حديث الساعة هو اهراءات القمح في مرفأ بيروت، التي لولاها لكان عصف الانفجار أكثر تدميراً. هي اليوم موضع جدل بين فريقين، فريق يريد المحافظة عليها وهو بعض قوى المعارضة ونواب التغيير، وآخر يريد هدمها وهو القوى التقليدية في السلطة، وكل منهما يتسلح بوجهة نظر، اذ يعتبر الفريق الذي يسعى الى هدمها أن وجودها لا يفيد بل يشكل خطراً، كونها معرضة للسقوط، أما الفريق الذي يريد بقاءها فيعتبرها جزءاً من التراث والذاكرة الجماعية، متسلحاً بمطالب بعض أهالي شهداء الانفجار.
يشب الحريق منذ ثلاثة أسابيع في الاهراءات، وعلى الرغم من كل المساعي لا يبدو أنه يمكن اخماده، وسط تحذيرات الى أهالي المناطق المجاورة بأخذ الحيطة والحذر عند سقوطها، اذ أنها قد تتسبب بغبار قوي يمكن أن يؤثر صحياً على القاطنين في محيط المرفأ.
وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “اهراءات القمح ليست من صلاحيات وزارة الثقافة ولا تصنّف كمعلم أثري، إلا أنها يمكن أن تخضع لطابع المباني التراثية، وهي مسألة نسبية وقابلة للتقدير، ويمكن تصنيفها مبنى تراثياً اذا تم ربطها بالذاكرة الجماعية للمدينة”، مشيراً الى أن “المباني التراثية لا تخضع بالضرورة لوزارة الثقافة ويمكن أن تكون لها لجان مختصة بها، هي التي تكون معنية بالمحافظة عليها”.
اما عضو كتلة نواب التغيير النائب ملحم خلف ففنّد لموقع “لبنان الكبير” خلفيات المطالبة بالمحافظة على اهراءات القمح، قائلاً: “هناك أمر أساس من خشية أهالي شهداء المرفأ جرف هذا المعلم، هو أن تكون هناك أشلاء لأقاربهم في هذا الموقع. الأمر الثاني هو أن الانسان يحب أن يبقي على ذاكرة حية، تكون كتحذير من عدم التكرار بل تترجم ما أصاب الوطن والجماعة جراء انفجار في 4 آب، على غرار عدد كبير من البلدان التي أصابها وجع أبقى بصماته عليها، فمثلاً هيروشيما كان يمكن جرف كل شيء فيها، إلا أنهم أبقوا على معلم قبة غنباكو، الذي أصبح للبشرية جمعاء ذاكرة كي لا تتكرر، لذلك يجب أن تبقى الاهراءات ذاكرة حية لبيروت، وأكثر من ذلك هي التي حمت نصف المدينة”.
وأشار خلف الى أن “حريقاً في الاهراءات اشتعل منذ حوالي ثلاثة أسابيع، لمدة سبعة أيام، ولم تتخذ أي تدابير لاخماده، الأمر الذي دفع ثلاثة نواب للنزول إلى المرفأ مصطحبين معهم وزراء البيئة والاقتصاد والأِشغال، وكذلك حضر محافظ بيروت وممثل للدفاع المدني، وتم اتخاذ قرار وقتها أن يتم العمل على إخماد الحريق، وبالفعل بدأ الجيش في اليوم الثاني طلعات جوية لمحاولة إخماده، ولكن لم تفض إلى نتيجة، ثم كانت محاولة أخرى من الدفاع المدني ولكن لم يكتب لها النجاح أيضاً، مما حدا إلى صدور البيان الذي حذر الناس المقيمة قرب المرفأ من خطر سقوط الإهراءات، وهذا تسبب بحالة هلع”، مشيراً الى “أننا اعتمدنا سابقاً على دراسات، ومنها لنقابة المهندسين، أنه يمكن تدعيم الجزء الصامد من الاهراءات وبالتالي ليس بالضرورة هدمه، ولذلك قدمنا اقتراحنا بشأن المحافظة على الاهراءات، وفقاً لتلك المعطيات، وعلى المعنيين التوضيح لنا وللناس ماذا يحصل”.
بينما تؤكد القوى والوزارات المعنية خطر الاهراءات، ترى جهات أخرى أن هناك الاهمال الاعتيادي من السلطة، وهذه الاهراءات يجب أن تبقى كشاهد على التفجير الأليم الذي أًصاب المدينة، ولكن باستثناء ذوي الضحايا، هذا الأمر دخل في المزايدات السياسية، فموضوع الاهراءات يجب أن يخضع للمعاينة التقنية، ويصدر تقرير تقني يشرح كل المعطيات للناس، وإن كانت هناك فعلاً خطورة ببقائها، سيكون أهالي الضحايا أول المتفهمين، أما السكوت أو الكلام في الاعلام فسيدعهم للشك والريبة، ويجعلهم متمسكين بمواقفهم أكثر، ولا يلام بعض النواب الذين يخوضون المعركة من أجلهم، فليس بالضرورة أن يكون النواب خبراء في هذا الموضوع، ومن واجب المعنيين اليوم التوضيح بالتفاصيل المملة.