يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإيهام بتحقيقه نجاحات متلاحقة، على الأقل على الصعيد الخارجي، من خلال تدخلاته الأخيرة في ليبيا وقبلها في سوريا، بالإضافة إلى مساندته لقطر، وعمليات التنقيب قبالة قبرص، بحسب ما جاء في مقال الصحافي ديفيد غاردنر، الذي نشرته “فايننشال تايمز Financial Times”.
لكن تدهورت الآن علاقة تركيا بروسيا، والذي كان يمثل تحالفًا توافقيًا على مدى السنوات القليلة الماضية، مبنيًا على أساس إدارة المصالح المتبادلة في سوريا.
وفي شباط، اشتبكت قواتهم ووكلاؤهم بشكل قوي في شمال غرب سوريا، لكنهم انسحبوا قبل بلوغ حافة الهاوية. ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد استهان بعزم أردوغان على مواصلة الضغط على الأكراد السوريين عبر الحدود التركية ومنع موجة جديدة من اللاجئين السوريين الفارين من نظام بشار الأسد، بدعم من القوات الجوية الروسية.
اقتصاد تركي هش
ولم يكن الرئيس التركي، الذي يتولى السلطة منذ ما يقرب من 18 عامًا، يخادع، سواء في سوريا أو ليبيا. ولكن هل يعتبر هذا موقف قوة تركيا حقاً؟
وتتطلع موسكو وأنقرة دائمًا إلى حلول دبلوماسية ذات منفعة متبادلة أو على الأقل كقشرة للتغطية على استخدامهما القوة. على مدى العقد الماضي، برزت روسيا وتركيا كقوتين إقليميتين في الشرق الأوسط، متفوقتين على وسطاء القوة الغربيين التقليديين: الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.
لكن تعاني كل منهما من اقتصاد ضعيف، خاصة تركيا، التي يعد وضعها الاقتصادي هشًا، بحسب رأي الكاتب، الذي عدد 7 أسباب لتلك “الهشاشة”.
ما هي الأسباب السبعة؟
أولاً.. يعتمد أردوغان على موافقة روسيا للاستمرار في الاحتفاظ بالسيطرة التركية على جيبين، تم الاستيلاء عليهما في الشمال السوري في 2016 و2018، وكذلك الحال بالنسبة للمنطقة العازلة التي تحاول أنقرة إنشاءها عبر شمال شرق سوريا في أعقاب الانسحاب الأميركي في عام 2019.
وعلاوة على ذلك، فإن موسكو هي التي تتوسط في الوفاق بين دمشق والميليشيات الكردية التي كانت متحالفة مع الولايات المتحدة، مما يمكّن نظام الأسد من العودة إلى مساحات شاسعة في شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها الميليشيات حاليًا.
ثانياً.. يهدف تدخل أردوغان في ليبيا إلى الحصول على نصيب مما تطالب به تركيا كحقوق بحرية مزعومة في ثروات النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، من خلال صفقة حدود بحرية وقعها مع الحكومة الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس. لكن أثار هذا التحرك عداء تحالف آخر من الخصوم هم اليونان وقبرص وإسرائيل، والذين يريدون ضخ هذا الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب إلى إيطاليا.
ثالثًا.. نتيجة للتدخل في ليبيا واستمرار تركيا في عمليات التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية، دفع الاتحاد الأوروبي نفسه إلى التهديد بالعقوبات على الأقل. تبخرت آمال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكن لا تزال الكتلة الأوروبية، التي ترغب تركيا في تعزيز الاتحاد الجمركي القائم بينهما، لا تزال حتى الآن أهم أسواق تركيا.
رابعاً.. لا يمكن لأردوغان الاعتماد على دعم الولايات المتحدة، حيث يواجه عقوبات بسبب إقدامه على شراء أنظمة أسلحة روسية كعضو في الناتو، فضلا عن خرق تركيا الحصار الاقتصادي المفروض على إيران.
ولكن تحدث أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع وادعى أنه وافق على جدول أعمال بشأن ليبيا، وسواء كان هذا صحيحًا أم لا، إلا أنه سبق أن تم الاتفاق بين الرئيسين عبر الهاتف في أكتوبر الماضي، وانسحبت الولايات المتحدة من شمال سوريا وحلت قوات تركية محلها.
خامساً.. بينما تقوم تركيا بتنويع اعتمادها على مصادر الطاقة، فإنها لا تزال تحصل على ما يقرب من نصف وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا.
سادساً.. تهوي العملة التركية بسرعة كبيرة مرة أخرى، مما يهدد بتكرار أزمة العملة لعام 2018، عندما قلبت الولايات المتحدة الطاولة. كانت سياسة التنمية، التي صاغها أردوغان على البناء والائتمان المنخفض والاستهلاك، قد بدأت في الفشل قبل أن يتعرض الاقتصاد لضربة بسبب جائحة كوفيد-19.
سابعا.. إن العديد من الإشارات التي يرسلها أردوغان على المستوى المحلي لا توحي بالقوة، على الرغم من استعراضه الواثق للقوة الخشنة في الخارج. ولن تؤدي الموجة الجديدة من الاعتقالات لنواب المعارضة ورؤساء البلديات إلى استعادة المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، التي خسرها حزبه الحاكم في انتخابات العام الماضي.
إن خطة أردوغان لتحويل نظام عتيق من الحراس الليليين من مقدمي الرعاية للمسنين إلى كوادر أمنية موالية له، في إشارة إلى إقرار البرلمان التركي مؤخرا قانونا مثيرا للجدل لتشكيل قوة شرطة تعرف بـ”حراس الأحياء”، ومنحها سلطة الضبطية القضائية وتولي الحراسة الليلية للشوارع، ما يعني تشكيل قوة شرطية موازية، وإحكام القبضة الأمنية على المواطنين، هو أمر لن يرضى عن الناخبين الحضريين الآخذين في الابتعاد عنه.