رامي مخلوف بمواجهة بشار الأسد..السوريون لا يملكون إلا السخرية

4 مايو 2020
رامي مخلوف بمواجهة بشار الأسد..السوريون لا يملكون إلا السخرية
كانت السخرية وتأليف النكات والضحك، طاغية بين السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يتابعون دراما فيديوهات رجل الأعمال المقرب من النظام رامي مخلوف، وصراعه مع ابن عمته، الرئيس السوري بشار الأسد.

وفيما انتشرت تكهنات كثيرة حول أسباب الخلاف بين الرجلين اللذين يشكلان في الواقع وجهين لعملة واحدة، مع تقديرات حول ضغوط روسية على دمشق أو”مؤامرة” تديرها أسماء الأسد في الكواليس، تبقى المعلومات مقتصرة على قليل من الاستنتاجات الإعلامية وما يكشف عنه مخلوف بنفسه، أو ما يسربه للصحافة بدوره.

وإذا كانت السخرية تفترض بوضوح أن السوريين ضاقوا ذرعاً بعائلة الأسد وتعتبر تأكيداً جديداً على استمرارية الثورة السورية واحتقار رموز النظام، فإنها بشكل مواز تظهر أن السوريين في الواقع لا يمتلكون من أمرهم شيئاً، باستثناء التندر على المجرمين الذين تحكموا بحياتهم طوال عقود، بهذه الصورة، والاستمتاع بمشهد الصراع والتمنّي: “الله يزيد الخلاف”.

لطالما كانت الثورة منذ العام 2011 ردة فعل السوريين على أرض الواقع، التي قابلها النظام بعنف غير مسبوق مع اتباعه سياسة الأرض المحروقة في قمع المتظاهرين والانتقام منهم. وفيما فشلت الثورة التي تحولت إلى حرب متعددة المستويات لاحقاً، في إسقاط النظام، فإنها أحدثت هزات ارتدادية، منها قضية مخلوف، التي ربما لم تكن لتحصل بهذه الشكل الفضائحي، حسب الوصف السائد، لولا تراكمات السنوات العشر الماضية.

ولعل موقف السوريين اليوم يبقى مجرد ثرثرة تشبه التندّر والاستياء والأحاديث السرية التي كانت تجري بين الناس في الجلسات المغلقة حول الخلافات بين عائلة الأسد “الغامضة”. كالحديث عن الشقاق بين رفعت الأسد وشقيقه الرئيس الراحل حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي، أو حتى الأحاديث المماثلة عن الخلافات ضمن بيئة النظام كتلك التي انتشرت مع مقتل رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي العام 2000 على سبيل المثال، وغيرها…

لكن الطابع العلني الذي تفسحه السوشيال ميديا اليوم، تخرج تلك الأحاديث من طابعها السري القديم، وتسهم ربما في تشكيل نقاش عام لم يكن متوفراً قبل 10 أعوام، حتى لو انطلق من “ميمز” تصور مخلوف قائداً في فصيل معارض أو صوراً تستجدي أسماء الأسد، بشكل ساخر، تطهير الدولة السورية من الفساد.

ولم يتم تسريب معلومات عن تفاصيل تلك الأحداث التاريخية إلا من خلال لقاءات إعلامية وأفلام وثائقية ومقابلات مع منشقين عن النظام لاحقاً. وبالتالي كان الحديث عنها إبان حصولها يحدث بصيغة أقرب إلى تناقل أساطير شفوية، تجري بطريقة سرية، رغم أن النتيجة النهائية لتلك الخلافات، كانت علنية.

وبعكس ذلك، تتكشف الخلافات اليوم للسوريين في وقت حصولها، من دون وسيط أو انتظار، علماً أن هذه النوعية من التوترات ضمن الأنظمة الشمولية، تشكل لحظات مثالية للحصول على قليل من المعلومات بشأن عوالمها الداخلية السرية.

فعلى سبيل المثال يرجح أن مخلوف نفسه يقف وراء التسريبات الأخيرة للصحافة بشأن شراء الأسد لوحة لزوجته بقيمة 30 مليون دولار، مع تهديده بتسريبات جديدة كما أوضح في مقطعي الفيديو اللذين نشرهما حتى الآن. كما تحدث صحافيون سوريون وعرب ضمن محادثات شخصية عن تواصل المكتب الإعلامي لمخلوف معهم من أجل نشر معلومات تلمع صورة مخلوف أو لحذف مقالات نشرت ضده في وسائل إعلام عربية، وحتى الإعلامية الموالية للنظام ماغي خزام، كشفت عن حملة أوسع في مواقع التواصل، يشرف عليها أولاد مخلوف والمكتب الإعلامي التابع له، من أجل حشد تأييد واسع له في المعركة ضد الأسد، بما في ذلك حملة لتغيير الصورة الشخصية في مواقع التواصل لتحمل شعارات مثل “كلنا رامي مخلوف”، إلى جانب حذفهم كافة الصور التي تظهر ثروتهم الخيالية، من حساباتهم في “إنستغرام”.

ولا يمكن سوى التفكير بأن هذه الفضائحية ترتبط بالأنظمة الشمولية، أو على اقل تقدير ترتبط بغياب الشفافية وتكريس الشخصانية في الحكم. ففي الولايات المتحدة نفسها، شهدت الفترة بين 1 شباط/فبراير 2017 و31 آذار/مارس 2018 كمية من التسريبات الفضائحية الخاصة بكواليس الإدارة الأميركية وخلافات الرئيس دونالد ترامب مع المقربين منه في البيت الأبيض. وكان سبب الخلاف حينها الصراع الشخصي بين ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي شكل نافذة للميديا الأميركية من أجل الحصول على التسريبات، والتي تلاشت إلى حد كبير، في زمن خليفته مايك بومبيو، علماً أن ترامب طرد تيلرسون بتغريدة في “تويتر” بسبب خلافات شخصية كانت ذروتها عندما وصف تيلرسون الرئيس في اجتماع داخلي بـ “الأحمق”.

ومع الفرق الشاسع بين دولة مؤسسات تمثل القيم الديموقراطية مثل الولايات المتحدة، ودولة مظلمة وشمولية وبوليسية مثل سوريا الأسد، التي تحكمها منذ العام 1970 عائلة واحدة كإقطاعية كبيرة لا يتوفر فيها الحد الأدنى للحياة أصلاً، تبقى هنالك حالة من الترقب لما سيأتي لاحقاً.

لكن الأمر يشبه حقاً متابعة واحد من برامج تلفزيون الواقع. فحتى الكتابات الأكثر جدية مالت عموماً إلى تبني “التفكير بالتمنّي” في مقاربتها لتزعزع النظام وإمكانية رحيل الأسد قريباً، وهو أمر طبيعي في ظل نقص المعلومات، وإن أجمعت على أن القضية ليست بيد نظام الأسد ولا بيد السوريين، بل بيد روسيا تحديداً ورئيسها فلاديمير بوتين الذي تقول وكالة “بلومبيرغ” في تقرير اعتمد على أربعة مصادر مقربة من الكرملين، الأسبوع الماضي، أنه “يعاني من صداع بسبب الأسد” وأن صبره على حليفه الذي دعمه بتدخل عسكري مباشر العام 2015، بدأ ينفد، وحتى وسائل الإعلام الأميركية الأكثر مصداقية واحتراماً، مثل مجلة “فورين أفيرز” تحدثت عن ضرورة عقد صفقة أميركية روسية تنهي الحرب السورية مرة واحدة وإلى الأبد.

ومع استمرار أزمة مخلوف – الأسد في الفترة القليلة المقبلة، واحتمال ظهور مخلوف، الذي لم يظهر وجهه للسوريين إلا في مناسبات قليلة، وكان أقرب إلى شبح منه إلى إنسان حقيقي يتحكم بالثروة في البلاد منذ العام 2000، في مقاطع فيديو جديدة، فإن الصحافة من جهة ومواقع التواصل من جهة ثانية، ستتمتع بفرصة ذهبية لتحصيل ما يمكنها من معلومات وتسريبات نادرة عن الأسد والدائرة الضيقة المحيطة به، إلى حين حل الخلاف أو إنهائه بالقوة.