إضعاف ممنهج يعيق إجراء الانتخابات في ليبيا

8 سبتمبر 2020
إضعاف ممنهج يعيق إجراء الانتخابات في ليبيا

ألمح رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السايح إلى تعمد حكومة الوفاق إضعاف المفوضية ماليا وتهميش دورها، مقابل الإنفاق بسخاء على اللجنة المركزية للانتخابات المحلية ما يطرح تساؤلات بشأن استعداد هذه السلطة للتخلي عن الحكم والتبادل السلمي للسلطة.

واتهم السايح في تصريحات إعلامية محلية حكومة الوفاق، التي يسيطر عليها الإسلاميون، بعرقلة إجراء عملية الاستفتاء على الدستور التي من المفترض أنها الخطوة الأساسية لإجراء الانتخابات الرئاسية التي يحرص الإسلاميون على عرقلتها أكثر من الانتخابات التشريعية، لافتا إلى أن الحكومة رفضت ضخ ميزانية لإجراء الاستفتاء.

ويرى مراقبون أن الإسلاميين باتوا يخشون الانتخابات منذ خسارتهم للانتخابات التشريعية سنة 2014 ما دفعهم إلى الانقلاب على نتائجها من خلال ما عرف حينئذ بانقلاب فجر ليبيا الذي فجر الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد إلى اليوم.

وبحسب هؤلاء المراقبين فإن هدف الإسلاميين وداعميهم الدوليين هو تسويف العملية الانتخابية وتأجيلها إلى تاريخ غير مسمى لمنع صعود أطراف جديدة تزيحهم من الحكم.

ومنذ توقيع اتفاق الصخيرات الذي ينظر إليه على أنه لم يقدم شيئا لليبيا سوى إعادة الاعتراف الدولي بالإسلاميين الذين لفظتهم صناديق الاقتراع، وبدء حكومة الوفاق المنبثقة عنه العمل من طرابلس، تردد مقترح إجراء الانتخابات في أكثر من مرة، وهو المقترح الذي لا يرفضه الإسلاميون علنا وإنما عن طريق افتعال عراقيل تحول دون إجرائها، وخاصة عرقلة الاستفتاء على الدستور.

وكان مؤتمر باريس الذي عقد في أيار 2018 أول من نص على ضرورة إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية العام، وهو نفس الأمر الذي نص عليه مؤتمر روما، لكنه بقي حبرا على ورق. وأطلق فايز السراج مبادرتين الأولى في 2018 والثانية في 2019، تنص كلتاهما على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لكن تصريحات السايح تؤكد أن المبادرتين كانتا غير جديتيْن.

وتتواتر الأنباء بأن أحد أهم الأسباب التي دفعت القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر إلى تنفيذ الهجوم على طرابلس كان وجود مخطط يسعى الإسلاميون لتمريره في مؤتمر غدامس الذي ألغي بسبب الهجوم، يتمثل في إجراء انتخابات تشريعية وتأجيل الرئاسية بحجة عدم إصدار الدستور في حين أن الكثير من السياسيين يرون أنه بالإمكان تنقيح الإعلان الدستوري لإجراء الانتخابات الرئاسية، وهو المقترح الذي يبدو أن الإسلاميين يرفضونه.

وتأتي تصريحات السايح مع بدء جولات جديدة للحوار في مدينة بوزنيقة المغربية يرى كثيرون أنها بمثابة الدوران في حلقة مفرغة في حين أن الطريق الأقصر لإنهاء الأزمة السياسية وإيقاف العمليات العسكرية يتمثل في إجراء انتخابات عامة.

ورغم ما يتواتر من أنباء بشأن تحديد خارطة الطريق القادمة لمواعيد تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية على أساس دستوري، إلا أن متابعين لا يستبعدون إمكانية التنصيص على ذلك وعدم تطبيقه تماما كما حصل مع اتفاق الصخيرات الذي تم تنفيذ بنوده بانتقائية.

واستعرض السايح الوضع المالي الصعب الذي تمر به مفوضية الانتخابات مشددا على أن حكومة الوفاق تجاوزت ما تنص عليه التشريعات بأن المفوضية جسم مستقل لا يتبع أي جهة خوفا من أن “تخضع لأهواء السلطة التنفيذية، لكننا صرنا تابعين لحكومة الوفاق منذ 2016”.

وأضاف أن “الحكومة تعامل المفوضية التي تعد واحدة من المؤسسات السيادية في البلاد بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع باقي المجالات وأنها خفضت في ميزانيتها إلى 400 ألف دينار ليبي، أي ما يعادل 300 ألف دولار، مقابل تخصيص ميزانية تقدر بعشرة أضعاف ميزانية المفوضية للجنة المركزية للانتخابات المحلية”.

وتقسم مهمة إجراء الانتخابات في ليبيا على جسمين، الأول هو مفوضية الانتخابات ومهمتها تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعمليات الاستفتاء، أما الجسم الثاني فيتمثل في اللجنة المركزية للانتخابات المحلية.

وأشار رئيس مفوضية الانتخابات في تصريحات لقناة ليبيا المحلية إلى أن قرار خفض الرواتب، الذي اتخذته حكومة الوفاق في سياق إجراءات التقشف بعد الضربة التي تلقاها الاقتصاد بسبب إيقاف ضخ النفط احتجاجا على إنفاق عائداته على تسديد رواتب المرتزقة السوريين واحتكارها لدى مناطق وأطراف سياسية معينة مقابل تهميش المنطقتين الشرقية والجنوبية، أدى إلى استقالة عدد كبير من موظفي الهيئة. ولفت إلى رفض الحكومة توظيف 70 شخصا جرى تدريبهم وتحضيرهم للإشراف على العملية الانتخابية المقبلة.

وجرت آخر انتخابات محلية في 4 أيلول الماضي في مدينة مصراتة وسط مشاركة ضعيفة لم تتجاوز نسبة 27 في المئة.

وأعربت البعثة الأممية للدعم في ليبيا عن ترحيبها بالانتخابات البلدية في مصراتة، مبينة أن الانتخابات أثبتت مرة أخرى إصرار الليبيين على ممارسة حقوقهم الديمقراطية.

وطالبت الممثلة الخاصة للأمين العام بالإنابة ستيفاني ويليامز جميع الليبيين بالتعامل الجدّي مع التسجيل والمشاركة بشكل أكبر في الانتخابات المحلية المقبلة.

وأضافت ويليامز أن “هذه الانتخابات أثبتت، مرة أخرى، إصرار الليبيين على ممارسة حقوقهم الديمقراطية في انتخاب ممثليهم، في تحدٍ واضح للعديد من المعوقات التي تواجهها مدينتهم وبلدهم في هذه الأوقات العصيبة”.