لا يبدو أن وقف إطلاق النار في إدلب سيستمر طويلاً في ظل الحشد المتبادل بين قوات النظام والمعارضة السورية في جبهات القتال. فالاتفاق التركي-الروسي الذي دخل حيز التنفيذ في 6 آذار/مارس الجاري، ولد هشاً وغير قابل للتطبيق وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين حول الخروق المتكررة للاتفاق.
اتهامات متبادلة
وتوجه المعارضة الاتهامات لقوات النظام والمليشيات الموالية بمواصلة قصفها البري المستمر لمواقع المعارضة والبلدات المدنية القريبة من خطوط التماس، ومحاولتها التقدم في أكثر من محور في جبهات جنوبي إدلب. ورصدت المعارضة تحركات مكثفة وتعزيزات كبيرة لقوات النظام في جبهات القتال، غالبيتها من المليشيات الإيرانية والتي انتشرت في مواقع جديدة وأصبح ثقلها العسكري ضعف ما كان عليه قبل وقف إطلاق النار.
وقال الناطق الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” النقيب ناجي مصطفى ل”المدن”، إن قوات النظام والمليشيات بدأت بخرق وقف إطلاق النار بعد دخوله حيز التنفيذ مباشرة، وقصفت عشرات القرى والبلدات المدنية في ريفي حلب وادلب.
وأوضح مصطفى أن الخروق المتكررة وتحركات المليشيات تعكس بالضرورة نواياها العدائية واستئناف العمليات العسكرية وتهربها من تطبيق أي اتفاق يوقف النار.
ويوجه مقربون من النظام وروسيا الاتهامات للمعارضة السورية ولتركيا بأنهم يحضرون لجولة جديدة من العملية العسكرية “درع الربيع”، بسبب الدخول المتواصل للأرتال العسكرية التركية إلى ادلب والتي بدت أكثر كثافة خلال اليومين الماضيين. وضمت التعزيزات التركية أكثر من 500 آلية عسكرية متنوعة، بينها مدرعات وراجمات صواريخ ودبابات.
وألمح عضو هيئة المصالحة المقرب من روسيا، عمر رحمون، إلى إصرار نظام الأسد على مواصلة المعارك في ادلب، وأكد أن اتفاق وقف إطلاق النار هش والمواجهات قادمة لا محالة.
المليشيات الإيرانية
استقدمت “قوات الرضوان” التابعة لحزب الله اللبناني مؤخراً المزيد من التعزيزات العسكرية إلى جبهات إدلب وحلب، وتركز انتشارها في قطاعات عديدة، أهمها جبهات غرب حلب، وجبهات جنوب وشرقي إدلب، وفي كبانة والمرتفعات الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي، وعدد من المحاور في سهل الغاب شمال غربي حماة.
ومن المفترض أن تتولى “قوات الرضوان” إلى جانب مجموعات من قوات النخبة التابعة ل”الحرس الثوري الإيراني” إدارة العمليات الهجومية في المحاور التي تنتشر فيها المليشيات الإيرانية عموماً، والتي زجت بأعداد كبيرة من عناصرها في جبهات القتال.
وتداول أنصار المليشيات الإيرانية وإعلاميون مقربون منها مقاطع فيديو توضح انتشار مجموعات الرضوان وعدد من التشكيلات المسلحة المدعومة من إيران في محيط عدد من النقاط العسكرية التركية المحاصرة داخل مناطق سيطرة قوات النظام في منطقة خفض التصعيد.
وأكد عضو المكتب السياسي في لواء السلام التابع ل”الجيش الوطني” هشام سكيف ل”المدن”، أن المليشيات الإيرانية غير راضية عن اتفاق وقف إطلاق النار بسبب غياب إيران عن التنسيق في الاتفاقات التركية-الروسية مع أنها طرحت مبادرات عديدة، وجميعها لم تلقَ إجابة.
وأضاف أن الخسائر الكبيرة التي منيت بها المليشيات الإيرانية أواخر شباط/فبراير ولد لديها رغبة في الانتقام والدفع في اتجاه التصعيد الميداني، وزيارة خليفة قاسم سليماني في قيادة “فيلق القدس” اسماعيل قاآني، إلى جبهات القتال وعدد من مواقع وثكنات المليشيات في حلب تندرج في هذا الإطار التصعيدي.
وقال الناشط الإعلامي محمد رشيد ل”المدن”، إن المليشيات الإيرانية التي تتبع لأكثر من 20 تشكيلاً مسلحاً يدعمه “الحرس الثوري” في سوريا بدت جاهزة لجولة جديدة من العمليات العسكرية، وتوحي تحركاتها وعمليات إعادة الانتشار التي تنفذها في مختلف جبهات إدلب وحلب أنها غير معنية باتفاق وقف إطلاق النار وتنتظر الفرصة المناسبة لتعطيل العمل بالاتفاق.
وبحسب رشيد، هناك منافسة بين المليشيات للسيطرة على المواقع المتقدمة في جبهات القتال، وبشكل خاص في سراقب والطلحية وعموم جبهات شرقي إدلب الواقعة على الأطراف الغربية للطريق الدولي “إم5”
وقال إن تعزيزات كبيرة من “الحرس الجمهوري” و “الفرقة 25 مهام خاصة” وصلت إلى الجبهات لتحقق توازناً في كثافة الانتشار والذي بدا مؤخراً في صالح المليشيات الإيرانية.
وتحاول المليشيات الإيرانية تحقيق أهداف عديدة من خلال إعادة انتشارها، أهمها، منع تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولة قضم المزيد من المناطق والوصول إلى أهداف لها رمزية خاصة كبلدتي كفريا والفوعة شمال شرق مدينة إدلب، والحفاظ على مكاسبها في ريف حلب، ومحاولة التقدم في محور كبانة والمرتفعات الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي والذي كلفها المئات من القتلى خلال العمليات الفاشلة التي استمرت منذ منتصف 2019، ودعم العمليات الهجومية لقوات النظام للسيطرة على منطقة جبل الزاوية جنوبي ادلب والوصول الى الطريق السريع “إم4”.