مره جديدة، تُثبت بيروت أنها ساحة سياسية حيوية، ولكنها أيضًا ساحة مغلقة إلى حدّ بعيد أمام التغيير الفعلي.
في الانتخابات البلدية الأخيرة، جاءت النتائج لتكرّس هيمنة التحالفات الحزبية التقليدية، على حساب قوى التغيير والمستقلين، رغم كل الشعارات التي رُفعت منذ انتفاضة 17 تشرين وحتى اليوم.
الأحزاب تكتسح الصناديق… بلا منافسة حقيقية
لائحة “بيروت بتجمعنا”، المدعومة من ائتلاف واسع يضم أحزاب السلطة، تمكّنت من الفوز بجميع مقاعد المجلس البلدي للعاصمة، محققة غالبية مريحة في عدد الأصوات، بالرغم من نسبة اقتراع لم تتجاوز 20%.
هذا الفوز لم يكن مجرد تفوّق عددي، بل أعاد التأكيد على قدرة الأحزاب التقليدية على تعبئة قواعدها، وتنظيم صفوفها، والتحكّم بماكينة انتخابية ضخمة تفوقت على خصومها.
لماذا فشل المستقلون؟
في المقابل، جاءت لوائح المستقلين، وعلى رأسها “بيروت مدينتي” و**”بيروت بتحبك”**، مفككة، غير منسقة، وتفتقر للموارد والتنظيم. لم تنجح هذه القوى في تشكيل جبهة موحدة، وهو ما تسبب بتشتّت الأصوات، وسمح للائحة الأحزاب بالتقدم بسهولة.
تشتيت الأصوات، والمزاجية في التصويت، إضافة إلى غياب ثقة جزء كبير من الناخبين، جعلت العديد من البيروتيين يعزفون عن التصويت، ما أعطى الأحزاب فرصة ذهبية لاستعادة السيطرة دون مقاومة حقيقية.
مقاطعة صامتة وصوت غائب
النسبة المتدنية للاقتراع في بيروت لم تكن مجرد صدفة، بل هي تعبير واضح عن حالة إحباط يعيشها الناخب البيروتي، الذي يشعر أن اللعبة الانتخابية محكومة سلفًا.
فالمقاطعة هنا لم تكن بالضرورة سلبية، بل كانت موقفًا سياسيًا ضمنيًا ضد ما يُعتبر “مسرحية ديمقراطية”.
إعادة إنتاج النظام البلدي القديم
مع فوز لائحة الأحزاب، تعود العاصمة إلى حضن السلطة المركزية.
البلدية، التي يُفترض أن تكون مساحة للإدارة المحلية المستقلة والمحاسبة الشعبية، تتحول مجددًا إلى امتداد سياسي للأحزاب.
لا صوت للمعارضة، لا تمثيل للقوى التغييرية، ولا مشروع بلدي مستقل عن الحسابات الحزبية والطائفية.
ماذا بعد؟
المرحلة القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا:
هل ستُحدث الأحزاب تغييرًا حقيقيًا في الأداء البلدي؟
أم أنها ستُعيد تكرار النهج القديم من المحاصصة والشلل الإداري؟
في كل الحالات، يبقى التحدي الحقيقي هو كيفية استنهاض قوى المجتمع المدني، وتوحيد صفوفها، وإعادة بناء ثقة المواطن بالعمل السياسي المحلي.