يبدو أن حزب “الليكود” برئاسة بنيامين نتنياهو، هو الوحيد الذي يوافق على جميع ما ذُكر في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والمعروفة إعلاميا بـ “صفقة القرن”، ولا يتحفظ على أي جزء منها، إذ أنه لا يوجد حزب إسرائيلي، يوافق على جميع ما جاء في الخطة تماما، على الرغم من ترحيبهم جميعا بها. ويفيد ونجح المعارضين والمؤيدين، بدون استثناء، بإيجاد ثغرات وعيوب في الخطة، تحفظوا عليها ولو بجزء بسيط.
ويعزو اليمين المتشدد رفضه للخطة، لنصها على إقامة دولة فلسطينية، حتى وإن كانت منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح. أما اليسار، فيختلف على تحفظه، فمنهم من يتحفظ على توقيتها، الذي يتزامن مع الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 2 آذار، أو قرب محاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ومنهم من تحفظ على تضمنها “خطوات أحادية الجانب”، كضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، مؤكدين أن الحل يجب أن يكون “بموافقة الفلسطينيين”. كما برزت بعض الأصوات التي دعت إلى أخذ مصالح الأردن ومصر، ودول المنطقة الأخرى بعين الاعتبار، في عملية السلام مع الفلسطينيين.
ويبدو أن “القائمة المُشتركة”، وهي القائمة العربية في إسرائيل، هي الوحيدة في البلاد، التي رفضت الخطة بأكملها، بل واتهمتها بـ “تكريس الاحتلال والاستيطان”. وانتهزت الأحزاب الإسرائيلية ردودها على الصفقة، بمحاولة كسب أكبر عدد ممكن من الأصوات.
وقالت كتلة “أزرق أبيض” البرلمانية، أكبر كُتل الكنيست، إن خطاب ترمب “المهم والتاريخي، يتماشى تمامًا مع مبادئنا السياسية والأمنية”، مشيرين إلى أن الخطة “ستكون أساسًا قويًا وملائمًا، لتعزيز التسوية السلمية مع الفلسطينيين، لكن شريطة الحفاظ على تسويات إسرائيل مع الأردن ومصر، بل وتوسيعها مع دول أخرى في المنطقة”.
وبحسب “أزرق أبيض”، فإن كل هذه الأمور يجب أن “تخضع لترتيبات أمنية، كما أكد ذلك رئيس ‘أزرق أبيض’ بيني غانتس، في حديثه مع ترمب في البيت الأبيض”. واختارت الكتلة مهاجمة نتنياهو حين ذكرت أن “الأمر أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى: الصفقة جادة ومتعمقة وشاملة، وسيستغرق تنفيذها حوالي 4 سنوات. ولتنفيذها، يجب أن يكون في إسرائيل حكومة قوية ومستقرة، يرأسها شخص يكرس كامل وقته وطاقته لتعزيز الأمن والمستقبل، وليس متهمًا بارتكاب جرائم فساد خطيرة، وبالتالي يكون هناك خشية للتضحية بمصالح الدولة لمصالحه الشخصية والقانونية”، في إشارة إلى نتنياهو.
أما الكُتلة الثالثة في الكنيست، “القائمة المشتركة”، التي تمثل الاحزاب العربية في إسرائيل، فقد أعلنت رفض الصفقة، معتبرة انها “تكرّس الاحتلال والاستيطان”. واعتبرت في بيان ان “هذه الصفقة ليست خطّةً للسلام، بل هي مخطط لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني، ومنع السلام العادل”. واوضح البيان ان خطة السلام تعمل على “تصفية حقوق الشعب الفلسطيني”، مؤكدة “رفضها القاطع جملة وتفصيلاً”. واشارت القائمة الى “تواطؤ عند معظم القوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسية في إسرائيل مع هذا المخطط، لا سيما حزب ‘أزرق أبيض’ وقطاعات من ‘اليسار الصهيوني’”.
أما حزب “يسرائيل بيتنو”، فكتب زعيمه أفيغدور ليبرمان على “تويتر”، “أهنئ الرئيس ترمب، الذي تبنت خطته للسلام، جزءا من خطتي لتبادل الأراضي والسكان، التي نشرتها في العام 2004”. ويعني تبادل الأراضي والسكان، احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مقابل منح الدولة الفلسطينية المُستقبلية بلدات عربية داخل إسرائيل، تقع على الشريط الحدودي للضفة.
وفي حديث إذاعي قال ليبرمان “إذا اتخذ نتنياهو قرارًا بشأن فرض السيادة الإسرائيلية في غور الأردن والمستوطنات، فسنؤيده وندعمه. أما إذا أحضر الخطة بأكملها للتصويت، فسنعارضها. لن ندعم الخطة بأكملها”. ولم يبدِ ليبرمان تحفظه على إقامة دولة فلسطينية، لكنه تحفظ على صلاحيات تلك الدولة، فتساءل “ماذا تعني دولة منزوعة السلاح؟ ما هي أنواع الأسلحة التي يمكنهم حملها؟ من سيتحكم في الغلاف الجوي والفضاء البحري؟ كل كلمة ونقطة لديها الكثير من الأهمية، وهذا هو السبب في أنني أعتقد أن الخطة ليست جادة، لأنها جاءت كخطة شاملة عشية الانتخابات”.
وقال رئيس تحالف “يمينا” المتشدد نفتالي بنيت الذي يُمثّل تيار “الصهيونية المُتدينة” الناشطة في المستوطنات في موقفه، “لن نعترف أبدا بإقامة دولة فلسطينية”، وفي نفس الوقت أوضح أنه “يجب عدم تفويت الفرصة، ينبغي عدم تأجيل ضم الأراضي إلى ما بعد الانتخابات، لأننا إذا ما أجلناه فلن يحدث”. وقال بنيت أيضا إنه “يجب ألا نقوم بضم جزئي، يشمل منطقة محددة كغور الأردن فقط، وترك 150 ألف مستوطن، يجب القيام بضم شامل، لغور الأردن وكافة المستوطنات الإسرائيلية ومناطق ج، والآن وفورا”.
من جانبه قال رئيس “العمل-غيشر” عمير بيرتس “مصيرنا نحدده نحن، من خلال المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، عبر اتفاق من شأنه أن يضمن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، داخل حدود آمنة للأجيال القادمة”. وأشار إلى “أهمية” الأسس التي تحملها الخطة، “لتعزيز أمن إسرائيل وإجراء المفاوضات، لكن الاختبار هو ما إذا كان يمكن ترجمتها لانفصال إسرائيل عن الفلسطينيين، وليس عملية ضم أحادية الجانب، كما نسمع اليوم”. ورأى بيرتس أن “الصفقة تعد فرصة مهمة لإجراء عملية إقليمية شاملة، ويجب فحصها، لكن فقط بعد الانتخابات”.
ونوّه رئيس حزب “ميرتس” نيتسان هروفيتس أن “نتنياهو ليس لديه تفويض للقيام بأي تحرك وهو غير مخوّل بشيء، وبالتأكيد ضم أجزاء كبيرة من المناطق”، واصفا الضم بـ “الخطوة المدمرة”. وقال “عشية الانتخابات، كرئيس حكومة انتقالية يُحاكم على جرائم جنائية خطيرة، ليس لدى نتنياهو وحكومته شرعية لضم حتى فدان واحد بشكل أحادي الجانب”.
وقال “لا يوجد بديل للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، وهو مبدأ رئيسي في خطة ترمب، كما أنه لا يوجد بديل لتجنب اتخاذ خطوات من جانب واحد”. وخلص بيرتس وهروفيتس إلى أن “حكومة إسرائيلية برئاسة غانتس، يكون ‘العمل-غيشر-ميرتس’ عامودها الفقري، هي أفضل القادرين على التعامل مع خطة ترمب، ودفع العملية السلمية مع الفلسطينيين، بنهج (إسحاق) رابين”، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق.
وحذّرت زميلتهما تمار زندبيرغ من أن “الضم سيضعنا في خطر عنف واضح وفوري، وسيدفن حل الدولتين”. ووصف إيتسك شمولي من ذات الحزب “صفقة القرن” بـ “حيلة القرن”، مشيرا إلى أنها “لن تؤدي إلى السلام، بل ستؤدي إلى الضم أحادي الجانب واشعال المنطقة”. ورأى شمولي، وهو مُشرّع عُمالي يساري مُعارض، أن بعض المستوطنات الإسرائيلية “لا تخدم المصلحة الأمنية الإسرائيلية”، مؤكدا أن ضمها “سيقضي على أي فرصة للانفصال عن الفلسطينيين، وسيؤدي إلى مطالبة الفلسطينيين بحل ‘الدولة الواحدة’، وهو مطلب قاتل، ينتهك مصالح إسرائيل الوطنية والأمنية”، “حينها” يقول شمولي، “لن يأتي ترمب ليُساعدنا من انعكاسات هذا المطلب”.