حرب باردة ثانية… هل يسقط أحد الجبارين؟

23 أبريل 2020آخر تحديث :
حرب باردة ثانية… هل يسقط أحد الجبارين؟

منذ ظهور جائحة “كورونا” بدأ مفكرو المدرسة الواقعية بتحليل ودرس الجهات التي يشتبه بتورطها في هذه الأزمة، وحاولوا ربط الوباء بالحرب الاقتصادية الاميركية الصينية.

واعتبر البعض ان “كورونا” عملية مخطط لها من قبل الادارة الاميركية لضرب اقتصاد الصين وشريانها التجاري الحيوي في ووهان، وآخرون رأوا ان السياسة الاميركية هي وراء الفيروس لكنها أخطأت التقدير وانقلب السحر على الساحر خصوصا بعد استدراك الوضع من قبل الساسة الصينيين وعلى طريق “الايكيدو” حول الهجوم الاميركي لهجوم مضاد.

في المقابل، اتهم البعض الصين بإنتاج الفيروس وتصديره بطريقة ممنهجة للخارج حتى اوصلته للغواصات والمدمرات الاميركية والاوروبية في عرض البحار، بعدما صورت نفسها على أنها الضحية، لتحقيق مكاسب قومية.

بغض النظر عن هذه الافتراضيات، من المهم تسليط الضوء اليوم على الحرب الباردة الثانية التي يشهدها العالم بين جبارين لكن هذه المرة باصطفافات ووسائل مختلفة، أبرزها:

1- حرب صينية اميركية في مجال الشركات التجارية الالكترونية، على سبيل المثال، علي اكسبرس، وامازون.

2- حرب بورصات واسهم شركات الانتاج، فبعد تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ ان بكين عاجزة عن احتواء كورونا هوت أسهم الشركات الغربية في الصين لأدنى مستوياتها فسارعت الحكومة الصينية لشرائها بأسعار زهيدة، واليوم وبعدما اعلنت الصين تعافيها عاودت أسهم الشركات للصعود ولأكثر مما كانت عليه.

فضلاً عن انهيار البورصات الاوروبية والخليجية، ومع مطلع شهر نيسان قفزت بورصة اوروبا 1.1% بفعل التجارة الصينية، كما انهيار بورصة نيويورك وتوقفها لساعات توازيا مع تقديم الرئيس الاميركي دونالد ترمب حزمة الدعم للبورصات الاميركية بقيمة 3 ترليون دولار، وأعلن استعداده تقديم حزمة جديدة اذا دعت الحاجة.

3- حرب صناعية، والسباق على انتاج الكمامات، وللتذكير، صدرت الصين مليارات الكمامات إلى أوروبا، عدا عن قرار الانتاج الدفاعي الذي أعلنه ترمب.

4- حرب اعلامية على صورة الدولتين كقوة اساسية في المجتمع الدولي: فبكين تحاول تسويق نفسها على انها الدولة القوية والاولى التي انتصرت على كورونا توازيا مع بروبغندا اعلامية تظهر الهبات الصينية للأوروبيين ودورها الاساسي بمساعدتهم للتخلص من كورونا، ناهيك عن اظهارها هشاشة الادارية الاميركية وفشل ترمب بتعامله مع الازمة وبدء انهيار اميركا عن العرش الدولي. في المقابل تعمل الادارة الاميركية على شيطنة الدولة الصينية وتحميلها مسؤولية انتشار “الفيروس الصيني” وتصويرها على انها هي من سببت الموت للبشرية، ناهيك عن صورة الشعب الصيني التي تشوهت عند العالم، فبعدما كان مثالاً للشعب المنتج الوفي لأمته اصبح الشعب آكل الفئران والحشرات والسلاحف.

في السياق ذاته، تعمل واشنطن على تصوير نفسها أمام المجتمع الدولي على أنها الضحية ومهما فتك بها الفيروس هي قادرة بأموالها وتطورها وقوة قطاعتها على المجابهة، وهذا الذي يؤكده ترمب بكل خطابته خصوصا حول قدرة واشنطن في التوصل للقاح “لتظهر أميركا في ما بعد كأنها العظيمة ومنقذة الشعوب ويتحقق شعار ترمب قبل الانتخابات الاميركية بالفعل America great again.

5- حرب بين شركات التأمين والادوية، يمكن تشبيهها بسابق 100 متر حواجز، فالشركات الغربية والشرقية يناطحون الزمن ويستثمرون كل مختبراتهم وعقولهم وادمغتهم للوصول إلى لقاح يشكل منصة لكسب الارباح الطائلة يعوض بذلك خسائر الدول الاقتصادية، ناهيك عن المكاسب السياسية التي ستظهر على إثره.

6- حرب طاولت قطاع النفط والغاز، يكفي الاشارة إلى هبوط أسعار الخام الاميركي ما دون الصفر للبرميل، فضلاً عن تضارب المصالح التي وقعت داخل اوبك+ خصوصا بين السعودية وروسيا. والاسوأ، انه بعد المفاوضات الماراثونية بين اعضاء اوبك+ للتوصل إلى اتفاق يقضي بتخفيض انتاج النفط، لم يحقق أهدافه، استمرت اسعار النفط العالمية بالانهيار.

7 – حرب افكار ونماذج حكم، فالصين قدمت لنا نموذج القائد الشمولي القوي الصلب الذي استطاع وضع خطة والانتصار على كورونا، فردت اميركا ونعته بالحكم الحزب الواحد المستبد الديكتاتوري الذي أغفل اعداد الاصابات الحقيقية وقتل وأرهب كل من يتكلم عن الجائحة، كما “استعباده” لمسلمي الايغور، بحسب قولهم.

في المقابل، قدمت واشنطن نموذج الحكم الديمقراطي الذي كشف اعداد الاصابات الحقيقية وسمح للإعلام المعارض الذي ينتقد كل يوم عمل ترمب وسياسته ضد كورونا بالقيام بمهامه، فردت الصين واستغلت حديث معارضي ترمب ودانتهم بالجرم المشهود، فصورت كيف ان مجرد جرثومة صغيرة ضربت اميركا العظمة وانزلتها في ورطة، ناهيك عن ترويجها ان النظام الديمقراطي يسقط وقت الازمات والدليل عجز ترمب عن اتخاذ القرار وصراعه مع الديمقراطيين بكل قرار يريد ان يتخذه.

بناء على ذلك، يخرج إلى العالم صراع افكار اخرى مرتبطة ببعض، مثل النظام الشيوعي في الصين والنظام النيو ليبرالي الرأسمالي في واشنطن، صراع بين نموذج التأميم والدولة الريعية في أوروبا (الدولة تصرف اموالاً طائلة على قطاع الطبابة، لكن المواطن يطبب مجاناً) مقابل نموذج الخصخصة في بريطانيا وواشنطن (الدولة تخفض من موازنة قطاع الاستشفاء لاستغلال هذه الاموال لأولويات أخرى، هنا تصبح الطبابة على حساب المواطن)، ما يولد صراعاً بين اليسار واليمين، للاعتماد المتبادل لمواجهة كورونا والحمائية الداعية لإغلاق الحدود لتحقيق مكاسب قومية جراء كورونا.

8- ولم يسلم القطاع الالكتروني والتكنولوجيا لم من تداعيات كورونا، إذ يشكل كل من “فيسبوك” و”تويتر” و”نتفليكس” منصة لترويج السياسات والـSoft power للتأثير والسيطرة على العالم، من دون نسيان صراع ابل وهواوي وصولا لـ5G.

الصراع انتقل للعملات، فأدت جائحة كورونا إلى ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوياته، إذا أصبح الملاذ الآمن للعالم.

9- ومن قطاع العملات انتقلت الحرب الى المنظمات الدولية التي كرثها ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، منها؛ اتهام ترمب منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين وذلك من خلال التقليل من خطر الجائحة، ناهيك ما تبعه من وقف المساهمات الاميركية للمنظمة.

10- في المفهوم العسكري، يمكن اعتبارها حرب استنزاف، ومن غير المستبعد انتقال الحرب إلى ميدان القضاء وهذا ما ألمح اليه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو “الذي اشار الى انه سيقاضي الصين ان اثبت انها وراء الفيروس”.

هي فعلاً حرب باردة ثانية، اذ ادى مفهوم الردع المتبادل إلى انتقال الصراعات الدولية، من الوسائل العنفية العسكرية إلى وسائل من نوع آخر لا تقل خطورة عن الاولى.

فهل نشهد تبدلاً لموازين القوى بعد كورونا؟ وإلى أي مدى سيتغير النظام الدولي؟ وهل ينهار جبار كما انهار الاتحاد السوفياتي؟ وهل ببساطة سينهار أحد الجبارين من دون اللجوء إلى الحل العسكري؟

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.