كورونا: مصر تطبق “مناعة القطيع”

5 أبريل 2020
كورونا: مصر تطبق “مناعة القطيع”
مصطفى عز
يقول أطباء مصريون إن الأعداد التي تعلنها الحكومة لمصابي وباء كورونا ليست حقيقية وتستند إلى آلية فحص غير علمية، مؤكدين أن ما يجري هو تطبيق عملي لنظرية “مناعة القطيع”، لكن من دون إعلان.
ومنذ أسبوعين، فرضت السلطات المصرية إجراءات صارمة لاحتواء الوباء الذي أصاب 1070 شخصًا وأودى بحياة 71، بحسب أخر الاحصائيات التي أعلنتها وزارة الصحة السبت.
وبحسب هذه الأرقام، تعتبر مصر، ذات ال100 مليون نسمة، واحدة من أقل دول المنطقة تضرراً من الوباء.
لكن أطباء وممرضين أكدوا ل”المدن”، أن تدني أعداد الإصابات يعود بالأساس إلى اعتماد الحكومة على آلية الفحص التي تدعم بقصد أو من دون خطة “مناعة القطيع”.
وقال أحد الأطباء ل”المدن”، إن الحكومة تطبق نظرية “مناعة القطيع” من دون إعلان، مؤكدًا أن هذا الأمر سلاح ذو حدين. وأوضح الطبيب، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن ما تقوم به الحكومة قد يؤدي لكارثة حقيقية إذا ما فشلت أجساد ملايين المصريين في تكوين أجسام مضادة للفيروس.
وتقوم خطة “مناعة القطيع” على تعريض معظم السكان للإصابة بالفيروس أملاً في أن تتعرف أجهزتهم المناعية عليه ومحاربته إذا ما عاود الهجوم عليها. وقبل نحو شهر، اعتمد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، هذه الخطة لكنها سرعان ما انهارت أمام الهجوم الكاسح للوباء الذي طال جونسون نفسه.
ويؤكد الطبيب أن الحكومة تفتح الباب واسعاً أمام انتشار الوباء في مراحله الأولى حتى تتمكن أجسام المصريين من تكوين أجسام مضادة تحصنها من الوباء في مراحل توحشه، لافتاً إلى أن الواقع العملي يدحض هذه الفرضية ويؤكد احتمالية إصابة الشخص الواحد بالوباء أكثر من مرة.
كما أن مسألة تكوين مناعة ذاتية ضد كورونا يبدو صعباً في ظل الانتشار المخيف له، بحسب الطبيب الذي وصف ما تقوم به الحكومة المصرية بأنه “مقامرة”.
وعن سبب تدني أعداد المصابين قال مدير معامل بأحد المستشفيات الحكومية، إن وزارة الصحة لا تجري فحوصا عشوائية أو احترازية للوباء كما تفعل دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها، مؤكداً أن الفحص لو تم بهذه الطريقة فإن الأعداد ستتضاعف يومياً.
وأوضح المتحدث ل”المدن”، أن “الحكومة لا تقوم حتى بفحص من يعانون أعراض كورونا الأولية وإنما تقوم بفحص من يعانون أعراضه المتأخرة؛ بدليل أن حالات كثيرة توفيت قبل ظهور نتيجة الفحص”.
واستدل على صحة فرضية تطبيق “مناعة القطيع” بأن الفحوص التي تجري لمن هم دون الخمسين تكون سلبية بنسبة 100 في المئة تقريبا، ما لم يكن المشتبه به يعاني أمراضاً أخرى.
هذا الأمر يؤكد أن الدولة تعتمد على قدرة مناعة ذوي الأعمار الصغيرة على مواجهة الفيروس، لكنه يعني أيضاً ترك المجال لنشر الوباء في محيط هؤلاء، بحسب المتحدث.
وتابع مدير المعامل: “من بين ألف مشتبه به يتم فحص 10 أو 20 شخصاً على الأكثر، مع ملاحظة أن الوزارة تشدد على ضرورة التزام ذوي النتائج السلبية بعزل أنفسهم طوعاً. هذا أمر يثير الشكوك ويعزز الخطر لأن العزل الطوعي أمر لا يفهمه المصريون”.
الأمر الآخر الذي يعزز تطبيق خطة مناعة القطيع، بحسب المتحدث، هو أن كل المخالطين لمن ثبتت إصابتهم تأتي نتائجهم سلبية وهذا أمر يناقض طبيعة الوباء؛ بدليل أن هناك قرى ومناطق كاملة في محافظة المنيا جنوب مصر وفي محافظتي الدقهلية وبورسعيد شمالاً تفشى فيها الوباء وعزلت بشكل كامل بعد أيام قليلة من ظهور نتائج سلبية لمخالطي المصابين بهذه المناطق ما يعني أن النتائج الأولية لم تكن صحيحة.
طبيب آخر في أحد المستشفيات الجامعية أكد ل”المدن”، أن هناك عشرات الوفيات حدثت نتيجة كورونا لكن الحكومة اعتبرت أن سبب الوفاة التهاب رئوي حاد أو ضيق في التنفس حتى لا ترتفع أعداد وفيات كورونا الرسمية.
وأكد الطبيب أن “هناك عشرات الحالات التي لا يتم فحصها رغم ظهور الأعراض عليها. كما أن تشخيص كورونا محصور في مستشفيات الحميات وإن بشكل غير معلن”.
وتابع: “الأطباء يشتبهون في عشرات الحالات يومياً ويقومون بتحويلها الى مستشفيات الحميات، لكن هذه الأخيرة تنصحهم بعزل أنفسهم لمدة 14 يوماً ولا تفحص إلا الحالات الواضحة جداً منهم”.
الأمر نفسه أكده مدير أحد مستشفيات الحميات بقوله: “نحن حاليا خارج الخدمة تقريبا ولا نستقبل إلا الحالات المتأخرة جدا لأننا لا نمتلك أدوات مكافحة العدوى للطاقم الطبي”، لافتاً إلى أن عدداً من المشافي خرج من الخدمة فعلياً، وهذا أمر يناقض فكرة محاصرة الوباء.
وأوضح أن “أحد المرضى تم احتجازه 15 يوماً في قسم المخ والأعصاب بأحد المستشفيات الحكومية وقبل وفاته بيوم واحد ثبتت إصابته بكورونا. وعندما تم فحص نحو 40 موظفاً كانوا يتعاملون معه يومياً لم تخرج نتيجة واحدة منهم إيجابية، هذا أمر غير منطقي، وهو يحدث مع أكثر من 90 في المئة من مخالطي المصابين داخل المستشفيات وخارجها”.
وخلال الأيام الماضية، أغلقت مصر عدة مستشفيات حكومية وخاصة من أجل تنفيذ إجراءات التعقيم، بعد ظهور إصابات بين الأطقم الطبية.
وقال مسؤول حكومي ل”المدن”، إن الحكومة بصدد تطبيق حظر التجوال بدءاً من الثالثة عصراً بدلا من السابعة مساءً، مؤكدًا أن فرض حظر كامل للتجوال مطروح بقوة، لمكافحة تفشي فيروس كورونا.
وتفرض مصر منذ أسبوعين حظراً للتجوال من السابعة مساء حتى السادسة صباحاً طوال الأسبوع عدا يومي الجمعة والسبت اللذين يشهدان حظراً كاملاً.
المصدر المدن