مع توسع الاحتجاجات الأميركية التي خرجت للتنديد بمقتل شاب أميركي أسود على يد شرطي، واستمرارها لليوم الثامن على التوالي، بدأ رواد مواقع التواصل العربي يتحدثون عن “ثورة أميركية” شبيه إلى حد كبير بثورات الربيع العربي التي انطلقت في عام 2010 في تونس ثم تبعتها ثورة في مصر ثم وليبيا وسوريا واليمن وغيرها.
يرى المحللون اختلافات كبيرة بين الاحتجاجات الضخمة وأعمال الشغب في الولايات المتحدة الناجمة عن مقتل رجل أميركي من أصل أفريقي، والاشتباكات والانتفاضات المناهضة للحكومة في الشوارع العربية، وفقاً لصحيفة جيروزالم بوست.
وقال المحلل السياسي والمدرب بمعهد علوم الصحافة والمعلومات في تونس نزار المكان، لوسائل الإعلام إن الاحتجاجات المستمرة في الولايات المتحدة ليس لديها أجندة واضحة لإسقاط جهاز الدولة، وبالتالي فهي مختلفة تمامًا عن الثورات والانتفاضات في الشوارع العربية.
وأوضح أن حالة الولايات المتحدة هي قضية تتعلق بحقوق الإنسان، تهدف إلى الإصلاحات الاجتماعية، بينما في تونس، على سبيل المثال، طالبت انتفاضة 2011 بتغيير سياسي واقتصادي واجتماعي.
وأضاف، “ما يحدث في أميركا يتعلق بالعنصرية، وهي حركة عفوية حدثت من قبل وتم السيطرة عليها، شهدنا في 2011-2012 حركة احتلت وول ستريت، والتي كانت مشابهة للأحداث الجارية ولكن تم قمعها بقوة من قبل سلطات إنفاذ القانون الأميركية، ولا سيما شرطة مدينة نيويورك والحرس الوطني”.
وأشار إلى أن “أميركا منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت تعاني من الانقسام الاجتماعي والانقسام السياسي، مما أوجد نوعًا من التطرف، وظهرت فجوة فكرية ضخمة بين الديمقراطيين وأفكارهم الديمقراطية، والأميركيين اليمينيين وخاصة المحافظين الجدد بين الجمهوريين وأجندتهم الدينية وجدول أعمالهم السياسي المتطرف فيما يتعلق بالقضايا الداخلية والخارجية”.
حركة عفوية
وأفاد أن القضية الرئيسية في المجتمع الأميركي ذات الجذور التاريخية العميقة تتعلق بالعلاقات بين البيض والسود، مؤكداً أن حركة الاحتجاج الحالية عفوية وسيتم احتواؤها قريبًا، على الرغم من انتشارها إلى معظم الولايات الأميركية وخاصة الجنوبية التي اغتنمت الفرصة للتعبير عن استيائها من سياسات الإدارة الأميركية الحالية.
من جانبه، قال عدنان أبو عودة، محلل وكاتب ووزير سابق في الحكومة ورئيس الديوان الملكي الأردني، أن المظاهرات في الولايات المتحدة ليس لها أي علاقة بأي شيء حدث خلال الربيع العربي، لأن الاحتجاجات الأميركية جاءت نتيجة استياء المتظاهرين بسبب السياسات المحلية وخاصة في التعامل مع فيروس كورونا.
وصرح: “ما حدث في المنطقة العربية خلال الربيع العربي كان نتيجة نضج ديمقراطي بين الناس دفعهم للمطالبة بالديمقراطية، لكن ما يحدث في الولايات المتحدة هو عكس ذلك تمامً، مواطنو دولة ديمقراطية يحتجون لأن إدارتها انحرفت عن مبادئ الديمقراطية”.
وألمح أبو عودة إلى أن الرئيس دونالد ترامب يحاول استغلال أعمال الشغب والنهب في الولايات المتحدة لخدمة أجندته للفوز وإعادة انتخابه في نوفمبر.
بينما يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة في الخليل أسعد العويوي، أن القضية في واشنطن تتعلق بتاريخ الاستعباد الأميركي للأفارقة والمعاملة العنيفة لهم منذ ذلك الحين.
احتواء الوضع
وأشار إلى أن المواطنين الأميركيين، بشكل عام، يتمتعون بمجموعة كبيرة من الحريات، وهو أمر يفتقر إليه المواطنون العرب في المنطقة بدرجة كبيرة.
وتابع، “يمكننا القول إن هناك حالة من الإحباط والاكتئاب في الولايات المتحدة بسبب أزمة الوباء العالمي، والتي ساعدت على خلق مثل هذه الاحتجاجات، لكنني متأكد من أن الإدارة الأميركية قادرة على احتواء الوضع والتعامل معها”.
صلاح قراطه، ضابط مخابرات سابق في الجيش السوري ومحلل أمني مقيم في مدريد، اعتبر أن الحركات والاحتجاجات الشعبية السابقة والحالية قد أربكت القيادة في الولايات المتحدة بالتأكيد، ويمكن أن تصل إلى نقطة حيث ستضطر الحكومة إلى التراجع أو تقديم تنازلات على الأقل.
وأكد أن هذا على عكس الوضع بالنسبة للحركات الشعبية العربية، التي غالبًا ما يتم قمعها قبل أن تبدأ، وبالتالي فهي غير فعالة وغير قادرة على إحداث التغيير، مضيفا أنه بعد عقود من القمع والأنظمة الاستبدادية مع غياب كامل للديمقراطية في الدول العربية، غالبًا ما استنتج المتظاهرون أنه من الأفضل قبول واقعهم وأوضاعهم غير العادلة لأن حركات الاحتجاجات غالبًا ما أسفرت عن نتائج أسوأ من تلك التي تسببت فيها المكان الأول.
منصور الراجحي، المحلل اليمني وكبير الاقتصاديين في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، بدوره قال إن ما يسمى الربيع العربي كان نتيجة للمعاناة السياسية والاقتصادية للمواطنين العرب، بينما في الولايات المتحدة، الوضع الاقتصادي جيد وأداء الإدارة الأميركية كان حتى وقت قريب جيدًا، وربما كانت واحدة من أفضل المراحل الاقتصادية.