الخارجية الأميركية تحجب عن بايدن رسائل زعماء الدول

13 نوفمبر 2020

لا مؤشرات حتى الساعة تشير إلى أن انتقال السلطة بين الرئيس الجمهوري دونالد ترمب المنتهية ولايته، والرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، سيتم بشكل سلس وهادئ. فترمب الذي يرفض منذ السبت الماضي الاعتراف بهزيمته، متمسكاً بخطابه حول وجود حركة تزوير شابت عملية الانتخابات الرئاسية، يعمل بكل ما أوتي من وسائل لعرقلة إطلاق المرحلة الانتقالية. وجديد خطواته جاء من بوابة وزارة الخارجية، التي تمنع حتى اللحظة بايدن من تسلم عشرات الرسائل التي وصلته من زعماء العالم.

وفي السياق ذاته، يمتنع البيت الأبيض عن السماح للرئيس المنتخب بالاطلاع على الإحاطة الأمنية اليومية للرئيس، في خطوة دفعت سيناتوراً جمهورياً بالتلويح بمعالجة المسألة في مجلس الشيوخ.

بايدن الذي باشر تشكيل فريقه الإداري، ممنوع من تسلم الرسائل التي تصله عبر وزارة الخارجية الأميركية، ومحروم من الاستفادة من الخدمات اللوجستية التي عادة ما توفرها الوزارة للرئيس المنتخب ليجري اتصالاته، وفق ما ذكرت شبكة “سي أن أن”، نقلاً عن مسؤولين في الخارجية على اطلاع بالمسألة.

وفي ضوء ذلك، تولت حملة الرئيس المنتخب تنظيم اتصالاته بعدد من زعماء الدول، بمن فيهم رؤساء حكومات ألمانيا وكندا وأستراليا واليابان.

ويأتي ذلك في وقت انضم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الرئيس الأميركي في رفض الاعتراف بفوز بايدن، وقال الثلاثاء إنه “سيكون هناك انتقال سلس إلى ولاية ثانية لترمب”.

الإحاطة الأمنية اليومية

في غضون ذلك، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما، جايمس لانكفورد، في حديث لمحطة إذاعية محلية، إنه إذا لم تسمح إدارة ترمب للرئيس المنتخب بالاطلاع على الإحاطة الأمنية اليومية التي يتلقاها الرئيس بحلول يوم الجمعة المقبل، فإنه سيتدخل لإثارة الأمر في لجنة الرقابة في مجلس الشيوخ، علماً أنه عضو فيها. وأكد لانكفورد أنه لا مانع في حصول بايدن على الإحاطات اليومية، وأن ذلك “ينبغي أن يحصل بغض النظر عما تؤول إليه نتائج الانتخابات”.

وكان مكتب مدير المخابرات الوطنية قال الإثنين، إن حجب الإحاطات الأمنية عن بايدن يعود إلى أن إدارة الخدمات العامة لم تؤكد بعد فوزه، ولم تطلق المرحلة الانتقالية التي تتيح للرئيس المنتخب الحصول على تمويل عام وخدمات عامة، والولوج إلى ملفات سرية.

بايدن يطمئن الحلفاء الآسيويين

في الأثناء، بدأ بايدن بوضع النقاط على حروف سياسته الخارجية، مطمئناً حلفاء واشنطن في سيول وسيدني وطوكيو بأنه سيبقي على اتفاقات الدفاع المشترك معها، وسيعمل على إصلاح العلاقات بعد التوتر في عهد ترمب.

فغداة اتصالات هاتفية مع قادة أوروبيين أكد فيها أن “أميركا عادت”، تحدث نائب الرئيس السابق مع رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون، ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، والزعيم الياباني الجديد رئيس الحكومة يوشيهيدي سوغا، وهنأ القادة الثلاثة بايدن على فوزه في الانتخابات الرئاسية.

“خطورة” الوضع

تضمنت مكالمة بايدن مع سوغا تحذيراً واضحاً من رئيس الوزراء الياباني بأن “الوضع الأمني يزداد خطورة” في جميع أنحاء المنطقة، وفقاً لنص المكالمة الذي نشره مسؤولون يابانيون.

ورداً على تحليل سوغا غير العادي في صراحته، أكد بايدن “التزامه العميق بالدفاع عن اليابان”، والالتزامات الناشئة عن الاتفاقات المستمرة بين البلدين منذ عقود، وفق ما أعلن فريقه الانتقالي. فخلال ولاية ترمب، شكك الحلفاء الإقليميون للولايات المتحدة في التزام الرئيس الجمهوري بالوعود طويلة الأمد للدفاع عن بلادهم في حال اندلاع نزاع عسكري.

وفي خطوة من المرجح أن تثير احتجاج بكين، ذكرت معلومات أن بايدن أكد أن هذا الالتزام الدفاعي يمتد إلى “سينكاكو”، وهي سلسلة جزر غير مأهولة تطالب بها كل من اليابان والصين، وتشكل نقطة مواجهة محتملة منذ عقود.

محور الأمن والازدهار

وفي مكالمة منفصلة مدتها 14 دقيقة مع مون، كشفت معلومات أن بايدن وصف التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بأنه “محور الأمن والازدهار” في المنطقة، وتعهد بالعمل معاً لمواجهة “التحديات المشتركة”، مثل كوريا الشمالية وتغير المناخ.

وكان ترمب فكر في سحب قوات بلاده من اليابان وكوريا الجنوبية، حيث يتمركز حالياً أكثر من 20 ألف جندي أميركي بهدف ردع أي عمل عسكري من كوريا الشمالية.

وقالت الرئاسة الكورية الجنوبية إن مون وبايدن اتفقا على الاجتماع “في أقرب وقت ممكن”، بعد تنصيب الرئيس الأميركي.

دعوة لزيارة أستراليا

في مكالمته مع رئيس الوزراء الأسترالي، تلقى الرئيس الأميركي المنتخب دعوة إلى زيارة أستراليا العام المقبل بمناسبة الذكرى الـ 70 لتوقيع معاهدة أمنية بين البلدين.

وأفادت معلومات بأن بايدن أبرز أهمية “مواجهة تغير المناخ”، التي كانت الحكومة الأسترالية المحافظة بطيئة بشكل ملحوظ في معالجتها، مع أنها طرف في اتفاق باريس للمناخ، فيما وصف موريسون المكالمة بأنها كانت “ودية للغاية”.

عمل بايدن لعقود في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، ما جعله يسافر حول العالم ويلتقي قادة أجانب، كما شغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما الذي قضى معظم فترة رئاسته يروج لأميركا باعتبارها “قوة في المحيط الهادئ”.

لكن ترمب لجأ بدلاً من نهج أوباما المثابر في بناء تحالفات في المنطقة، إلى أسلوبه القائم على عقد الصفقات. أزعج الرئيس الجمهوري الحلفاء الآسيويين من خلال خوض معارك تجارية مع الصين، واحتضان ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ- أون، وإعلانه إمكان سحب القوات من المنطقة.

ومن المرجح أن يتخلى بايدن عن أسلوب ترمب، لكن بايدن الذي يكبر أوباما بنحو عقدين، قادم من جيل أكبر سناً من صانعي السياسة الأميركيين الذين كانوا يركزون على العلاقات عبر الأطلسي في أوج الحرب الباردة.

تعيين كبير موظفي البيت الأبيض

في الشؤون الداخلية، عيّن بايدن المسؤول الديمقراطي البارز رون كلين كبيراً لموظفي البيت الأبيض، ومساعداً للرئيس لحين تسلّم منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وقال بايدن في بيان، إن كلين الديمقراطي المحنك البالغ من العمر 59 سنة والذي كان يشغل منصب كبير موظفيه حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما، “كان بالنسبة لي لا يقدر بثمن على مدى السنوات التي عملنا فيها معاً”. وأضاف أن “خبرته العميقة والمتنوعة وقدرته على العمل مع الناس من جميع الأطياف السياسية، هي بالضبط ما أحتاج إليه في كبير موظفي البيت الأبيض في هذا الوقت الذي نواجه فيه أزمة، ونعيد توحيد بلادنا”.

ويُعد كلين أحد المقربين من بايدن، وعمل معه للمرة الأولى عام 1989 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، كما وجه كلين انتقادات حادة لتعامل ترمب مع جائحة فيروس كورونا المستجد، ويتوقع أن يكون شخصية رئيسة في تصدي بايدن للأزمة الصحية.

“تسميم” الديمقراطية الأميركية

في غضون ذلك، اتهم زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الجمهوريين الخميس بـ”تسميم” الديمقراطية برفضهم الإقرار بفوز بايدن.

وقال السناتور خلال مؤتمر صحافي في واشنطن، إن “الجمهوريين في الكونغرس يتعمدون زرع الشكّ حول انتخاباتنا لأنهم يخافون دونالد ترمب”. وأضاف، “أنجزنا للتو انتخابات رئاسية شهدت انقساماً ومنافسةً شرسةً، لكن عوض العمل لتوحيد البلاد حتى نكافح عدونا المشترك كوفيد-19، ينشر الجمهوريون في الكونغرس نظريات مؤامرة وينكرون الواقع ويسمّمون بئر ديمقراطيتنا”.

وفي حين أقرّت حفنة من الجمهوريين بسرعة بفوز المرشح الديمقراطي، مثل السناتور ميت رومني، التزم كثيرون آخرون الصمت أو دعموا علانيةً مزاعم الرئيس المنتهية ولايته حول “سرقة” الانتخابات.

وتابع شومر من مقر الكونغرس، “هذا الصباح لدي رسالة بسيطة جداً للسناتورات الجمهوريين: انتهت الانتخابات. لم تكن (النتائج) متقاربة. انهزم الرئيس ترمب. سيكون جو بايدن الرئيس المقبل للولايات المتحدة”.

وشاركت الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي في المؤتمر الصحافي، ودعت بدورها إلى الإقرار بنتائج الاقتراع. وقالت، “الآن عبّر الشعب عن رأيه، فاز جو بايدن وستكون كامالا هاريس أول نائبة رئيس للولايات المتحدة”.

وما زال الرئيس الأميركي يدرس الخيارات القانونية التي تتيح له تغيير النتيجة المعلنة للانتخابات الرئاسية، أما بايدن فاعتبر أن تمسّك ترمب برفض النتيجة يمثل “إحراجاً” له. وأضاف أن عملية الانتقال الرئاسي ستستمر سواء بتعاون ترمب أو من دونه، مؤكداً “لقد بدأنا بالفعل الانتقال. نحن نتقدم على قدم وساق”.

مسؤول جمهوري في جورجيا

وفي حين يتوقع أن يجتمع ترمب قريباً مع فريقه القانوني لإقرار الخطوات القانونية التي ينبغي اتخاذها، نُقل عن براد رافنسبرغر، أكبر مسؤول انتخابي في ولاية جورجيا الأميركية، وهو وزير خارجية الولاية وينتمي إلى الحزب الجمهوري، قوله الأربعاء، إنه “لم يتم رصد أي مؤشر حتى الآن إلى حدوث تلاعب واسع النطاق في إحصاء الأصوات بالولاية، حيث يتقدم بايدن حالياً بفارق 14 ألف صوت على ترمب.

وقال رافنسبرغر في مقابلة مع محطة “سي أن أن” التلفزيونية، إنه أمر بإعادة فرز الأصوات يدوياً لأن الفارق متقارب جداً، مبدياً اعتقاده أن الأصوات أحصيت حتى الآن بدقة.

ورداً على سؤال عن مزاعم التلاعب بالأصوات، قال رافنسبرغر “لدينا تحقيقات جارية، لكننا لم نلحظ شيئاً واسع النطاق”. وأضاف أنه “لا يوجد حتى الآن دليل على أية فوارق كبيرة بما يكفي لقلب تقدم بايدن”.

ظهور ترمب

وكان ترمب ظهر علناً للمرة الأولى بعد الانتخابات يوم الأربعاء (11 نوفمبر)، في مراسم أقيمت في مقبرة أرلينغتون الوطنية في ولاية فيرجينا لمناسبة يوم المحاربين القدامى، بينما شارك بايدن باحتفال بالمناسبة ذاتها في حديقة النصب التذكاري للحرب الكورية في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.

في ظل هذه الأجواء، عزز الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس النواب، بالفوز بالمقعد رقم (218) الذي يضمن لهم الغالبية، فيما لا تزال مقاعد أخرى غير محسومة حتى الساعة.

أما مجلس الشيوخ، فيتجه الجمهوريون إلى السيطرة عليه، بعدما منحهم فوز السيناتور الجمهوري عن ولاية ألاسكا دان سوليفان بمدة جديدة، 50 صوتاً من أصل 100. وفيما حاز الديمقراطيون على 48 صوتاً حتى الآن، تأجل حسم الغالبية في مجلس الشيوخ إلى الخامس من كانون الثاني المقبل، موعد إجراء جولة الإعادة على مقعدين في ولاية جورجيا.

وأظهرت نتائج جديدة نقلتها وسائل إعلام أميركية، أن الرئيس المنتخب جو بايدن عزز تقدمه في حصيلة التصويت الشعبي بفارق 5 ملايين صوت عن خصمه الجمهوري.

وكان ترمب أضاف يوم الإثنين الماضي سلاحاً جديداً محتملاً إلى حملته، بعدما وافق وزير العدل الأميركي بيل بار على إجراء تحقيقات حول احتمال حصول مخالفات في الانتخابات. مع ذلك، قرن بار قراره بتحذير مفاده بأن “الادعاءات الخادعة أو التخمينية أو الخيالية أو بعيدة الاحتمال يجب ألا تشكل أساساً للشروع في تحقيقات فيدرالية”.

وأثار تدخل بار غير المعتاد، مخاوف من أن ترمب قد يذهب أبعد من ذلك في جهوده، ما دفع بالمدعي العام لجرائم الانتخابات في وزارة العدل ريتشارد بيلغر إلى تقديم استقالته احتجاجاً.

من جانبه، أكد الرئيس الأميركي المنتخب خلال مؤتمر صحافي من مدينته ويلمنغتون في ولاية ديلاوير الثلاثاء، أنه يتطلع إلى التحدث مع ترمب. ورداً على سؤال لصحافية عما يمكن أن يقوله لترمب في حال كون الأخير يتابع مؤتمره الصحافي، قال بايدن مبتسماً ومركزاً على الكاميرا “سيدي الرئيس، أتطلع إلى التحادث معك”، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

ولم يمتنع ترمب عن دعوة بايدن إلى المكتب البيضاوي فحسب، بل حتى منعه من الحصول على حزمة التمويل والخبرات والمرافق المخصصة لمساعدة الرئيس المنتخب على التحضير لتولي السلطة. وتتحكم بهذه الحزمة رئيسة إدارة الخدمات العامة إميلي مورفي، التي عينها ترمب، وهي المسؤولة عن الإفراج عنها.