موسكو تسعى لتضييق مساحة الخلاف خلال زيارة بومبيو ولا تتوقع اختراقات

14 مايو 2019

يجري وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم، جولة محادثات شاملة مع نظيره الأميركي مايك بومبيو الذي يقوم بأول زيارة إلى روسيا منذ توليه منصبه، في تطور عزز آمال موسكو بفتح قنوات حوار بين البلدين ظلت معلّقة خلال السنوات الأخيرة، ومحاولة تضييق مساحة الخلاف حول عدد واسع من الملفات.
وغدت الزيارة ممكنة بعد قيام الطرفين بعدة خطوات خلال الأسابيع الأخيرة، أظهرت رغبة مشتركة في استئناف الحوار المقطوع على كل المستويات تقريباً. إذ منح صدور تقرير المحقق الأميركي روبرت مولر دفعة قوية إلى الطرفين في هذا الاتجاه، خصوصاً أنه برّأ ترمب وحملته من تهم الارتباط بموسكو التي لاحقته طويلاً. وسارع الرئيس الأميركي بعد صدور التقرير للاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، واتفق الجانبان على إطلاق حوار موسع، وأعقب ذلك مباشرة لقاء جمع لافروف وبومبيو في فنلندا، حيث اتفق الطرفان على ترتيب أول زيارة لبومبيو إلى روسيا.
وأفادت الخارجية الروسية بأن المحادثات مع بومبيو سوف تركز على تطورات الأوضاع في سوريا وفنزويلا وأوكرانيا. لكن مروحة الملفات المطروحة تبدو أوسع من ذلك بكثير، إذ قال دبلوماسيون إن الملف النووي الإيراني وتحركات واشنطن في الخليج أخيراً، وملف كوريا الشمالية، ومسائل التسلح والأمن الاستراتيجي في أوروبا ومصير المعاهدات الخاصة بخفض التسلح، كلها موضوعات ستكون حاضرة على طاولة البحث خلال لقاء الوزيرين.
ورغم أن مصادر دبلوماسية ومحللين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» تجنبوا الإعراب عن تفاؤل كبير في شأن احتمال تحقيق اختراقات سريعة في الملفات الخلافية المطروحة، فإن التركيز انصب على «تطلع روسيا لإعادة إحياء قنوات الحوار المقطوعة، ولأن يكون الحوار موضوعياً وشاملاً وليس على طريقة الاتهامات ومحاولة فرض إملاءات على السياسة الروسية». وهو أمر عكسته بوضوح الخارجية الروسية، عندما أكّدت في بيان أن «تحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ممكن فقط على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل لمصالح الآخر».
ولفتت الوزارة إلى أن الرئيس ترمب «أعلن مراراً سعيه لإيجاد نقاط التقاء مع روسيا في محاور التعاون المختلفة. وأكد نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، استعداد موسكو للتجاوب مع الخطوات الأميركية في هذا الاتجاه».
ويجري اللقاء اليوم، في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود، وهو مقر إقامة الرئيس الروسي في هذا الوقت من العام. وأعلن الكرملين أن بوتين قد يستقبل بومبيو ولافروف بعد محادثاتهما. ورغم أن البروتوكول الرئاسي لا يحدّد آليات لاستقبال الرئيس زواراً على مستوى وزراء الخارجية، لكن بوتين اعتاد على استقبال بعض الوزراء في حال تم إنجاز تقدم في ملفات خلافية خلال المحادثات على المستوى الوزاري. أو إذا رغب في إبلاغ الطرف الآخر رسائل مباشرة، وهذا جرى في مناسبات عدة مع وزيري الخارجية الأميركي السابقين جون كيري وريكس تيلرسون.
وكان من المخطط أن يبدأ بومبيو زيارته اليوم، بالمرور على العاصمة الروسية وعقد لقاءات في موسكو مع موظفي السفارة الأميركية ورجال الأعمال والطلاب الأميركيين، إضافة إلى وضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول، قبل أن يتوجه إلى سوتشي لعقد المحادثات الرسمية غداً. لكن الخارجية الروسية أعلنت إلغاء الشق الأول من الزيارة، وبررت موسكو ذلك بأن أجندة جدول الأعمال المقترحة لم تسمح به نظراً لضيق الوقت. وأكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن إلغاء محطة من زيارة بومبيو إلى روسيا لا يحمل بعداً سياسياً، وجاء بسبب كثافة جدول أعماله، مشدداً على أن اللقاءات المخطط لها في سوتشي سوف «تجري كاملة من دون أي تعديل». ووصل بومبيو إلى بروكسل منتصف يوم أمس، لبحث التطورات الطارئة في الملف الإيراني مع نظرائه الأوروبيين.
وكان مصدر رسمي في الخارجية الأميركية أكد أن جدول مباحثات بومبيو مع بوتين ولافروف سيشمل «طائفة كاملة من القضايا الثنائية والمتعددة ذات الاهتمام المشترك»، بينها ملفات سوريا وإيران وأوكرانيا وكوريا الشمالية وفنزويلا، إضافة إلى الرقابة على انتشار الأسلحة التي سيطرحها الجانبان كمسألة ذات أولوية».
وأكد المصدر أن الولايات المتحدة مهتمة بتحسين العلاقات مع روسيا، مشيراً إلى أن الوفد الأميركي «ينوي الإعراب للطرف الروسي عن مباعث القلق الموجودة لدى واشنطن بكل صراحة». وفي حين رأت أوساط روسية أن تسارع التطورات خلال الأيام الأخيرة حول الملف النووي الإيراني سوف تسفر عن تركيز كبير من جانب موسكو على هذا الملف، خصوصاً أن «لدى موسكو أسئلة كثيرة حول أسباب التحركات العسكرية الأميركية في منطقة الخليج، فضلاً عن الخلاف حول مصير الاتفاق النووي وآليات التعامل مع الخطوات المتسارعة من جانب طهران وواشنطن».
وفي الشأن السوري، تأمل موسكو في الحصول على توضيحات من واشنطن للموقف حول خطط الانسحاب من سوريا ورؤية واشنطن لآفاق إطلاق العملية السياسية، فضلاً عن مناقشة مسألة الوجود الإيراني في سوريا.
ومع هذا الملف، يشكل الوضع في كل من فنزويلا وأوكرانيا مادة مهمة للنقاش، خصوصاً أن هذين الملفين «يتبادل فيهما الطرفان اتهامات بالتدخل في منطقة تعد من مناطق النفوذ الحيوي للطرف الآخر، ما يفتح الباب لاحتمال أن تكون الملفات محور مقايضات في مرحلة لاحقة»، وفقاً لتعليق في صحيفة فيدرالية روسية.
بينما يبدو الملف الأكثر تعقيداً وتشابكاً هو ملف الأمن في أوروبا، ومسائل التسلح والتملص من المعاهدات الدولية المتعلقة بخفض الترسانات من الصواريخ النووية، وهو أمر يتبادل فيه الطرفان تحميل المسؤولية والاتهامات.