“فايسبوك” يفرض قيوداً على كلمة “صهيوني”.. منذ 2019!

18 مايو 2021
“فايسبوك” يفرض قيوداً على كلمة “صهيوني”.. منذ 2019!

انتشرت في الأيام القليلة الماضية طريقة مبتكرة اعتمدها ناشطون وصحافيون عرب للتحايل على خوارزمية “فايسبوك” التي تستهدف المنشورات الناقدة للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، عبر الكتابة بلا نقاط عبر برمجيات خاصة. ولا يعتبر ذلك الجهد عبثياً أو تكراراً لنظرية مؤامرة بأن “فايسبوك” من بين كافة مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، يعتبر الأكثر انحيازاً لإسرائيل في ما يخص الصراع في المنطقة، بل هو استجابة لواقع أكدته تقارير إعلامية ذات صلة.

وكشف موقع “أنترسبت” الأميركي القواعد الداخلية التي وضعتها إدارة “فايسبوك” لتعديل مصطلح “صهيوني” في سياق مواجهة الانتقادات الموجهة لإسرائيل وسط موجة مستمرة من الانتهاكات والعنف الإسرائيلي، موضحاً أن تلك القواعد سارية منذ العام 2019، وتتعارض مع ادعاءات الشركة في آذار/مارس الماضي بعدم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يجب التعامل مع مصطلح “صهيوني” على أنه مرادف لكلمة “يهودي” عند تصنيف منشورات الأفراد على أنها خطاب كراهية أم لا.

ولا تشمل القواعد موقع “فايسبوك” وحده، بل تمتد لتطاول التطبيقات الفرعية التابعة للشركة العملاقة مثل “أنستغرام”. وتواجه تطبيقات الشركة اتهامات بالرقابة بعد الإزالة المتقطعة وواسعة النطاق للمنشورات الأخيرة من المستخدمين المؤيدين للفلسطينيين الذين ينتقدون الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك أولئك الذين وثقوا حالات عنف الدولة الإسرائيلية.

يأتي ذلك بعدما اجتاحت أعمال عنف جماعية في إسرائيل وغزة منذ الأسبوع الماضي. حيث اندلعت التوترات وسط احتجاجات فلسطينية ضد عمليات إخلاء مزمعة في القدس الشرقية المحتلة لإفساح المجال أمام المستوطنين اليهود. وفي نهاية المطاف، اقتحمت قوات الأمن الإسرائيلية مجمع المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس. وردت حركة “حماس” الفلسطينية بإطلاق صواريخ على إسرائيل. وشنت إسرائيل بدورها عمليات قصف جوي وهجمات مدفعية واسعة النطاق على قطاع غزة الفلسطيني المحتل، ما أسفر عن مقتل أكثر من 120 شخصاً، من بينهم 20 طفلاً. وأصيب ما لا يقل عن 900 فلسطيني منذ يوم الاثنين. وذكرت التقارير أن سبعة أشخاص في إسرائيل، بينهم جندي وطفل، لقوا حتفهم نتيجة العنف، وأصيب أكثر من 500″.

وقال داني نوبل، مسؤول منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” الذي راجع القواعد: “يزعم فايسبوك أن سياستهم بشأن كلمة صهيونية تتعلق بأمان اليهود، لكن وفقاً لمقتطفات سياسة المحتوى الخاصة بهم، يبدو أن صناع القرار في فايسبوك أكثر اهتماماً بحماية المستوطنين الإسرائيليين الصهاينة والحكومة الإسرائيلية من المساءلة عن هذه الجرائم”.

ورغم عدم ربط أي من إزالة محتوى “فايسبوك” و”أنستغرام” بشكل قاطع بمصطلح “صهيوني”، أبدى المستخدمون المؤيدون للفلسطينيين انزعاجهم من إخفاء المنشورات والإشعارات بانتهاكات السياسة خلال الأسبوع الماضي. إلا أن إدارة “فايسبوك” تقول: “إن الحذف المفاجئ للمحتوى المقلق للغاية، الذي يوثق عنف الدولة الإسرائيلية كان مجرد حدث عابر”. وعند حديثها عن مشكلة المنشورات المحذوفة، والعديد منها حول المحاولات الأخيرة للاستيلاء على منازل فلسطينية من قبل مستوطنين إسرائيليين، ألقت المتحدثة باسم “فايسبوك” صوفي فوغل، باللوم، على “مشكلة تقنية أوسع” غير محددة في “أنستغرام” أدت إلى سلسلة من عمليات الحذف “الخاطئة” و”الأخطاء البشرية”.

وقالت المتحدثة الأخرى كلير ليرنر: “نسمح بالمناقشة النقدية للصهيونية، لكننا نزيل الهجمات ضدهم عندما يشير السياق إلى استخدام الكلمة كمرادف لليهود أو الإسرائيليين، وكلاهما خصائص محمية بموجب سياسة خطاب الكراهية”. وأضافت: “نحن ندرك حساسية هذا الجدل، وحقيقة أن كلمة صهيوني باتت تُستخدم بشكل متكرر في نقاش سياسي مهم. لا نهدف أبداً إلى خنق هذا النقاش، ولكن للتأكد من أننا نسمح بأكبر قدر ممكن من الكلام، مع الحفاظ على أمان كل فرد في مجتمعنا”.

ورغم أن إدارة “فايسبوك” لم تقدم تعليقاً حول موعد تطبيق القواعد والتناقض الواضح مع تصريحاتها العامة بأن مثل هذه السياسة مازالت قيد الدراسة ولا يتم استخدامها، فإن بعض منشورات الفلسطينيين في “فايسبوك” و”أنستغرام” اختفت ببساطة، ما يشير إلى وجود مشكلة فنية من نوع ما، يمكن أن تكون سبباً معقولاً. وأفاد العديد من المستخدمين بتلقي إشعار بإزالة منشوراتهم لأنها انتهكت قواعد الشركة ضد “خطاب الكراهية” أو “الرموز”.

والحال أن هذه الانتهاكات المزعومة تشكل واحدة فقط من العديد من المحظورات المستمدة من مكتبة مستندات “فايسبوك” الداخلية التي تملي ظاهرياً ما هو مسموح به وما يجب حذفه لجمهور الشركة الذي يبلغ تعداده مليارات الأشخاص. وسبق أن تراجعت “فايسبوك” عن مسألة ما إذا كان سيضيف لفظ “صهيوني” إلى لائحة رئيسية يحتفظ بها لفئات محمية من الأشخاص، وأخبر الناشطين الفلسطينيين في مؤتمر افتراضي في آذار/مارس الماضي بأنه لم يتخذ “أي قرار” بشأن هذه المسألة.

ويشير مصطلح “الصهيونية” بالمعنى الدقيق للكلمة، إلى الحركة التي دافعت تاريخياً عن إنشاء دولة أو مجتمع يهودي في فلسطين ومؤخراً عن الأمة التي نشأت من تلك الدفعة، إسرائيل. وعليه فإن الصهيوني هو من يشارك في الصهيونية. ورغم أن الصهيوني والصهيونية يمكن أن يكونا من المصطلحات المشحونة، التي يتم استخدامها في بعض الأحيان من قبل أشخاص معادين للسامية بشكل صارخ كمرادف غمز وإيماءة لكلمة يهودي ويهودية، فإن الكلمات لها أيضاً معنى تاريخي وسياسي واضح وشرعي، لا ينكره حتى الإسرائيليين أنفسهم، وطيف من الاستخدامات غير البغيضة، بما في ذلك سياق النقد ومناقشة الحكومة الإسرائيلية وسياساتها.

وقال أحد المشرفين على “فايسبوك” بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية وظيفته، أن هذه السياسة عملياً “لا تترك مجالاً للمناورة لانتقاد الصهيونية” في وقت تخضع فيه هذه الأيديولوجية تحديداً لتدقيق شديد، فيما قالت الإعلامية الفلسطينية ديما الخالدي: “يجب أن تكون العبثية والطبيعة المسيسة لسياسة فايسبوك واضحة كما هو الحال اليوم الآن، حيث نشهد استمرار التطهير العرقي في القدس المحتلة، وحرباً جديدة على السكان المحاصرين في غزة”. وأضافت الخالدي: “المشكلة الأساسية هي أن الصهيونية هي أيديولوجيا سياسية تبرر بالضبط نوع الطرد القسري للفلسطينيين ما يجعل بعض الفلسطينيين لاجئين ثلاث مرات، كالذي نراه الآن في الشيخ جراح وأحياء القدس الشرقية المحتلة الأخرى”.

في السياق، علقت جيليان يورك، مديرة مؤسسة “Electronic Frontier Foundation” لحرية التعبير الدولية أن قرار “فايسبوك” التركيز على “الصهيونية” كهوية عرقية يلغي حقيقة أنه يصف خياراً أيديولوجياً ملموساً ويتجاهل كيف استخدم الفلسطينيون وغيرهم الكلمة في سياق قمعهم التاريخي من قبل إسرائيل. وبالتالي فإن هذا التركيز يثبط الخطاب السياسي والاحتجاج في جميع أنحاء العالم الذي يدعي “فايسبوك” حمايته. وأكملت يورك: “بينما تستخدم كلمة صهيونية كهوية ذاتية، إلا أن استخدامها من قبل اليهود وغيرهم بما في ذلك العديد من المسيحيين الإنجيليين، يوضح أنها ليست مجرد مرادف لكلمة اليهودية كما اقترح فايسبوك، كما أن استخدامها قد يختلف في المنطقة حيث يستخدمها الفلسطينيون كمرادف لكلمة مستعمر.

ورغم أن “فايسبوك” قال أنه لم تتم إزالة أي منشورات في “أنستغرام” حول العنف الإسرائيلي الأخير بناءً على طلب من الحكومة الإسرائيلية، فإن إسرائيل تقدم بشكل روتيني مثل هذه الطلبات إلى الشركة المتمثلة إلى حد كبير. وتشارك كتائب من المتطوعين المؤيدين لإسرائيل في حملات الإبلاغ الجماعي التي يمكن أن تخدع بشكل أساسي الأنظمة الآلية في “فايسبوك” للإشارة إلى الخطاب السياسي اللاعنفي باعتباره تحريضاً بغيضاً.