الترسيم، الترسيم، الترسيم… أينما تذهب في لبنان لا يكون الحديث الا عن التطورات في ملف ترسيم الحدود البحرية، بل ذهب البعض أبعد من ذلك وبدأ بإطلاق شعار “لبنان بلد نفطي”، ولكن بعيداً عن وحول السياسية، وإن كان الأمر انتصاراً أم لا، وبعيداً عمن يعود اليه الفضل في إنجاز هذا الملف، كم ستكون عائدات لبنان من استخراج الغاز؟ وهل هناك كميات تستطيع النهوض بالاقتصاد اللبناني؟
كثيرة هي التقديرات التي تتحدث عن كمية الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها في الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وأوضح مصدر نفطي لبناني رفيع المستوى في اتصال مع “لبنان الكبير” أنه “وفق دراسات خاصة للكيان الاسرائيلي عن التقديرات للكمية الموجودة في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، والتي تعد مساحتها أكثر من 800 كيلومتر، تتخطى عائداتها الـ 90 مليار دولار، ويبقى أن تصدر شركة توتال تقريرها النهائي عند بدء عمليات المسح من جديد”.
من جهة أخرى، كان خبير الصناعات الغازية لدى منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك” وائل حامد عبد المعطي نشر تغريدات عدة على موقع “تويتر” في بداية شهر تشرين الأول الجاري، تناول فيها ملف الغاز اللبناني، وجاء فيها: “نجاح #لبنان في الاتفاق على ترسيم حدوده البحرية بما يضمن حقوقه سيعطي دفعة قوية نحو البحث عن ثرواته الغازية التي لم تكتشف بعد (وتحمل أرقاماً مبشرة للغاية) كافية لسد احتياجاته من الطاقة وتصدير الفائض مستقبلاً #لبنان_بقوته_بياخد_حقه.
هل #لبنان يحتوي على احتياطيات كبيرة من الغاز؟ وما تقديراتها المتوافرة؟
على مدار العقدين الماضيين تم جمع بيانات المسح السيزمي ثنائي وثلاثي الأبعاد في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 22,730 كم2، وبحسب المعطيات الأولية يوجد 25 تريليون قدم مكعب غاز في الركن الجنوبي الغربي.
تضم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان عشر مناطق بحرية تتراوح مساحتها بين 1201 إلى 2374 كم2 للمربع الواحد، وأسندت عمليات البحث في قطاعين منها (القطاع-4 والقطاع-9) إلى ائتلاف من ثلاث شركات (توتال وإيني ونوفاتك الروسية) وانسحبت نوفاتك مؤخراً لتؤول حصتها إلى الحكومة اللبنانية.
بتقديري إن نجح لبنان خلال السنوات القليلة المقبلة في استخراج الغاز من مياهه الاقتصادية (المنطقة الاقتصادية الخالصة) سيكون لاعباً مهماً على المسرح الاقليمي، وموقعه الجغرافي يؤهله لذلك، علماً بأن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان تمتد على 30% من حوض ليفانتLevant الروسوبي (الغني بالغاز)”.
وتناولت تقارير عدة سابقاً كميات الغاز المتواجدة على طول الساحل اللبناني، وتحدث عنها العديد من الخبراء والسياسيين، وعلى الرغم من تفاوت الأرقام بينهم، إلا أن الجميع متفق على أن الكميات الكامنة في بحر لبنان، هي كميات ضخمة ستشكل عائدات كبيرة للدولة اللبنانية، بل وصل البعض إلى اعتبار أن الكميات هذه قد تصل إلى 5 أو 6% من السوق العالمية للغاز.
ولكن على الرغم من وجود هذه الكميات، هناك من يعتبر أن لبنان خسر ثرواته أصلاً، أو على الأقل هذه الكميات سرقها العدو الاسرائيلي في فترة التفاوض الطويلة. وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي والمالي إيلي يشوعي في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “ربما كانت هناك احتياطات غازية منذ 3 أو 4 سنوات، ولكن اليوم ليس هناك ما يؤكد وجود هذه الاحتياطات، فماذا يضمن أن اسرائيل لم تشفط هذه الكميات أو بعضاً منها خلال سنوات التفاوض؟ لذلك كل التقديرات السابقة بالثروات لا يمكن الاعتماد عليها اليوم، لأنها يمكن أن تكون سُرقت، إضافة إلى ذلك حقل كاريش ملاصق لحقل قانا، ويمكن لاسرائيل أن تشفط من الثروات اللبنانية، ولا يُعرف أنها تقوم بذلك، عدا عن أن في الاتفاق حقوقاً مالية لاسرائيل على شركة توتال فهل من المعقول أن تدفع توتال من جيبها؟ بالتأكيد لا هي ستدفع لها من الغاز التي ستستخرجه من حقل قانا، لذلك أنا أستنكر التهليل الذي يحصل، وأتمنى ألا يكون لبنان فاتته فرصة الافادة من ثرواته النفطية”.
وفق التقديرات القديمة، كميات الغاز الموجودة في البحر، قد تشكل عائدات ضخمة للبنان، لا تنتشله من أزمته الاقتصادية وحسب، بل قد تجعله لاعباً أساسياً في سوق الغاز العالمية، ولكن هناك احتمال أن العدو الصهيوني قد سرق من هذه الثروات، وهذا يدعو إلى عدم الاعتماد على الدراسات القديمة، ووجوب إجراء مسح جديد، يعطي التقديرات الدقيقة للثروات الكامنة في البحر اللبناني، ولا يمكن اعتبار لبنان بلداً نفطياً قبل اكتشاف أول بئر تجارية، على أمل أن لا يكون مصير عائدات الغاز مثل عائدات الاقتصاد اللبناني سابقاً، ويتم تقاسمها كقطعة الجبنة.