميكانيكي (تعطل الفرامل) وفي الوقت نفسه كان هناك على طريق الجرد بيك أب وليس فان كما قيل وبداخله 7 أشخاص من عائلة واحدة هم آل الفليطي وإصطدم بالشاحنة وتوفي من كان فيه على الفور اثر الحادثة”.
أضاف: “اما العنصر المفاجئ فهو سائق الشاحنة ديب غدادي الذي تبيّن أنه كان لا يزال على قيد الحياة، ما دفع أهالي عرسال وشبابها الى الإسراع في إسعافه من خلال تأمين الأوكسجين له، ونقله مباشرة الى مستشفى الجعيتاوي الذي يبعد عن عرسال حوالي 140 كيلومتراً. والفاجعة كانت أن هذا المستشفى المختص بمعالجة الحروق رفض إستقبال الجريح بحجة عدم وجود سرير، والأصعب أنه ترك على باب المستشفى حيث توفي، ولم يتم إسعافه الى غرفة الطوارئ ولا القيام بأي إسعافات أوليّة له”.
وأشار الى أنها “ليست المرة الأولى التي تحصل هذه الأزمات ولا تقتصر على أبناء عرسال فقط، فهناك الكثير من المرضى الذين يموتون على أبواب المستشفيات وهذا الأمر يتطلب قراراً إنسانياً وأخلاقياً وليس قراراً وزارياً”، متسائلاً “أين الانسانية والأخلاق؟ جريح ولديه حروق كبيرة يترك أمام المستشفى؟”.
وقال الرفاعي: “نحن نؤمن بقضاء الله وقدره ولا يمكننا القول سوى إنا لله وإنا اليه راجعون، الله يرحم الضحايا ويصبر ذويهم. عرسال بكت اليوم وما حصل فاجعة كبيرة والأولى من نوعها في تاريخها من حيث عدد الضحايا. نطالب وزير الصحة بالدرجة الأولى والقضاء المختص بفتح تحقيق عاجل مع مستشفى الجعيتاوي واتخاذ الاجراءات المطلوبة. ديب غدادي أو عائلة الفليطي لن يعودوا الى الحياة، ولكن منعاً لتكرار الحادثة مع أي مواطن آخر يصل الى باب مستشفى ويرفض إستقباله تحت أي حجة كانت، ويجب إصدار قرار صارم في هذا الشق، وهذا الملف في عهدة الجهات المسؤولة”.
أضاف: “عرسال تعاني من الحرمان المزمن على مختلف الصعد، لا نطالب ببناء مستشفى جديد ولكن أقله بوجود مستشفى حكومي في مراكز الأقضية بعلبك، الهرمل وزحلة وإنشاء جناح مختص بهذا النوع من الحوادث والجروح. ويصدر تعميم أن هذا النوع من الحالات لا يجب أن يقف أمام أبواب المستشفيات ويموت هناك تحت أي حجة، كما يجب معاملة الشعب بانسانية كاملة”.
وبعد التواصل مع مستشفى الجعيتاوي، أوضح ما حصل من خلال البيان الذي تداوله معظم الوسائل الاعلامية وفيه أنه “تم استقبال المريض د.غ. في طوارئ المستشفى فور وصوله عبر سيارة إسعاف عند التاسعة ليلاً وكانت إصاباته بالغة الخطورة، إذ تعرض لحادث عند السادسة صباحاً، نتجت منه حروق من الدرجة الثانية والثالثة تتعدى نسبة 75% من مساحة الجسم (الوجه، العنق، الأطراف والبطن…)، بالاضافة الى كسر في الورك وجروح متفرقة في الرأس والوجه. وعند وصوله كانت حاله السريرية خطرة جداً: صعوبة تنفس gasping وتدن في مستوى الـ oxygene الى ما دون الـ50% (saturation O2)، ونبضات القلب 47/ الدقيقة (Bradycardie) وفور وصوله أصيب بتوقف في القلب والتنفس (Arrêt cardio respiratoire)، فقام الفريق الطبي والتمريضي بإنعاشه بكل الوسائل اللازمة ولكنه فارق الحياة على الرغم من كل الجهود الطبية. وإذ تتقدم إدارة المستشفى من عائلته بأحر التعازي مع تفهمها الكبير لمصابها، تطلب من وسائل الاعلام والقيّمين على وسائل التواصل توخي الدقة في سرد الوقائع والتأكد من المعلومات من المراجع المختصة قبل نشرها”.
حادثة أليمة وصعبة جداً تعرضت لها عرسال المحرومة من أدنى حقوقها، ودائماً ما يتعرض المواطن البقاعي لهذا التهميش الممنهج من السلطة الحاكمة، فلماذا مصيره وقدره أن يبقى تحت رحمة المسافات البعيدة من أجل الحصول على أدنى حقوقه وخدماته؟ والى متى ستستمر هذه السلطة في ترك شعبها يموت أكثر فأكثر و”على البطيء”؟ كفى ذلاً للعرسالي.