فورين أفيرز: اغتيال سليماني أبرز تناقضات السياسة الأميركية بوضوح

28 يناير 2020
فورين أفيرز: اغتيال سليماني أبرز تناقضات السياسة الأميركية بوضوح

نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا للدبلوماسي الأميركي السابق، بريت ماكغيرك، قال فيه إن الرئيس دوايت آيزينهاور جمع مستشاريه كلهم في القاعة المشمسة في البيت الأبيض، لمناقشة السياسة تجاه الاتحاد السوفييتي.

ويشير ماكغيرك في مقاله إلى أن الاجتماع كان يحضره وزير خارجيته الصقوري جون فوستر دالاس، الذي كان منتقدا لسياسة الاحتواء التي اتبعها هاري ترومان تجاه الاتحاد السوفييتي، وداعيا إلى سياسة صد النفوذ السوفييتي في أوروبا وآسيا.

وينقل الكاتب عن دالاس قوله، إن “الحمر اليوم في وضع أفضل” وأثبتت سياسة الاحتواء أنها “قاتلة” بالنسبة للغرب، (وكان دالاس قد أقال الدبلوماسي جورج كينان صاحب تلك السياسة)، وكان الحلفاء الأوروبيون يتصرفون كأنهم “عجزة مسنون”، وغير مستعدين لمواجهة موسكو، ورأى دالاس أن على آيزينهاور ترك سياسة سلفه، واتباع سياسة “شجاعة” لصد المد الشيوعي.

ويستدرك ماكغيرك بأن آيزينهاور اختلف مع فرضية دالاس بأن الوقت لصالح موسكو، ولذلك كان دالاس يطالب باستراتيجية عدوانية، وكان آيزينهاور يرى أن الوقت لصالح واشنطن، ولذلك اعتقد بأن سياسة الصد قد تأتي بنتائج عكسية، لكن التحركات من طرف واحد تخاطر بالتحالفات الهشة التي كانت تمنح واشنطن أفضلية نسبية على موسكو، وقال لدالاس: “لا يمكننا العيش وحدنا.. نحتاج إلى حلفاء”.

ويلفت الكاتب إلى أنه بدلا من التوصل إلى نتيجة من الحوار بشكل غير رسمي، طلب آيزينهاور من خبراء في مختلف مفاصل الحكومة الأميركية لتطوير ثلاث استراتيجيات قومية مختلفة ثم مناقشتها بالكامل أمامه، وعاد كينان نفسه بطلب من آيزينهاور للدفاع عن سياسة الاحتواء.

ويذكر ماكغيرك أنه بعد شهرين جلس آيزينهاور يوما كاملا يستمع إلى إيجازات حول المقترحات المختلفة، وفي المحصلة صادق على أساسيات سياسة ترومان، مشيرا إلى أن ما يعرف اليوم بـ(مشروع سولاريوم) حدد تضاريس السياسة الخارجية الأمريكية، وساعد على مدى 35 عاما لاحقة على تجنب اشتباك عسكري مباشر بين واشنطن وموسكو.

وينوه الكاتب إلى ما كتبه روبرت بوي، قائلا: “لم يستقبل رئيس قبل آيزينهاور أو بعده إيجازا بذلك التفصيل حول المخاطر التي تهدد أمن الأمة والاستراتيجيات للتعامل معها”.

ويفيد ماكغيرك بأن “أيا من الرؤساء الأمريكيين لم يعط مشروع “سولاريوم” حقه، لكن الرئيس دونالد ترامب قام بوضع مقياس في الجهة المقابلة له، فالبيت الأبيض يدير سياسة خارجية لها أهداف لا يمكن تحقيق توافق ولا اتساق بينها، ولا حتى محاولة التفكير بتداعيات القرارات الخطيرة قبل اتخاذها، ويتم وضع الأهداف القصوى دون التفكير فيما يجب فعله لتحقيقها”.

ويجد الكاتب أن “غياب الاتزان هذا يبدو أكثر وضوحا في السياسة تجاه إيران، ففي 18 كانون الأول/ ديسمبر 2017 وقع ترامب استراتيجية الأمن القومي، وبعد شهر وقع استراتيجية الدفاع القومي، وهاتان الوثيقتان متضاربتان”.

ويقول ماكغيرك: “كما فعل سلفه باراك أوباما، سعى ترامب لإعادة توازن الأولويات الأمريكية بعد عقدين من الالتزام المضاعف في الشرق الأوسط، وكان أوباما يريد أن ينحرف عن الشرق الأوسط باتجاه آسيا، لكن الربيع العربي، الذي بدأ في 2010، أدى إلى أن تدعم أمريكا الأهداف القصوى (فرض أقصى ضغط اقتصادي لإحداث ثورات داخلية)، بما في ذلك محاولة تغيير الأنظمة بالجملة في كل من ليبيا ومصر وسوريا، واكتشفت الإدارة بسرعة أنها لا تملك الإمكانيات لإدارة نتائج هذه السياسات، وأدى صعود تنظيم الدولة إلى جر أمريكا عسكريا إلى المنطقة، لكن بعدد قليل من الأفراد الأمريكيين وتحالف لتوزيع العبء”.

ويشير الكاتب إلى أن “ترامب قام بتقليص تمويل العملية (ضد تنظيم الدولة) وفي أوائل 2018 ألغى ترامب تمويل الاستقرار في سوريا، ووفر موارد عسكرية كافية فقط لهزيمة تنظيم الدولة، ثم أعلن (أنه حان الوقت للعودة إلى الوطن)”.

ويستدرك ماكغيرك بأنه “بالرغم من القيود على الموارد والتحول الاستراتيجي نحو آسيا، فإن إدارة ترامب وسعت الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط، مركزة بشكل خاص على إيران، فقالت الإدارة إن على الإيرانيين جميعهم مغادرة سوريا حتى في الوقت الذي أعلن فيه ترامب إنه يريد من الأمريكيين كلهم أن يغادروا سوريا، بالإضافة إلى أن ترامب انسحب من جانب واحد من الاتفاقية النووية مع إيران خلال أشهر من مصادقته على استراتيجية الأمن القومي، وشدد العقوبات على إيران، وشرع في سياسة خنق اقتصادي تحت اسم (الضغط الأقصى) دون هدف استطاعت إدارته الاتفاق عليه، ففي الوقت الذي قال فيه ترامب إن الهدف هو ألا تستطيع إيران إنتاج سلاح نووي، قال مستشاره للأمن القومي حينها إن الهدف هو تغيير النظام، وطرح وزير خارجيته 12 مطلبا، من بينها تجميد إيران برامجها النووية والصاروخية، والتوقف عن دعم المجموعات الوكيلة، وسحب المليشيات من العراق وسوريا”.

المصدر عربي 21