بكينا دماً من العهد الـ “بلا دم”

10 أغسطس 2022
بكينا دماً من العهد الـ “بلا دم”
آية المصري
آية المصري

حل عهد ميشال عون منذ ست سنوات، لم يبق فيها للمواطن اللبناني أي طموح من أجل التفكير في مستقبله. الأزمات والانهيارات لم تتوقف ولم تغب، واحدة تلو الأخرى، وجميعها ساهمت في جعل الشعب يبكي بصورة شبه متواصلة. وقبل الانتهاء من هذا العهد المشؤوم نزل كائن فضائي من كوكبه ليحذرنا بكل وقاحة من أننا “رح نبكي دم” عندما يغادر ميشال عون قصر بعبدا.

هذا الكائن الغريب العجيب الذي يدعى سليم عون ينتمي الى مدرسة ميشال عون و”التيار الوطني الحر”، مدرسة مختصة بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، ومديرها جبران باسيل يعطي دروساً في كيفية إسترجاع الحقوق المسيحية.

مدرسة لا مثيل لها، علمت اللبنانيين طيلة ست سنوات كيفية التأقلم مع الفساد المستشري، أعطتهم دروساً في البكاء على أبواب المستشفيات لأنهم عاجزون عن دخولها، ودروساً في الذل أمام الصيدليات وشراء الأدوية عبر السوق السوداء، وجعلتهم يتوسلون على أبواب الأفران من أجل ربطة خبز والانتظار في طوابير محطات الوقود لساعات وساعات…

هذه هي مدرستكم يا سعادة النائب، وهذه أخلاقكم ومبادئكم. لن نبكي بعد مغادرة فخامة الرئيس بعبدا لأن دموعنا جفت بعد كل هذه الانهيارات التي تعايشنا معها… ودموع الأمهات والأهالي لم تتوقف لحظة واحدة بعد جريمة العصر الكبيرة المتمثلة في إنفجار 4 آب.

ولن ننسى إستنفار الرئيس عون يومها مطالباً القضاء بإجراء التحقيقات اللازمة لكشف ملابسات الإنفجار، ولا نزال بعد عامين لا نعلم من أدخل النيترات ومن خزّنها ومن فجرها ومن هم المجرمون الحقيقيون. كما أن فخامته كان يعلم بوجود النيترات قبل أسبوعين من الإنفجار، فماذا حدث؟ زارنا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متعاطفاً مع الشعب المقهور وتحدث الى أهالي الضحايا واستمع الى مطالبهم وواساهم، في حين أن “بي الكل” ظل متمركزاً في قصره.

فهل العائلات والأمهات لم تبكِ دماً؟ انها لا تزال تبكي دماً على أرواح شهدائها ولن يجف دمعها قبل معرفة الحقيقة.

بشّرنا فخامته بكل صراحة ومن خارج الورقة المكتوبة بأننا “رايحين على جهنم”، واذا بنا نتخطى مراحل جهنم بأشواط، فهل لم نبكِ دماً؟ ولا ننسى سقوط الضحايا في إنفجار التليل، وفي مراكب الموت التي لم تتوار لحظة عن طرابلس الحبيبة، فهل الأهالي لم يبكوا دماً؟

مرضى السرطان بكوا دماً أمام الجهات المعنية ووسائل الإعلام لأن علاجهم لم يعد متوافراً، وإنقطاعه لم يكن في الحسبان ناهيك عن إرتفاع الاسعار بصورة خرافية بحيث توقف الكثيرون عن أخذ علاجهم اللازم وعن القيام بالفحوص المخبرية الضرورية، فهل هؤلاء لم يبكوا دماً في عهد الجنرال؟

سويسرا الشرق لم تعد قادرة على تحمل ظلامها وعتمتها الشاملة، والعاصمة بيروت باتت شبيهة بمدينة الأشباح قلة من تقصدها للتبضع، وغالبية الشركات الدولية أقفلت فروعها في لبنان، ومعظم المحال التجارية أعلن إفلاسه أو توقفه عن العمل، فعن أي دم تتحدثون؟

الفقر زاد أضعافاً وعدد كبير من التلاميذ توقفوا عن ارتياد مدارسهم نتيجة إرتفاع الأقساط، والحال نفسه لدى طلاب الجامعات الخاصة قبل الرسمية. البطالة متفشية والغلاء المستشري والفاحش “ينهشك” داخل السوبرماركت والمحال وفي كل مكان تقصده، فهل توقفت دموع الأهالي؟

الطفل الذي كبر أكثر من عمره وبات يخاف أن يطلب دمية صغيرة، ألم يبكي؟ العائلات التي إضطرت الى إخلاء منازلها نتيجة الإيجارات المرتفعة ألم تبكي؟ الجندي الذي يقضي ساعات يومه في الخدمة ويتحمل مسؤولية أسرته ولم يبخل بتقديم دمائه تجاه وطنه مع العلم أن راتبه لا يكاد يكفيه بدل نقل، ألم يبكي؟ الموظف الذي يعمل طوال اليوم من دون راحة وراتبه لا يكفيه إيجار منزله أو الاشتراك في مولد الكهرباء، ألم يبكي؟ سائق التاكسي الذي يعمل ليلاً نهاراً وبالكاد يستطيع تعبئة سيارته بالوقود ويصعب عليه إدخال مئة ألف ليرة الى منزله، ألم يبكي؟ من يبقى من دون كهرباء في هذا الجو الخانق نتيجة جشع أصحاب المولدات وكل فواتيره يدفعها بالفريش دولار، ألم يبكي؟ من يصعب عليه تأمين وحدات الدم لوالده المريض نتيجة طلب المستشفيات ثمنها التعجيزي بمئات الدولارت، ومن تعذر عليه معالجة والدته قبل وفاتها ألم يبكي؟ من غادر البلاد بحثاً عن مصدر رزق وترك أهله الذين باتوا كباراً في السن يذرفون الدمع حسرة ووجعاً، ألم يبكي؟

جرائم حلفائكم وشعاراتهم وتصريحاتهم ضد الدول الصديقة التي لم تبخل يوماً في تقديم المساعدات لنا، واللبناني القلق والخائف باستمرار من ترك هذه الدول التي احتضنته نتيجة سياساتكم الجاهلة والحاقدة، ألم يبكي؟ اما إنجازاتكم فتتمثل في توقيف من شتم موقع الرئاسة أو الادعاء على صحافي كتب مقالاً ضد فخامة الرئاسة وعيون الصهر، في محاولة لاخضاع القلم الحرّ الى محاكم لا تشبهه ولا تمت إليه بصلة.

أخيراً، نؤكد لك ولأمثالك أيها النائب الذي تمثل الأمة أننا بكينا كثيراً في عهد رئيسك، في كل الأماكن والمراكز والمواقف، وبسبب الذل الذي تعرضنا له ولا تتقبله شعوب أخرى… وبعد 82 يوماً لن نبكي دماً، بل سنذرف دموع الفرح ونملأ الساحات والشوارع فرحاً ورقصاً لأن رئيس جهنم وصهره المدلل وفرقة المطبّلين والمزمّرين رحلوا عنا بعدما أذاقونا من المر والقهر ما يكفي.

المصدر لبنان الكبير