يعيش رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي على وقع الأمثال الشعبية وأغاني الشحرورة صباح، في وقتٍ تشتعل فيه مدينة طرابلس سياسياً، أمنياً، اقتصادياً ومعيشياً، وتعيش في أقسى ظروف كان أبرزها يرتبط بمافيا المولّدات الكهربائية التي يُطلق عنها النواب القدامى منهم والجدد مواقف وتصريحات تلفت إلى ضرورة الحدّ من تمادي هذه الفئة المتعطشة لاستغلال هموم الناس، فيما تُشير المعطيات إلى أنّ نفوذ هذه المافيات التي تُغطى سياسياً منذ وقتٍ طويل، لا يستطيع حتّى النواب الجدد الحدّ من تسلّطها على الناس في محاولة مستمرّة منهم لرفع الصوت أمام المعنيين، لا سيما من أبناء المدينة أيّ كلّ من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، والرئيس ميقاتي، لكن لا إجراءات ميدانية تطال هذا الملف الذي لا يلحقه دعم سياسي، وذلك منعاً لأيّ تجاوز قانوني أو أخلاقي في مدينة يشعر القائمون عليها سياسياً واجتماعياً أنّها باتت حساسة للغاية أمنياً، نظراً الى الكبت الناتج عن ضغوط مختلفة قد يخترقها الغضب والجنون في أيّ لحظة.
ولا يُمكن إغفال خطورة الجمود الحكوميّ الذي يضع البلاد على كف عفريت، ما يسمح لفئات مختلفة سياسياً بتجاوز كلّ الخطوط الحمر تنفيذاً لأجنداتها السياسية، في ظلّ خلافات قائمة بين الفريق العونيّ وميقاتيّ، وهي لا تضع ملف الحكومة على خط العمل الجدي لتأليفها بغية إيجاد حلّ لمختلف الأزمات التي تأخذ طرابلس نصيباً منها لا يُستهان به. من هنا، تلفت معطيات إلى أنّ تمادي “حزب الله” في طرابلس لا يزال مستمراً بوجود دعمٍ ماديّ ومعنوي كان مرفوضاً في وقتٍ سابق عند الكثير من الطرابلسيين وهو لا يزال مرفوضاً حتّى اللحظة بالنسبة الى معظمهم، لكن تخشى أوساط طرابلسية عملية تجنيد قد تحصل لتغيّر من هوية طرابلس واتجاهاتها في مخططٍ واضح يرصده كلّ من يقترب من أجواء هذه المدينة التي باتت تشهد تغيّرات واضحة تُعكر صفو الحياة فيها.
في الواقع، ينشغل ميقاتي في الفترة الأخيرة بالملف الحكومي وبخلافاته مع رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، فيما يخوض أبناء مدينته حرباً قاتلة مع الفقر والعوز، ومع العصابات التي تفرض قوتها ونفوذها بقوّة التهديد والسلاح للسرقة والنشل، فيما يغفل عن حقوق أبناء مدينته الذين يقطعون الطرق ويعيشون تحت رحمة المخدّرات وحشيشة الكيف، بينما يعيش آخرون منهم تحت إمرة سلطة سياسية أرادت رسم صورة مغايرة لحقيقة هذه المدينة وربطها بالإرهاب مع إغفال حقوق المظلومين من الموقوفين الإسلاميين الذين يرفعون صوتهم مراراً، عسى أن تُقدم هذه الدّولة على خطوة إيجابية لحلّ الملف، فضلاً عن فئة أخرى تُنازع يومياً الفقر بشحذها الأموال والأدوية التي حرمت وأهاليها منها، بعيداً عن أيّ خطوة وزارية قد تأخذ هذه المدينة إلى برّ الأمان، وذلك بدلاً من قيام الكثير من الطرابلسيين بالتحدّث مع أنفسهم في الشوارع بعد الضغط الكبير الذي يُواكبونه اقتصادياً، ما يرمز حرفياً إلى “العصفورية” التي غنى لها ميقاتي منذ ساعات.
وإذا كان ميقاتي تحدث عن “عصفورية” كانت طرابلس إحدى ضحاياها، فوزير الداخلية وهو ابن المدينة أيضاً يثير الجدل بتصريح ملفت له من دار الفتوى منذ أيّام، أشار فيه إلى أنّ “الوضع الأمنيّ جيّد، ولا انهيار أمنياً”، الأمر الذي أثار استغراب العديد من المواطنين الذين شعروا بأنّ الوزير كان في عالم، بينما هم في عالم آخر تملؤه جرائم القتل والنشل لا سيما في الأشهر القليلة الماضية التي شهدت عنفاً غير مسبوق شمالاً، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول الواقع السياسي الذي تعيشه المدينة “المنتجة” و”الولّادة” لأهم الوزراء في تاريخ لبنان، والدور الذي بات يلعبه هؤلاء الوزراء الذين لم يدع أيّ منهم إلى اجتماع تتخذ فيه سلسلة من القرارات القابلة للتطبيق، حفاظاً على أمن المدينة التي غُيّب عنها الأمان وسرقت منها كلّ قدراتها التنموية، والاكتفاء بمواقف من الأمنيين أو السياسيين تنديداً بالواقع الخطير الذي تعيش المدينة تحت وطأته، “وذلك لأنّهم يُدركون المأساة الشعبية والكارثة الأمنية التي ستفرض نفسها بعد حرمان الطرابلسيين والشماليين من أبسط حقوقهم، وما كانت الاعتصامات والاحتجاجات التي وصلت إلى منزليّ مولوي وميقاتي إلّا للإشارة إلى حجم الغضب والحزن اللذين يغرقان المواطن الشمالي، وهو مؤشر سلبيّ قد يسمح لطابور خامس بالدخول على الخطّ، في حال تقرّر البدء بعملية التفجير الأمنيّ المتوقّع”، وفق ما يقول أحد المتابعين لأبرز القضايا الطرابلسية لـ”لبنان الكبير”.