بين ساسة لبنان ورياضييه… مقارنة بديهية على 4 مستويات

25 يوليو 2022
بين ساسة لبنان ورياضييه… مقارنة بديهية على 4 مستويات
 ميرنا سرور
ميرنا سرور

في خضم أزمةٍ غير مسبوقة، وبإمكانات يصفها متابعون بالضعيفة، تمكن منتخب لبنان لكرة السلّة من تحقيق إنجازه بالأمس. مصطلح الانجاز هذا لطالما تكرر على مسامعنا طيلة أعوام في السياسة، وما أوصلنا إلّا إلى ما نحن فيه من خراب اليوم، ولكن رياضياً اختلف الأمر، لقد أفرحنا المنتخب الوطني، أعطانا الكثير من الأمل، وفرض مقارنةً بديهية على أربعة مستويات:

أولاً: من بلد “مكسور ومليء بالحزن” على حدّ تعبير اللاعب وائل عرقجي، وبإمكانات محدودة، غادر المنتخب للمشاركة في بطولة كأس آسيا، وعاد فائزاً بالمركز الثاني على مستوى القارّة.

مشهديّة وفد الفريق مغادراً وعائداً عبر مطار رفيق الحريري الدولي تفرض حكماً مقارنةً صورية في أذهان اللبنانيين، بين هذا الوفد الرياضي الذي غادر وعاد بإنجاز حقيقي، وبين مئات الوفود السياسية “الفخمة” والضخمة الإمكانات، التي غادرت لتمثل لبنان في محافل دولية وعادت مثقلةً بالخيبات والانتقادات.

على سبيل المثال لا الحصر، وفد رئيس الجمهورية ميشال عون الفضفاض الذي غادر في أيلول 2019 للمشاركة في أعمال الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي الى جانب ضخامة عدد المشاركين فيه من دون مبرر، كلف الخزينة مليون دولار، وفي زمن “التقشف”، وعاد طبعاً خالي الوفاض.

ثانياً: جميلةٌ كانت مشهدية توحد اللبنانيين تعاطفاً مع أبطال منتخبهم الوطني من كل حدبٍ وصوب، من الداخل ومن بلدان الاغتراب.

هؤلاء اللبنانيون ليسوا قبائل وشعوباً قابلة للتقسيم، بل شعبٌ واحدٌ متعطش لبريق أملٍ، والعيب ليس في الشعب، بل في زعماءٍ يدّعون المسؤولية، لم ولن يحققوا يوماً إنجازاً يستحق أن يقف اللبنانيون جميعهم وراءه مهنئين، كما أنهم لن ينالوا حتماً غيضاً من فيض “الحب” الذي ناله أبطال منتخب كرة السلّة.

ثالثاً: في ما حدث أمس فلسفة تفسّر أزمة لبنان الوجودية، ففي هذا البلد الكثيرون ممّن هم قادرون فعلاً على تحقيق الإنجازات، إلا أن هؤلاء لا يولون ما يستحقون من اهتمام، فاسثتمار المقدرات العامة دائماً ما يكون في غير مطرحه المناسب، وذلك علّة العلل، فلا المنتخب الوطني أُعطي ما يستحق من دعم مادي ولوجيستي، ولا الأفراد القادرون على الإنجاز في كافة المجالات ينالون أياً من هذا الاهتمام والدعم.

وبالحديث عن كيف تُستثمر مقدرات الدولة في غير مكانها، نذكر مثلاً ما حدث أثناء تنظيم معرض “اكسبو 2020 دبي” واستماتة القطاع الخاص اللبناني للمشاركة نظراً الى ما في هذا المعرض من فرص، إلا أن القطاع لم يلقَ أي دعمٍ من الدولة اللبنانية، ولم يكن ليشارك لولا أن قدمت الإمارات بناء الجناح اللبناني كهبة منها، بكلفة تبلغ نحو 3 ملايين دولار أميركي، ولو أن وزارة الاقتصاد عقدت شراكة مع الهيئات الاقتصادية حتى تُموّل مشاركة لبنان في المعرض.

رابعاً: أثلج صدور اللبنانيين سعي لاعبي منتخبهم الوطني الدؤوب والصادق الى نيل المركز الأول في البطولة حتى الدقائق الأخيرة من المباراة النهائية التي جمعتهم بالمنتخب الأسترالي، وكيف أنهم رغماً عن كلّ التعب والجهد حاولوا خطف إنجازٍ أكبر، لا من أجل شيء سوى أن يمنحوا قسطاً من الفرح للبنانيين.

هذا الجهد والسعي والصدق يفتقر إليه معظم أهل السياسة في لبنان، هم الذين ينصرفون الى التعطيل والمناكفات بدل النظر في معاناة شعبهم المتزايدة، لو كانت لديهم ذرّة ممّا لدى لاعبي المنتخب من مصداقية لما وصلنا الى “جهنم”.

تبرع الدولة اللبنانية بزف الخيبات الى مواطنيها، وفي المقابل تأتيهم الأفراح من الإنجازات من خارج دوائر السلطة والساسة دائماً، ولعلّ في هذا الأمر نفسه أملاً كبيراً، وحينما نقول اننا نحب لبنان، فهذا هو لبنان الذي نقصده، إذ لهم لبنان الخيبات والويلات والحروب والتقسيم، ولنا لبنان الإنجازات والحياة والمواطنة الحقة.