فاجأ الاتفاق الإيراني السوري، العسكري، كلّ القوى المراقبة للوضع السوري. أسئلة كثيرة تطرح حول حقيقة هذا الاتفاق وأبعاده.
وهو الذي جاء بعد ورود معطيات كثيرة حول اكتمال التوافق الدولي على إخراج إيران من سوريا.
وتقول طهران في هذا الإتفاق إنّها لن تخرج من سوريا، وإنّها مصّرة على استمرار تواجد قواتها العسكرية لتحفظ نفوذها العسكري، إلى جانب نفوذها الاجتماعي الذي تعمل على تكريسه بحملات التشيّع وعمليات شراء الأراضي التي تتزايد في هذه المرحلة في الشرق السوري.
لكنّ الاتفاق عملياً سيلقي على إيران أعباء كثيرة، باستمرار عملية استنزاف طهران ومقدّراتها وأموالها، خصوصاً في ظلّ العقوبات والحصار الخانق الذي تتعرّض له الدول والجهات الداعمة للنظام السوري.
في أحد جوانب حاجة النظام السوري وإيران إلى الأموال، يأتي قرار النظام السوري بفرض دفع 100 دولار على كلّ مواطن سوري يرغب بالدخول إلى سوريا، وإيداعها في المصارف السورية.
قرار يفسّر أكثر حالة ترهّل النظام وحاجته إلى “فلس الأرملة”، وهو الذي دخل في عملية واسعة للسيطرة على أموال “عرّاب الاقتصاد السوري رامي مخلوف”، الذي قُوّض نفوذه بشكل كامل، وحلّ كلّ الميليشيات العسكرية التي أنشأها حوله.
وهكذا دفع رامي مخلوف ثمن لعبه على حبال متناقضة بين الروس والإيرانيين. وانتهى بسقطة عن هذه الحبال. هذا في تكرار لتجارب كثيرة داخل العائلة الحاكمة، كتخلّي حافظ الأسد عن شقيقه رفعت، وتخلّي بشار عن صهره آصف شوكت، وتخلّيه الآن عن رامي مخلوف.
الأمر الذي قد يطال ماهر الأسد أيضاً الذي قد يدفع ثمناً مشابهاً للثمن الذي يدفعه رامي مخلوف.
وخلاصة الصورة أنّ النظام يأكل بعضه البعض في ظلّ تفاقم صراعات الأجنحة، فيما كلّ جناح يبحث عن سند خارجي.
نجحت إيران في تحويل الأنظار عن كلّ ما حُكي حول قرب الإطاحة ببشار الأسد، وأن هناك توافقاً على تشكيل مجلس حكم انتقالي وحكومة انتقالية
ينعكس ذلك في عمليات التصفية أو الاعتقالات لضباط كبار في صفوف النظام، وبينهم كثيرين من المحسوبين على الإيرانيين في الفرقة الرابعة وفي قوات المخابرات الجوية.
فيما سارعت إيران، مع النظام السوري، إلى اتخاذ قرارات مضادة ضمن صراع الأجنحة داخل بنية النظام، وعملت على تعيين أحد المحسوبين عليها مديراً لمكتب بشار الأسد، وهو رفيق شحادة، الضابط المسؤول عن ضرب رستم غزالي وقتله، بسبب ميله نحو الروس.
نجحت إيران في تحويل الأنظار عن كلّ ما حُكي حول قرب الإطاحة ببشار الأسد، وأن هناك توافقاً على تشكيل مجلس حكم انتقالي وحكومة انتقالية بتوافق أميركي روسي تركي. فعملت على إبرام اتفاقية عسكرية توجّه من خلالها رسالة إلى كلٍّ من الروس والأتراك والأميركيين.
للروس بأنّها موجودة بفعل موافقة النظام ورضاه. وللأتراك بأنّ وجودها في سوريا شرعي بناء على اتفاقيات، فيما الوجود التركي يخالف أيّ موافقة سورية، وبالتالي هو وجود مطعون بشرعيته ويمثّل احتلالاً. وللأميركيين أيضاً أنّهم قوّة احتلال فيما إيران موجودة بناء على معاهدة.
سيكون من الصعب على النظام السوري تمرير هذه الاتفاقية مع الإيرانيين في مجلس الشعب، لأنّ روسيا ستتدخّل وتغيّر الكثير من الوقائع على الأرض.
هناك من يشبّه هذا الاتفاق مع الايرانيين بأنه عملية انتحارية ومعاكسة لكلّ الوقائع، خصوصاً أنّ النظام لا يمتلك القرار.
وكان من الواضح أنّ الاتفاقية أُجريت على عجل ولم يُحضّر لها بشكل متقن.
يقول الإيرانيون من خلالها للروس إنه بحال عدم مساندتهم في وقف الضربات الإسرائيلية فإنهم سيعملون على استخدام دفاعاتهم الجوية.
وتلك لعبة إعلامية فقط، لا سيما أنّ منظومة الدفاع الايرانية غير فعّالة.
رسالتهم الأساسية أيضاً أنّهم لن ينسحبوا ويصرّون على البقاء في سوريا، على الرغم من كلّ الضغوط والعقوبات. ويرتكزون على مبدأ أنّ النظام غير قادر على قطع العلاقة مع الإيرانيين.
الاتفاق السوري الايراني، هو رسالة صريحة للروس، لمواجهة اتفاق اميركي روسي، ولتركيا دور هامشي فيه، على حساب إيران.
تبذل إيران جهدها على قاعدة أنّ أيّ خسارة لها ستعني خسارة النظام وبشار الأسد شخصياً.
لذلك يأتي هذا الخيار الانتحاري، الذي تقول إيران من خلاله إنّها قادرة على الاستمرار بتجيير سياسة النظام كما تشاء، ولن يكون من السهل إبعادها. وأهم ما في الاتفاقية تأكيد أنّ ايران لا تريد الحلّ السياسي.
من خلال هذه الخطوة، عملت إيران على تغيير بيئة الصراع ككلّ، مراهنة على أنّ النظام بات متأكداً من أنّ الروس جاهزون للتخلّي عنه.
وهي تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة من خلال سيطرتها على الارض بشكل أوسع من الروس، مرتكزة على الإمساك بمفاصل اساسية.
ويعتبر الإيرانيون أنّ لديهم 100 ألف مقاتل في سوريا، وأنّ طهران هي التي تهتمّ بتقديم كلّ المساعدات التي يحتاجها النظام، تلك المالية والغذائية والصحية، فيما روسيا فقط تركّز على المساعدات العسكرية.
مع العلم أنّ الخطّ الإئتماني الإيراني لروسيا متوقف منذ أشهر، ولم يعرف بعد ما إذا كانت الاتفاقية الجديدة ستعيد الحياة إليه.
الاتفاق السوري الايراني، هو رسالة صريحة للروس، لمواجهة اتفاق اميركي روسي، ولتركيا دور هامشي فيه، على حساب إيران
ستدفع الاتفاقية الإيرانية السورية إلى ردّات فعل كبيرة على الصعيد الدولي، أوّلها إسرائيلي بحيث ستتوسّع عمليات الضربات الجوية التي ستستهدف مواقع الإيرانيين في سوريا، وقد وصلت الضربات إلى طهران. وستفتح المجال أمام زيادة منسوب عمليات التصفية والاغتيال في إطار صراع الأجنحة داخل بنية النظام.
هنا لا بدّ من ترقّب ردّة الفعل الروسية والتي ستنجم عنها ضغوط كبيرة، وتصفيات أشخاص كبار في الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية.
وصولاً إلى تجويف النظام من الداخل إلى أن يسقط في لحظة غير محسوبة.
ستكون سوريا امام أشهر صعبة ومفصلية لناحية التطوّرات التي ستتسارع من الآن إلى شهر آذار عام 2021 موعد الانتخابات الرئاسية السورية.