شركات التحويل السورية: الموتى يرسلون المال!

21 ديسمبر 2019
شركات التحويل السورية: الموتى يرسلون المال!
أغلقت “هيئة مكافحة غسيل الأموال” في سوريا، عشرات المكاتب التابعة لشركات التحويلات المالية، وأبرزها آراك وإرسال والحافظ، مع ختم بعض الفروع في مدينة دمشق بالشمع الأحمر، لصالح مصرف سوريا المركزي.

وأبقى المركزي، بحسب مصادر “المدن” في دمشق، على مكتب واحد لكل شركة، لإنهاء الحوالات العالقة، تمهيداً لإغلاقها بشكل كامل بعد تسليم الزبائن حوالاتهم.

الفروع المُغلقة علّقت على أبوابها اعتذارات للزبائن، بتوقف الحوالات المالية داخل سوريا بشكل نهائي، وذلك بتوجيهات من المصرف المركزي.

المركزي يوضّح 

بعد موجة الإغلاق التي طالت عشرات المكاتب، وانتشار الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي، نشر مصرف سوريا المركزي توضيحاً منقولاً عن “هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”، في “فيسبوك”، قائلاً إن “الهيئة وبالتنسيق مع الضابطة العدلية المركزية في المركزي، اتخذت مجموعة من الإجراءات بحق بعض الفروع الخاصة بشركات الحوالات المالية الداخلية، وصلت إلى حد الإغلاق”.

وأضاف في بيانه: “هذه الإجراءات جاءت نتيجة توفر معلومات ومعطيات تفيد بتورط هذه الفروع في تنفيذ حوالات خارجية غير مرخص لها القيام بها ومجهولة المصدر، بشكل يخالف القوانين والأنظمة النافذة وينطوي على مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”. و”بناء على نتائج التحقيقات، سيجري إحالة الشركات إلى القضاء المختص أو السماح لها بإعادة تقديم خدماتها في حال ثبوت عدم تورطها”.

ووجهت “هيئة مكافحة غسيل الأموال”، عبر المصرف المركزي، نداءً إلى “المواطنين للإبلاغ عن استلامهم أي حوالة خارجية عبر تلك الشركات الداخلية التي تم اتخاذ إجراءات بحقها، كونه مخالف للقانون وضار بالاقتصاد الوطني”.

وتزامنت عمليات الإغلاق مع استدعاء فروع أمنية تتبع لـ”أمن الدولة” لمئات المواطنين، للتحقيق معهم بشكل “روتيني”، حول الحوالات الداخلية التي تلقوها مؤخراً بمبالغ تجاوزت مليون ليرة سورية، والتأكد من صحة المعلومات حول المُرسل والمستفيد، ونوعية الحوالة والحاجة منها، ولم يُسجّل أي اعتقالات بحسب مصادر “المدن”.

“أمن الدولة” وراء الحملة

قال مصدر أمني خاص لـ”المدن”، إن الإجراءات الأخيرة جاءت بتعليمات مباشرة من “إدارة أمن الدولة” في دمشق، للتضييق على تلك الشركات، التي قال إنها قد “ساهمت بتهريب ملايين الدولارات خلال الشهور الأخيرة إلى خارج سوريا”، وكذلك ساهمت في “ضرب سعر الصرف وهبوط الليرة السورية”.

وشملت التعليمات الصادرة عن “أمن الدولة”، جمع بيانات تلك الشركات وبعض محال الصرافة المرخصة، وتنفيذ عمليات تنصت مكثفة على مكالماتها، ومراقبة الحسابات البنكية للشركات وبعض الأشخاص المرتبطين فيها، ومراقبة حركة النافذين في تلك الشركات عبر المعابر الحدودية وأي عمليات نقل للأموال ستجري خلال فترة الحملة.

تصريح “هيئة مكافحة غسيل الأموال” كان واضحاً بخصوص الحوالات الخارجية التي تجريها تلك الشركات، وتقوم بتحويلها لحوالات داخلية محلية. وجاء تصريح “الهيئة” بعد سنوات من عمل تلك الشركات بهذه الآلية، ليقول: “لقد انتهت اللعبة وحان وقت الحساب”.

الحوالات الخارجية–الداخلية 

ابتكرت شركات التحويل الداخلي والنافذين فيها، خلال سنوات الحرب، طرقاً خفية لتحويل الأموال وتجاوز التعقيدات الأمنية، بحيث تلتف على الإلتزام بسعر الصرف الرسمي الذي يتسبب بخسائر كبيرة للمستفيدين داخل سوريا، خاصة منهم المعتمدين في معيشتهم بشكل رئيسي على التحويلات الخارجية.

عملية التحويل تتم عبر شبكة كبيرة منتشرة في معظم دول العالم، ومركزها الرئيسي تركيا، وتعمل على استلام الحوالات المالية بالعملة الأجنبية وتسليمها في سوريا عبر شركات محلية، بأجور تحويل زهيدة مقارنة بأجور شركات التحويل العالمية مثل ويسترن يونيون، وبسعر صرف أقل قليلاً من السوق السوداء. والسر في ذلك، هو استبدالها الحوالات الخارجية، بإشعارات رسمية لحوالات داخلية، بأسماء وهمية، بحيث تبدو كتحويل داخلي بين المحافظات السورية.

وبتلك الطريقة، يمكن تحويل الأموال من الخارج، من دون ذكر اسم المرسل أو استخدام اسم وهمي في حال كان مطلوباً للأمن. ويستلم المُرسل اشعاراً بحوالة داخلية، وتتغاضى شركات التحويل عن الاستفسار عنه وعن العلاقة بالمرسل إليه، والغرض من التحويل، كما يفعل “ويسترن يونيون” في سوريا، والذي يُشارك قاعدة بياناته مع الجهات السورية “المختصة”.

وقال أحد العاملين في “شركة الحافظ للحوالات الداخلية” لـ”المدن”، إن شركات التحويل بشكل عام، تملك قاعدة بيانات كبيرة بأسماء أشخاص موتى وآخرين خارج سوريا، ومن مفقودي الحرب، ممن يتم استخدام بياناتهم في التحويلات الداخلية.

وتعمد الشركات بعد ذلك إلى إصدار اشعارات بحوالات داخلية من مناطق ليست فعلياً تحت سيطرة النظام، كالحسكة والقامشلي، لأن النظام لا يملك معلومات كافية عن سكانها ولا يستطيع التحقق من أسمائهم. فيصير التحويل، على سبيل المثال، بدلاً من هولندا؛ من القامشلي، باسم وهمي أو لشخص متوفى، إلى آخر موجود في إحدى المحافظات السورية، ليتم تسليمها بشكل روتيني.

تهريب ملايين الدولارات

طريق التحويل ليس باتجاه واحد، إذ تقوم الشركات أيضاً بتسليم الحوالات من الداخل السوري إلى الخارج، وبالعملة الأجنبية، وسط سهولة التصريف إلى الدولار واليورو، ما سهّل عمليات تهريب أموال اللتجار ورجال الأعمال من الداخل، خلال فترة الملاحقة الأخيرة. إذ يجري تسليم الأموال للشركة بالليرة السورية أو العملة الصعبة، في الداخل، مقابل تسليمها فوراً خارج سوريا بالعملة الصعبة، من دون الدخول في تعقيدات التحويل، ونقل الأموال عبر الحدود.

مصدر عامل في إحدى الشركات قال لـ”المدن”، هناك حوالات تخرج من سوريا بمبلغ مليون دولار أحياناً، لأشخاص مجهولين، وذلك عبر إيداع المبالغ بالنقد السوري أو الأجنبي لدى فرع الشركة في الداخل، وتسليمها بالخارج باجور بسيطة وبسرعة كبيرة، من دون أي تعقيدات تُذكر، ما دام الشخص الراغب بعملية التحويل موثوق لدى الشركات العاملة في ذلك المجال.

ويؤكد المصدر إخراج بعض التجار لمبالغ مالية تجاوزت في أحيان كثيرة الـ100 ألف دولار، إلى الخارج، بعد الهبوط الأخير لليرة السورية، واقتراب الدولار الواحد من 1000 ليرة، تزامناً مع الأزمة المالية التي تعصف بلبنان، والتي أثرت سلباً على السوق السورية، الأمر الذي أدى إلى فقد القطع الأجنبي في السوق والمساهمة بهبوط الليرة السورية أكثر.

هل حان وقت التسوية؟

رجّح أحد تجار العملة الصعبة في دمشق، والذي يعمل بشكل غير شرعي، خلال حديثه لـ”المدن”، أن تتوصّل “الدولة المنهارة اقتصادياً” إلى “تسوية” مع هؤلاء التجار، مقابل عدم عرضهم أمام المحاكم الاقتصادية، وفتح ملفات تعود لسنوات حول الحوالات الداخلية بأسماء وهمية لا وجود لها، أو استخدام أسماء متوفين لإجراء تلك الحوالات.

وبيّن المصدر أن النظام قد يتخذ الأسلوب الذي اتبعه مع طريف الاخرس ورامي مخلوف، وغيرهم في “حملة مكافحة الفساد” قبل شهور، فضلاً عن إجبار رجال الأعمال السوريين في الخارج، على الإلتزام بالتحويل عبر الشركات المرخصة بالسعر الرسمي، ما سيرفد الخزينة بملايين الدولارات.