إدلب: هل تحصل المعارضة على دعم تركي للمعركة؟

20 ديسمبر 2019
إدلب: هل تحصل المعارضة على دعم تركي للمعركة؟
بدت الفصائل المعارضة والإسلامية متفقة للمرة الأولى حول ضرورة الإعداد والدخول في المعركة الأخيرة مع النظام للدفاع إدلب. ويبدو أن المعارضة قد اتخذت مجتمعة قرار المواجهة وبكامل إمكاناتها العسكرية، وبدأت الحشد إعلامياً وميدانياً للمعركة الفاصلة، كخيار وحيد، بعدما ثبت لها فشل الحل التفاوضي والسياسي.

التمهيد الوحشي للمعركة

استؤنفت حملة القصف الوحشي، الخميس، على ريف منطقة معرة النعمان جنوب شرقي إدلب باعتبارها منطقة العمليات البرية المفترضة لمليشيات النظام الروسية. وكررت الطائرات الحربية والمروحية وراجمات الصواريخ استهدافها للبلدات الواقعة شرقي الطريق الدولي وجنوبي المعرة. وتسبب القصف في مقتل 40 شخصاً على الأقل في الساعات الـ72 الماضية.

وحققت حملة القصف بعض أهدافها، إذ نزح عن المنطقة عشرات آلاف المدنيين نحو شمال إدلب، وما تزال حركة النزوح مستمرة. وفي الغالب، ستستمر حملة القصف، لإفراغ المنطقة من سكانها بالكامل، في غضون أيام قليلة. ولاحقت الطائرات الحربية برشاشاتها الثقيلة النازحين لإرهابهم، كما استهدفت مواقع المعارضة ومقارها العسكرية المنتشرة في الخطوط الدفاعية الثلاثة في منطقة معرة النعمان، وقتلت عدداً من مقاتلي “الجبهة الوطنية للتحرير” بعدما رصدت تحركاتهم في عدد من المواقع.

استخدمت المليشيات الكثافة النارية في منطقة المعرة بشكل أكبر من حملات القصف السابقة، مقارنة بشمالي حماة وادلب الجنوبي. وما يميز المنطقة المستهدفة، هو السهل الواسع والمكشوف، وكثافة القرى والبلدات. واستخدمت المليشيات أنواعاً جديدة من الصواريخ والقاذفات الروسية التي تم نشرها في المنطقة الممتدة بين تل النار قرب خان شيخون جنوباً، وحتى أبو الظهور في الشمال الشرقي.كما استخدمت الطائرات الحربية في قصفها قنابل فراغية وعنقودية وصواريخ جديدة ذات فاعلية تدميرية أكبر.

واستنفرت قواعد المليشيات المتمركزة على كامل خط التماس مع المعارضة مرابض مدفعيتها لاستهداف أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية، وقصفت الطائرات قرى جسر الشغور وكبانة وجبلي الأكراد والتركمان، وتعرضت الجمعيات السكنية وبلدات غرب وجنوبي حلب لقصف مكثف براجمات الصواريخ.

قضم المناطق السهلية

لا يمكن لأي عملية عسكرية واسعة أن تحقق للمليشيات أهدافها دفعة واحدة بالوصول إلى الطريقين الدوليين؛ أم-4 وأم-5، والسيطرة الكلية على منطقة خفض التصعيد. لذلك تبدو العملية البرية المفترضة جزئية، تهدف إلى قضم المناطق السهلية. ولا تخفي المليشيات تخوفها من الكلفة المتوقعة في حال قررت المعارضة المواجهة الفعلية وبشكل جماعي.

مصادر عسكرية في “الجبهة الوطنية” أكدت لـ”المدن”، أنه من خلال عمليات إعادة انتشار التعزيزات لمليشيات النظام الروسية في جبهات القتال يبدو التركيز على منطقة معرة النعمان كبيراً كمرحلة أولى باعتبارها المنطقة الأسهل لبداية العمليات العسكرية ويمكن من خلالها إضعاف الفصائل والتأثير على معنوياتها، وبالتالي التمهيد للمراحل اللاحقة من العملية ضد خصوم يعانون من الانقسام والخسارة المفاجئة والاستنزاف. وهو تكرار للسيناريو الذي حصل في حماة الشمالي منتصف العام 2019. وبحسب المصادر، ففي حال نجحت المخططات يمكن للمليشيات المتابعة والعمل على منطقة جديدة وفرض واقع جديد في ادلب للاستفادة منه في المفاوضات.

ويجهل قادة مليشيات النظام من الصف الثاني، في “الفرقة 25″ و”الفيلق الخامس” والفرق العسكرية، أهداف العملية العسكرية ونطاقها المكاني المفترض، والتي تقودها وتخطط لها بشكل مباشر القوات الخاصة الروسية. وتداولت المليشيات بسخرية التصريحات الروسية التي قالت إن “القوات السورية تصدت في 18 كانون الأول لثلاثة هجمات على مواقعها في منطقة إدلب شارك فيها 300 مسلح من المعارضة مدعومين بعشرات المركبات المحملة بأسلحة من عيار كبير في أم الخلاخيل والزرزور”، وتقول المليشيات إن هذه التصريحات معتادة لخلق مبررات الهجوم.

التعزيزات التي حشدتها المليشيات في جبهات المعرة تم استقدام الجزء الأكبر منها من محاور وجبهات أخرى في محيط ادلب، أي أنها ليست كبيرة، لأن الاعتماد في الهجمات سيكون على النار الكثيفة وتنفيذ تكتيك الالتفاف، والهجوم من أربعة محاور؛ محور رئيسي من الجنوب باتجاه مدينة معرة النعمان ومن المفترض أن يسلك الطريق الدولي، وثلاثة محاور إشغال وتقدم ثانوي على الأقل من الجبهات الشرقية، انطلاقاً من سنجار وأبو الظهور والشيخ بركة لحصار المنطقة المفرغة من سكانها، وإجبار المعارضة على الخروج منها.

الفصائل موحدة؟

صعّدت الفصائل المعارضة والإسلامية من لغتها، ولأول مرة يتحدث قادة كبرى الفصائل في “الجبهة الوطنية” المدعومة من تركيا عن فشل الحل السياسي، وأنهم باتوا أمام خيار وحيد، وهو المواجهة وخوض معركة فاصلة مع النظام وحلفائه، وقد تكون الأخيرة.

قائد “أحرار الشام” وعضو مجلس قيادة “الجبهة الوطنية” جابر علي باشا، قال: “لم يرهبنا مرتزقة الروس ولا جموع الإيرانيين يوماً، وحشودهم لن تخيفنا”، وتوعد المليشيات الروسية بجعل مناطق الشمال السوري مقبرة لهم، وبتلقينهم دروساً لن ينسوها. أما نائب قائد “الجبهة الوطنية” وقائد “صقور الشام” أحمد عيسى الشيخ، قال :”لا عذر لأحد في القعود عن معركة الثورة الأخيرة، فتح الجبهات هو الحل لنخرج من مسرح تسلية المجرمين الذين توزعوا الأدوار بين من يقتل الأطفال والنساء وبين من يدين ويندد وهو يشاهد بدماء باردة إن لم يكن بمتعة وسادية، فتح الجبهات يظهر النظام المجرم على حقيقته المتهالكة ويضمن للثورة أمانا حقيقيا لا كأمان الهدن الكاذبة، هل نتمسك بهدنة تكون بردا وسلاما عليهم وتكون جحيما وحربا شعواء علينا”.

تضمنت تصريحات ومواقف قادة “الجبهة الوطنية” خطة متكاملة للمواجهة، فتح جبهات قتال، أي شن عمليات هجومية واسعة، ونقض الالتزام غير المعلن بخفض التصعيد، وسط دعوة صريحة لكافة فصائل “الجيش الوطني” للمشاركة في التصدي والهجوم.

الموقف المعلن لـ”الجبهة الوطنية”، قد يكون انعكاساً لاتفاق ضمني بين مختلف مكوناتها من أجل المواجهة والانخراط الجدي في المعركة وربما بدعم تركي، وربما يكون بداية الفرز بين فصائلها. إذ ستنحاز الفصائل الإسلامية إلى قرار المواجهة بكامل طاقتها للتخلص من تبعات اتفاقات خفض التصعيد، وبالتالي ستكون في خندق واحد مع “هيئة تحرير الشام”، وهي “جيش الأحرار” و”أحرار الشام” و”صقور الشام” و”تجمع دمشق” وغيرها. وفي هذه الحالة لن ينال هذا التجمع المسلح أي دعم تركي للمواجهة، بل سيبعد عنه فصائل أخرى مثل “فيلق الشام”، وهذا ما سيصب في صالح المليشيات عموماً.

مدير المكتب السياسي في “فرقة المعتصم” التابعة لـ”الجيش الوطني” مصطفى سيجري، أكد لـ”المدن”، أن أهالي ادلب يضعون كامل الثقة في تركيا لإنقاذهم من توحش النظام وحلفائه، وكانوا وما يزالون ينظرون بعين الأمل والثقة بمواقف تركيا تجاه القضية السورية. وبحسب سيجري، فقد قتلت مليشيات النظام في 48 ساعة فقط أكثر من 40 شخصاً في ادلب غالبيتهم من الأطفال والنساء، وقال: “ندرك حجم ما تتعرض له تركيا من ضغوط خارجية وداخلية، إلا أننا نتعرض للموت المباشر، من دون أن نشهد اي تحرك دولي أو عربي تجاه العمليات الإجرامية من قِبل الاحتلال الروسي ومن دون أن نعطى حق الدفاع عن النفس نتيجة تفاهمات أستانة”.

وأضاف سيجري: “ما نطلبه من تركيا ورئيسها، وقفة تاريخية وإعادة استئناف الدعم العسكري من أجل أن ندافع عن أهلنا في مواجهة الارهاب الروسي. نعم نؤمن بالحل السياسي، إلا أن ما حدث في الفترة الأخيرة كان عملية إضعاف وصلت حد تجويع المقاتل لدفعه للاستسلام”.

يبدو أن فصائل “الجبهة الوطنية” متوافقة في ما بينها، وتدعو لمواجهة المليشيات عسكرياً، ومدنياً. قادة وشرعيون من “فيلق الشام”، المقرب من تركيا، دعوا الناس للخروج في مظاهرات، الجمعة، قرب الحدود السورية-التركية، للفت أنظار المجتمع الدولي للكارثة المحتملة من وراء العملية العسكرية واستمرار حملة القصف.