تكرر كل من تركيا وإيران وروسيا سيناريو تقسيم سوريا وليبيا، في المعارك العنيفة الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا، حول إقليم ناغورنو قره باغ، وذلك فيما يخدم مصالحهم السياسية والاقتصادية.
واندلع القتال حول الإقليم، منذ أكثر من شهر، ما أدى إلى اشتعال نيران في بلدات عدّة، وإجبار آلاف المدنيين على الفرار، وقتل وجرح آلاف الجنود، بينما تستفيد الدول الثلاث من المعاناة، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.
وتواصل تركيا الضغط لمزيد من القتال، بعدما زودت باكو بطائرات من دون طيار وأرسلت مرتزقة سوريين للقتال ضد القوات الأرمينية في الإقليم، في ايلول الماضي.
وتخصص وسائل الإعلام التركية عناوين يومية تشجع فيها الناس على الحرب، ما يدّل على أنّ الحرب ضد أرمينيا هي حرب تركية، وكلها تتعلق بنية أنقرة الهيمنة على المنطقة وبيع طائراتها بدون طيار للخارج.
سيناريو تركي مكرر
وتبرر تركيا تدخلاتها بـ”حُجّة” تواجد حزب العمال الكردستاني (PKK) في أرمينيا، وهي شبيه بالمبررات المستوحاة من العراق وسوريا، إذ زعمت أنقرة اضطرارها على غزو عفرين وتطهيرها عرقياً في سوريا، وطرد الأكراد والأقليات، وتدمير الكنائس والمقابر اليزيدية، لمحاربة “إرهابيي حزب العمال الكردستاني”، كما تصفهم.
ويبدو أنّ أنقرة تريد إبقاء المتطرفين السوريين في الإقليم حتى تتمكن من السيطرة عليه بالكامل، وهي الخطة نفسها التي تتبعها في قبرص وليبيا وسوريا والعراق، بحسب الصحيفة.
هذا الدعم الكبير دفع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، إلى شكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على دعمه، وذلك بحسب وكالة “رويترز”.
وكان أردوغان قالمع بدء اندلاع المعارك إن على أذربيجان أن تأخذ زمام الأمور بنفسها وأن تركيا ستقف “بكل مواردها وقلبها” وراء باكو.
موسكو وطهران كـ”دولتين مسؤولتين”
كما استغلت إيران وروسيا القتال، من أجل إظهار أنفسهما كدولتين مسؤولتين، ولكن في الحقيقة، تستفيد كل من طهران وموسكو من بيع أسلحتهما لطرفي النزاع، بحسب الصحيفة.
وكان الموقف الإيراني الرسمي، الذي عبرت عنه وزارة الخارجية في عدة مناسبات، هو دعوة الطرفين إلى ضبط النفس وعرض الوساطة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب، بداية تشرين الأول، إنّ إيران أعدت خطة بإطار عمل محدد تحتوي على تفاصيل بعد مشاورات مع طرفي النزاع، وكذلك دول المنطقة والدول المجاورة، وستتابع هذه الخطة، بحسب وكالة “رويترز”.
وكذلك أعلنت روسيا، في 10 تشرين الأول، التوصل لاتفاق يقضي بإيقاف إطلاق النار بين باكو ويريفان في قره باغ، وذلك بعد مشاورات بين وزيري خارجية البلدين في موسكو، إلا أنه لم يستمر طويلاً.
جغرافياً، تعتبر أذربيجان دولة وسطية بين إيران وتركيا وروسيا، ويقول أستاذ العلاقات الدولية في مركز اسطنبول للسياسات بولنت أراس، “بشكل عام، تبدو إيران أقرب إلى أرمينيا في علاقاتها مع كلا البلدين”، وهناك عدة عوامل لدعم إيران الضمني لأرمينيا بدءاً من التحالف السياسي الإيراني مع روسيا، إلى العلاقات التجارية بين طهران ويريفان.
يعتقد بعض الأذريين أن السكان من أصل تركي في إيران، بما في ذلك التركمان والقاشقيين وغيرهم من الجماعات الناطقة باللغة التركية، قد يصلون إلى ما يقرب من 40 في المائة، ويطلق العديد من الأذريين على شمال إيران اسم جنوب أذربيجان، حيث يعيش ما يقرب من 20 مليون أذربيجاني وفقًا لتقديرات مختلفة.
إضافة إلى الأسباب العرقية، هناك مشكلة النزاعات على الأراضي بين إيران وأذربيجان، والقضايا المتعلقة بكيفية مشاركة المصادر الطبيعية لبحر قزوين، وعلاقات أذربيجان الوثيقة مع إسرائيل، طلها أمور زادت التوترات بين باكو وطهران.
اما روسيا فيربطها تحالف عسكري مع أرمينيا ولها قاعدة عسكرية في البلاد، ومن جهة أخرى تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حكومة أذربيجان، ولها مصالح اقتصادية معها، بما في ذلك صفقات أسلحة بمبالغ كبيرة.
من جانبه، قال رئيس مركز كارنيغي للأبحاث السياسية في موسكو، دميتري ترينين، “إن انخراط تركيا المتزايد في الصراع حقيقة لا تستمتع بها روسيا. فالمصالح الروسية والتركية تتعارض هنا أكثر من أي مكان آخر”، مضيفًا، “بوتين وأردوغان لم يكونا حليفين حقيقيين، ولن يكونا كذلك أبدًا”.
فشل وقف إطلاق النار
وفشلت محاولة ثالثة الاثنين لوقف القتال بين الجيش الأذربيجاني والقوات الأرمينية في قره باغ، وتبادل الجانبان الاتهامات بـ”انتهاك صارخ” لوقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه في واشنطن.
وكان من المقرر أن يدخل هذا “الوقف الانساني لإطلاق النار” في المنطقة الجبلية من القوقاز منذ 27 أيلول، حيز التنفيذ الاثنين في الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي (04,00 ت غ)، لكن الطرفين المتحاربين أبلغا على الفور عن انتهاكه كما حدث في المحاولتين السابقتين خلال الأسابيع الأخيرة.
وانخرطت أذربيجان وأرمينيا في نزاع للسيطرة على قره باغ منذ انتزع انفصاليون أرمن تدعمهم يريفان الإقليم الجبلي خلال حرب في تسعينات القرن الماضي أودت بـ30 ألف شخص.
واندلع النزاع الحالي في 27 أيلول. وتتبادل أرمينيا وأذربيجان الاتهامات باستهداف المدنيين وخرق اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار.